إختتم القادة العرب ، قادة الأنظمة الرسمية ، مؤتمرهم الدوري الثلاثين بالعاصمة التونسية تحت اسم "قمة العزم والتضامن" ، وجاء بيانهم الختامي بعنوان "اعلان تونس" مركزاً علي مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للعرب ، ورافضاً تأييد الرئيس ترامب لسيادة (اسرائيل) علي هضبة الجولان السورية المحتلة واعتراف امريكابالقدس عاصمةً (لإسرائيل) ، ومكافحة "الإرهاب" ، والتعامل مع ايران ، وغيرها .. أما الذي شعرت به ، وربما الملايين معي ، أن مقررات القادة بل ومجمل الواقع ، في تراجع مستمر عاماً بعد عام جعلت الجذور والأسباب بعيدةً ، غائمةً ، ليصبح اتخاذ الإجراءات العملية ازاءها مستحيلة .. - لماذا ندين اعتراف الرئيس الامريكي بالجولان أرضاً (لإسرائيل) ، وقبل ذلك اعترافه بالقدس عاصمةً لها ونقله سفارة بلاده اليها ...الي آخر التطورات الدرامية الجارية ؟ السبب أو الأصل هو أن هنالك احتلالاً (اسرائيلياً) قائماً منذ هزيمة حزيران 1967 .. - ولماذا هذا الانقسام الفلسطيني الذي "يقدل" في عرصاته بنيامين نتنياهو و "تزغرد" دول الإقليم الراعية ؟ السبب هو أن إسلاميي فلسطين "الإخوان المسلمون بمختلف أقسامهم واسمائهم" قد قبلوا دولة (بعض بعض فلسطين) في غزة بانقلاب 14 يونيو 2007 بعد أن قاوموا (ظاهرياً) قبول منظمة التحرير الفلسطينية لدولة (بعض فلسطين) في اتفاقية أوسلو (واشنطن ، 13 سبتمبر 1993) .. - لماذا ؟ ولماذا ؟ الأسئلة كثيرة ، الإجابة عليها ، الإجابة التي تجتاز الإدانات وتخترق الحجب الكثيفة للمشاريع والمبادرات التي تجمل وجه التراجعات ، الإجابة عليها كلها ببساطة ووضوح : لأن هنالك احتلالاً ، اغتصاباً ، تقسيماً (سمه ما شئت) قد وقع عام 1947 لفلسطين .. أصل المسألة أن الحركة الصهيونية التي تأسست عام 1897 استطاعت أن تتوج جهودها لتأسيس وطن يجمع فيه اليهود من كل بقاع الأرض ، استطاعت أن تغتصب فلسطين لهذا الغرض عام 1947 مستندةً علي مزاعم تاريخية من نسج أخيلة قادتها ، ووجدت التأييد من بعض دول العالم لأسباب مختلفة .. ومع إيقاع الصعود والهبوط في صفوف الدول الاستعمارية الغربية أصبح الهدف الرئيسي لدولة الكيان الصهيوني هو التوسع والعمل علي قمع كل محاولة للنهوض في المنطقة سواء علي صعيد العلوم والتكنولوجيا أو علي الصعيد الوحدوي التحرري .. ومع تراجع جذوة حركة التقدم والكفاح الوحدوي في المنطقة وسقوط انظمتها ظهرت دعوات التسوية مع "اسرائيل" وجوهرها الاعتراف بهذا الكيان ولو علي حدود 1967 ، وحركة التراجع لا تتوقف إلي أن وصلت ما نحن عليه الآن من تسابق لكسب ود "اسرائيل" سراً ، وحتي الشتيمة علناً في تراجع .. هذا علي صعيد (مركزية القضية الفلسطينية) وإدانة الاعتراف الامريكي بحق "اسرائيل" في الجولان وفي القدس عاصمةً لها ، أما علي صعيد التعامل مع ايران ورفض تدخلاتها في المنطقة : الأصل أن إيران دولة تجاور الحدود الشرقية للعرب ولها ، فوق حقيقة الوجود الجغرافي هذا ، وجوداً تاريخياً بارزاً وكانت جزءاً حياً ومعطاءاً للدولة العربية الاسلامية في كل مراحلها التاريخية ، ولكنها التقطت جرثومةً خطرةً عشية سقوط الدولة العربية الاسلامية وتمزقها ، والأخطر تحويرها للجرثومة لاحقاً بما يخدم عقدتها التاريخية العميقة أن اعراباً من الصحراء هزموا الإمبراطورية الفارسية العظيمة وأدخلوها في دينهم ودولتهم الصاعدة لتشاركها صناعة الحضارة الإنسانية البهية القادمة وبلغتهم .. التقطت فكرة التشيع وحولتها الي مذهبية طائفية ملأتها بأساطير وأوهام ، وعندما حانت الفرصة الملائمة بقيام دولة الصفويين ذات الجذور الشاهنشاهية عائلياً مطلع القرن السادس عشر ، أجرت في الشعوب الفارسية المسلمة عمليات تحويل قاسية من الإسلام العادي الي المذهب الشيعي ومن داخله الي المذهب الامامي/الاثني عشري بوسائل موغلة في الوحشية .. وبانتصار ثورة الشعوب الإيرانية علي الشاه عام 1979 وصعود المرجع الشيعي الأكبر آية الله الخميني إلي أعلي سنامها مرشداً ، بدأت مرحلة إحياء النعرة المذهبية القاتلة في المنطقة بإعلان مذهب الامامية الاثني عشرية ديناً رسمياً في دستور إيران مضمرةً الهدف القومي في بعث الإمبراطورية الفارسية الشاملة لكل بلاد الجزيرة والمشرق العربي ، فبدأت رحلة (تشييع) المنطقة غطاءاً لهدف إقامة الإمبراطورية الفارسية علي امتداد المنطقة .. هكذا عملت إيران علي مد نفوذها تحت الراية الامامية/الاثني عشرية انطلاقاً من العراق الي لبنان ومن البحرين الي اليمن وسوريا وكل ما نراه الآن من استغفال لبعض أبناء الشيعة العرب واستخدامهم مواطئ أقدام لها ولأهدافها القومية العنصرية ، وسبق ذلك ، وفي عهد الشاه ، وعند قيام وحدة الإمارات العربية ، ان قامت إيران باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث .. هكذا التقت المساعي وتشابكت المصالح "اسرائيلياً" وفارسياً في اضعاف المنطقة ، تدمير ثقافتها وتفتيت دولها الي كانتونات طائفية متنافرة ومتقاتلة لتأمين نفسها ولتسهل السيطرة عليها .. وإذا كانت تلك هي المخاطر الخارجية التي أسماها المؤتمر بغير اسمائها ، فإن خطراً داخلياً قاتلاً يمسك بخناق هوية العرب ووعاء ثقافتهم وتراثهم (اللغة العربية) ، قد يستسهل البعض هذا العامل ولكنه الأخطر مطلقاً اذا تمعن فيه المرء .. فالمتجول في أسواق وطرقات كثير من مدن المنطقة يلاحظ أن الإنجليزية هي لغة البلد الرسمية أو تكاد ، هي لغة الحياة اليومية ، بها يبيع وبها يشتري وبها يحادث الناس ، هي لغة التعليم الخاص ، أطفال وصبيان من أبناء البلد (يراطنونك) بالإنجليزية إذ لغتهم العربية ضعيفة ، ومسؤولون كبار يلحنون في القول برباطة جأش !! وهذا من أخطر انواع الاستعمار الداخلي ، استعمار الأفئدة فتتهيا طائعة لكل ما يأتيه من السيد ..