تحليل سياسي فى تصعيد عدائي غير مبرر هدد الفريق أول سلفاكير ميارديت زعيم الحركة الشعبية رئيس حكومة الجنوب بإجراء استفتاء الجنوب السوداني من جانب واحد ،و بعيداً عن المفوضية العامة للاستفتاء ،و قال كير فى ثنايا لقاء جمعه بعد من أعضاء مجلس الأمن الذين وصلوا عاصمة الجنوب جوبا الأسبوع الماضي أن أى تلكؤ من جانب الحزب الوطني الحاكم بشأن إجراء الاستفتاء سوف يدفعهم فى الجنوب لإجراء استفتاء خاص بالجنوب بمعرفة حكومة الجنوب و بطريقتها الخاصة . ولم تخل اللهجة التى تحدث بها كير من روح عدائية يعتبرها المراقبون مستحدثة إن لم تكن مصطنعة ربما فى سياق تطلعات الحركة لفصل الجنوب السوداني بأى كيفية ، وقطع دابر أى أمل فى الوحدة ، كما أن الفريق كير صب المزيد من الزيت على النار حين تحدث أيضاً عن استقلال الجنوب من ما وصفه بالاستعمار إشارة الى الشمال . و لعل المشهد الأكثر سوءاً ان الفريق كير وهو يرفع من وتيرة لهجته الحادة هذه – التى أدهشت حتى قادة الجنوب أنفسهم – كانت حشوداً من قواته تحتشد قبالة الحدود الشمالية فى مناطق النيل الأبيض ، بل و بعضها تسلق الحدود ليتجمّع فى منطقة تقع شمال خط 1956 بما يخالف تماماً الترتيبات الأمنية المنصوص عليها فى اتفاقية نيفاشا الموقعة فى التاسع من يناير 2005 ،وقد دفع هذا السلوك القوات المسلحة السودانية لمطالبة حكومة الجنوب بسحب قواتها ،و أشار المتحدث باسم الجيش الى عدم إمكانية إجراء استفتاء فى ظل التواجد غير المشروع للجيش الشعبي فى هذه المناطق . هذه الخلفية البالغة القتامة لعلاقة الشمال السوداني و الجنوب تؤشر فى الواقع لمستقبل غير مأمون العواقب ، إذ انه و منذ الآن بدأت الأمور باتجاه التصعيد و تغليب روح العداء ، ولعل هذا الأمر كشف للقادة الشماليين فى الشمال ان دولة الجنوب المرتقبة لم تعد فقط مسالة وقت كما قال الفريق كير فى أحدي خطبه فى العاصمة الأمريكيةواشنطن أواخر سبتمبر الماضي ،ولكن هذه الدولة الجنوبية تضمر عداءً وغبن دفين و تستعد- بسبب أو بدون سبب - للدخول فى مواجهة ضد الشمال ،سواء بهدف الانتقام لظلامات الماضي المزعومة ،او بهدف إرواء الغليل بسبب الشعور بالمواطنة من الدرجة الثانية أحدي أكثر الأمور حساسية فى نفس قادة الحركة الشعبية. و من المؤكد انفصال الجنوب استناداً الى هذا المشهد لم يعد فقط مطلوباً فى ذاته( للتمتع بمواطنة كاملة) أو (للإستقلال عن مستعمر) ولكنه بات ضرورياً لمحاربة أخوة الأمس والانتقام منهم لأن من الصعب ان نتخيل قيام دولة فى الجنوب لمجرد ان الشمال يطبق الشريعة الإسلامية و الجنوب يتوق للعلمانية . هذا ليس مبرراً مقنعاً للانفصال . لقد وضح الآن المبرر الذى من أجله ناضل كير و رفاقه ،فهم مدفوعون بإحن و ضغائن قديمة ،و ظلوا طوال العقود المنصرمة يشعرون أنهم يعيشون حالة احتلال من جانب مستعمر وقد سنحت الفرصة الآن للإنفكاك منه !