قبل أيام انعقدت القمة الاقتصادية العربية في مصر، وكانت القمة السابقة عقدت في الكويت عقب العدوان على غزة، وخرجت وقتها قمة الكويت بقرارات مشجعة إلى حد مقبول، لكن كالمعتاد تبقى قرارات القمم العربية حبيسة التوصيات أو تنتظر التطبيق العملي. قمم عربية سياسية واستثنائية واقتصادية، لم يعد تنتظر الشعوب منها الكثير، ولا تعول عليها في آمالها، مع أنني أرى أن مثل هذه القمم لو نظمت بشكل جيد وكانت قراراتها فاعلة وملزمة، وتحملت كل دولة مسؤولياتها سواء في مستوى تمثيلها أو في تعاونها أو في جديتها في التطبيق، لكانت هذه القمم مفتاحا جيدا لوحدة إسلامية وعربية مأمولة، ولأصبحت خطوات عملية نحو تكتل إسلامي وعربي جديد له مكانته وقوته وحضوره. الهم الغائب الشعوب الإسلامية والعربية لاتظن أن حكامها يحملون هم الوحدة فيئست الشعوب من هذا الحلم، ليس من العدل أن يعمم المرء في أحكامه، لكننا لا نلحظ هذا الهم في أدق التفاصيل ولا في أهمها عند حكامنا. ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو أن كل حاكم أو رئيس يخاف على كرسيه ويخشى أن يزول سلطانه إن انضمت الدول لبعضها أو توحدت فيما بينها فقتلوا الفكرة من أصلها وسفهوها منذ نشأتها. الخلافة العابرة للقارات وأنا أفكر في موضوع «الوحدة الإسلامية»، كثيراً ما يقع في نفسي سؤال، هل حلم الوحدة بصورته القديمة لا يزال مطروحا؟ وأعني بالصورة القديمة، أن نكون أمة واحدة مهما امتدّت بنا الأرض، وأن يحكمنا خليفة واحد، هل هذا هو الحلم الذي نريده ونسعى إلى تحقيقه ؟ وعندما أتأمل في واقع أمتنا الممتدة، أستنتج أن الوحدة كوحدة ممكنة، ولا تزال هدفاً نسعى لتحقيقه، لكن شكل الوحدة لا بد أن يتغير، وما عادت فكرة الخلافة العابرة للقارات ممكنة، على الأقل في هذه الأيام، وفي ظل الظروف التي تحكمنا، وتحيط بنا. فلماذا لايفكر الحكام بشكل من أشكال الوحدة لاينازعهم سلطانهم ويجمعهم في موقف واحد وقوة واحدة؟ لماذا لايحملون هم أمتهم ودينهم بطريقة لاتضر مصالحهم ولا تؤثر على دولهم؟ لا بد من تضحيات، ولا شك أن الأمر يحتاج جهدا وتنازلا وتطاوعا، لكن الفكرة لن تزيل ملك أحد ولن تلغي سلطانه. الشعوب أولا قبل أن أفكر بالتوجه إلى الحكام في هذا الأمل، فإني أتوجه إلى الشعوب أولا، إن هذا الأمل ممكن وليس حلما مستحيلا، لكن (لا تقتلوه) عسى أن ينفعنا أو نعيشه يوما. هذه القمم لو أحسنا إقامتها وتلك الاتفاقيات لو جعلناها نواة لعمل أكبر وهذه المصالح المشتركة والجهود البسيطة لو نظمناها وقويناها لتقاربت دولنا يوما بعد يوم، ولا زلت أذكر لحظات السعادة التي غمرتنا (ونحن صغار في المرحلة الابتدائية) يوم أُعلنت الوحدة بين مصر وسوريا والعراق، وخرجنا في مظاهرات مؤيدة لتلك الخطوة (التي بنيت على أساس واهٍ من القومية وليس الإسلام فسرعان ما تلاشت)، أما في جيل الشباب اليوم، فقلّ من يتكلم بهذه الكلمة، على مستوى الأمة. لذا وصيتي للشباب أن يؤيدوا ويدعموا كل توحّد عربي إسلامي جاد، وإن كنا لا نبني عليه كثيراً من الأمل،لكن يكفي أنه خطوة في الاتجاه الصحيح. مسجد في أوكلاهوما عندما تشكّل الوحدة همّاً لنا، عندها سنسعى للتغير، والوحدة الكبرى التي نرنو لها، قد تبدأ بفكرة ربما تكون صغيرة، فعندما نطبق الوحدة في أمورنا الصغيرة، سننجح -بإذن الله- في مشروعنا الكبير، ومن تجارب الوحدة التي عشناها في الغرب، تجربة توحيد رواد المسجد في أوكلاهوما، حيث كان هذا المسجد هو الوحيد في المنطقة، ويرتاده المسلمون، من كافة الجنسيات والأعراق، العرب والأعاجم والزنج، وبفضل الله تعالى، استطعنا أن نوحد هؤلاء، فانتخبنا مجلساً لإدارة أعمال المسجد، يتكون المجلس من تسعة أشخاص، فيهم العربي والباكستاني والزنجي، وكانت رئاسة المجلس من نصيب أخ باكستاني، لأنه كان الأكفأ بيننا والأقدر. هذه واحدة من تجارب كثيرة قد تكون صغيرة لكن يقيني أن الأمر حينما يجد هما مشتركا ونية صادقة وجهودا مبذولة فلن يكون بعيدا عن الواقع والتطبيق. ما هي العوائق أمام وحدة الأمة ؟ المعوقات الفكرية: فإذا غابت هذه الفكرة عن أذهان الشعوب، وإذا فُقِد الأمل في تحقيقها، وأصبحت أمراً ميؤوساً منه، فستبقى الوحدة مجرد أحلام تراود الناس. المعوّق الديني: قلة التوجه إلى الدين، أو التخوّف من الالتزام به، مع أنه الشيء الوحيد القادر على أن يجمع كلمة الأمة، على اختلافاتها العرقية واللغوية، ويصهرها في بوتقة واحدة. المعوّقات السياسية: وهذا أهم عوائق وحدة الأمة، فحتى لو التزمت كل الأمة بالإسلام، لن تتحقق الوحدة دون إرادة سياسية جادة. معايير الدول المتقدمة الهدف الذي أرجوه من الوحدة هو أن نكون في مصاف الدول المتقدمة، وللدول المتقدمة مزايا وأوصاف تقاس بها، وتتلخص هذه المزايا في سبعة معايير: 1- نظام ديمقراطي تعددي حرّ. 2- قوة عسكرية كبيرة . 3- اقتصاد حر ومتين وقوي. 4- صناعات ثقيلة، كصناعة الطائرات والسيارات. 5- تعليم متطور . 6- رعاية صحية عالية. 7- وجود نظام لحماية للبيئة . كيف يمكننا أن نحقق هذه المعايير عبر وحدة واقعية لا تلغي كيانات الدول الحالية؟ سيكون هذا موضوع مقالي القادم بمشيئة الله سبحانه. اللهم وحد قلوبنا، ووحد شملنا، ووحد كلمتنا، واجمعنا على طاعتك. المصدر: الوطن القطرية 24/1/2011