الإجابة على هذا السؤال البديهي وردت فى ثنايا تصريحات متناقضة على لسان زعيم الحركة الشعبية الفريق اول سلفا كير ميارديت . فقد قال كير مؤخراً أنه لا ارتباط و لا ضرورة لترسيم الحدود قبل إجراء الاستفتاء و أن الأولوية القصوي للإستفتاء. وفى الوقت نفسه – و لكي يهدم كير ما قاله بذات اللسان، فقد طالب المنظمة الدولية بإحضار قوات حفظ سلام و نشرها بين الشمال والجنوب ! و حين سئل و أين يتم نشر هذه القوات – اذا حضرت ؟ فان الفريق كير بذات التلقائية و البساطة قال إنها تنشر على الحدود ! و الواقع ان الحركة الشعبية بما بات يتضح و يتكشَّف فى كل ساعة ولحظة رتبت نفسها فيما يبدو لحرب طويلة مع الشمال ،حرب دولة ضد دولة ، فقد جري اعتماد سياسة ترك القضايا العالقة و قضايا ما بعد الاستفتاء بما فيها الحدود هكذا الى حين أن يصبح الجنوب دولة لها أنياب و مخالب و مسنودة من بعض القوى الدولية ولعل اسطع دليل على هذه الخطة ، تراخي و تقاعس الأعضاء الممثلين للحركة فى لجنة ترسيم الحدود. فهم و منذ أشهر – كما تأكد لنا من خلال متابعات متصلة – يسجلون غياباً منهجياً منتظماً عن أعمال اللجنة مع أنهم معنيين أكثر من غيرهم بضرورة ترسيم الحدود على الأقل بسبب عملية الاستفتاء و إجراءات تسجيل الناخبين و تحديد الدوائر ، إذ لا يمكن ان نتصور بحال من الأحوال قيام عملية استفتاء فى اقليم مجهول الحدود و غير معروف المساحة . فالدولة التى تنشأ فى ظروف كهذه ستكون دولة مصطنعة ، لا تسند علي واقع و هى شبيهة فى هذا الصدد بدولة الكيان الإسرائيلي التي تعيش و تقتات على أراضي الآخرين المنتزعة انتزاعاً بقوة السلاح و الحديد و النار ، الأمر الذى جعل من دولة الكيان الإسرائيلي دولة ممتدة فى الهواء ، لا جذور لها و لا جنبات و ارتفاعات وخطوط طول وعرض .. ليس من المستبعد فى ظل وجود مستشارين إسرائيليين و استعانة الحركة الشعبية بخبراء إسرائيليين و أمريكيين أن دولة الجنوب المرتقبة يُراد لها ان تأتي على غرار الدولة العبرية ، تتسع بحجم الطموحات والمغامرات .و لعل الأمر الغريب حقاً أنه و فى تصريح آخر لرئيس لجنة ترسيم الحدود - أواخر الأسبوع الماضي- ثبت ان بالإمكان إكمال عملية الترسيم فى غضون شهرين ! والرجل يملك الخبرة الفنية التى تجعله يصرح بهذه التأكيدات كما ان احداً من أعضاء اللجنة لم يغالطه فيما قال ، وقال رئيس اللجنة ، البروفسير عبدالله الصادق ان ما تبقي من عملية الترسيم لا يتعدي ال20% وهى تم رفعها لمؤسسة الرئاسة توطئة لحسمها بقرار سياسي لوجود صعوبات فنية على الارض ! إذن لا صحة البتة لوجود مشكلة كبيرة بشأن عملية الترسيم تؤجل العملية الى ما بعد الاستفتاء ،و المنطق يقول ان ترسيم الحدود – مهما كانت الظروف – ينبغي ان يتم الآن قبل إجراء الاستفتاء حتى لا تتعقد الأمور مستقبلاً بسبب هذا الملف ، وإذا كانت الحركة الشعبية- (تنفذ أجندة ما) تجعلها تماطل و تسوِّف فى هذا الشأن فان من المنطقي ان يتمسك الوطني من جانبه بهذه الفرضية المهمة لقطع الطريق على(مخططات الغد) التي استعدت لها الحركة لإقلاق الشمال لعقود قادمات !