مشهدأول شكل خروج قطبا الكرة السودانية من البطولة الافريقية صدمة كبيرة لجماهير الكرة الرياضية بالسودان وكان التفاعل مع الحدث كبيرا في كل الطرقات .. والشوارع.. والبيوت.. والمحلات.. والازقة الضيقة.. في مشاهد محزنة تتحدث عن نفسها فاقت كل الاحداث الاجتماعية والسياسية التي وقعت بالبلاد وعلي رأسها انفصال الجنوب وياليتها لو كانت هي كورة فعلا تستحق كل هذا البكاء والنحيب واحيانا لدرجة الموت لوجدنا لهم العذر وقد شكلت صدمة وغصة في الحلوق وجافي النوم مضاجع الكثير من جماهير الرياضة وغزاهم الوجع وتمدد في اوصالهم مشهدثاني خرجت جماهير الرياضة بمدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور لحظة اعلان تأهل فريقها للدوري الممتاز في مظاهرات فرح هستيريية وهي تهتف بحياة فريقها وتهتف للوالي وبطريقة افراح مبالغة فيها وهي تطوف ارجاء المدينة مما يدل علي ان هذه الجماهير فعلا مكبوته ومحرومة تماما مع الاشارة الي ان الكثير منهم من ضحايا سوق المواسير ومنهم من تأثر بالحرب التي ضربت الاقليم الكبير وهؤلاء الجماهير أغلبهم من كان بالامس يهتف ضد الوالي يوسف كبر الذي عرف كيف يحول دفة الامور لمصلحته الشخصية واحسن ادارة اللعبة بحنكة واقتدار منذ حملته الانتخابية قبل بداية الانتخابات الاخيرة امام حشد جماهيري ضخم عندما تعهد بأسترداد كل اموال سوق المواسير واعطاء كل ذي حق حقه وتعويض المتضررين وحذر المواطنين من التصويت لخصمه الذي كان يحمل رمز( الديك) ورد د قولته المشهورة (البدي الديك من ديك وعيك )مما اضطر المواطنين بالتصويت لرمز الشجرة مرشح المؤتمر الوطني حفاظا علي مصالحهم وبعد فوز الوالي في الانتخابات واحتفاله بالنصر توقع المواطنون ان يحصلوا علي امواهم المنهوبة ولكنهم تفاجأوا بأن الوالي قد اصدر توجيهاته بأحاله قضية سوق المواسير لنيابة الثراء الحرام وتم القبض علي المتهمين الاساسين وهما موسي الصديق مالك شركة قوز عجيبة وادم اسماعيل مالك شركة ابو القحطان وتم ايداعهما (سجن شالا) الشهير بالفاشر ولكن يقال ان بعض المواطنين تحدثا اليهما فأفادهم المتهمان بأن الاموال تم تسليمها للوالي لتمويل حملته الانتخابية وأعادتها فور وصول اموال التمويل من الخرطوم الا انه غدر بهما واودعهما السجن وانهما كانا يريدان مقابلة المواطنين ليؤكدا انهما راحا ضحية ( شمار في مرقة).. وكان المواطنين قد خرجوا حينها في مسيرات سلمية لتسليم مذكرة للوالي للمطالبة بحقوقهم الا ان الشرطة والامن تصدت لهم بأطلاق الرصاص وحتي الان لا زالت القضية محلك سر وما يعنيني هنا ان الوالي يوسف كبر قد ادار لعبته بأقتدار وصرف الاموال الطائلة علي فريق مريخ الفاشر ودعمه دعم من لا يخشي الفقر وفي نفس الوقت لا يزال ضحايا سوق المواسير لم يتسلموا استحقاقاتهم و الاطفال وامهاتهم والنازحين يتضورون جوعا وأمهات الضحايا والمنكوبين في معسكرات دارفور ينتحبن رافعات اياديهن الي السماء متضرعات الي المولي عز وجل علي اولئك الذين افقدوهم شهية الحياة وقد فعل الوالي كل هذا قاصدا تحقيق هدفه في المقام الاول حتي يصرف الاذهان عن المرارات التي يئن منها الاقليم وينسي المواطنين عن مراراتهم الحقيقية كان مشروع الرياضة الجماهيرية في مايو حسد وغيرة من جماهيرية كرة القدم اما الانقاذيون فقد كانوا يرون ان ذلك لهوا وانصرافا عن ذكر الله لكنهم سرعان ما أكتشفوا ان ذلك مخدر فعال لصرف انظار الناس عن حاضرهم المؤلم ومستقبلهم المظلم فأنتشرت الصحف الرياضية وشجعتها الحكومة بالسماح لها بالصدور في ثمانية صفحات لأضعاف الصحف السياسية وتقوم الفاشية والانظمة الشمولية في كل زمان ومكان علي التعصب والتمييز والانحياز وأشاعة الفتنة ولكن الغالبية العظمي من مشاهدوا كرة القدم في بلادي يعانون من البطالة والفقر والحرمان ويحاولون التخلص من احباطاتهم في كرة القدم مثلما يحاولون التخلص منها في الخمر والجنس والمخدرات وغير ذلك من الانحرافات وقد لاحظنا كيف ان المجتمع اللمصري قد بدأ فعليا ينتفض ضد الفساد والقهر والظلم الاجتماعي وأن اهتمامه الجنوني بكرة القدم بدأ ينخفض عن ما كان في السابق بعد ان انكشف المستور لم يحزنني بأن الملأ الحاكم قد حققوا امجادا ومكاسب غير مشروعة في حقبتي العقدين الاخيرين بقدر ما أحزنني غوغائية أولئك الرعية الذين تم تغييبهم بألية اللاوعي فباتوا يهتفون بأسم جلاديهم الذين صرفوا عقولهم للدرجة اللتي بات فيها المواطن لا يتفاعل مع اوجاع الوطن وأنما انصرافه لشكليات ثانوية فارغة مثل اهتمامه بالكورة لدرجة الجنون ولو كانت هي كورة فعلا لوجدنا لهم الاعزار وكانت الاحداث التي صاحبت مباراتي القمة في الموسم قبل الماضي التي كان بطلاها هيثم مصطفي وراجي عبدالعاطي واحداث الشغب التي صاحبت مبارتي القمة في هذا الموسم فشغلت الكثيرين دليل يغني عن المجادلات وذلك لمجرد الانتماء لفريقي الهلال او المريخ الذين يعلوان علي الوطن ان من سوء حظ الذين قاموا بالمشروع الحضاري انهم جاءوا في مرحلة متزامنة مع ارتفاع موجة العولمة وسقوط المعسكر الاشتراكي وسقوط حائط برلين ولسوء حظهم انهم جاؤا والعالم يشهد مرحلة تحولات اقليمية.. فالعولمة الغت الحدود الجغرافية بين الدول ولا تستطيع اي جهة ان تقول انها تعيش داخل كهف ولن تصل لها العولمة كما ان التغيرات السياسية جعلت العالم قطب واحد فارضا هيمنته الاقتصادية والسياسية وبدأ العالم يتكيف فعليا مع هذه التغيرات ويبحث لها عن حلول وهنا دخل اصحاب المشروع الحضاري في ورطة تتمثل في التناقض الكامل مع تلك التحولات فأرادوا ان يحافظوا علي اصالتهم ويكونوا مجتمع حديث وهذه هي المعادلة الصعبة التي يعيشها الاسلاميون في بلادي هي انهم يريدون الجمع بين الاصالة والحداثة في اتجاهين مختلفين ولذلك دخل المجتمع السوداني في قلب هذا التناقض فالاصوليين والسلفيين يعتقدون ان المديح حرام حتي مدح النبي( ص) دعك من الغناء والموسيقي لكن هؤلاء حاولوا الخلط بين الاثنين ويريدوا ان يجعلوا لها معادلة يدخلوها في اذهان الناس ولذلك اعتقد بأن هذا التناقض خلق تغيرات اجتماعية سالبة لانك تريد مسايرة العصر وتوجد مقاومة من الجانب الاخر فهذا الانسان يجب ان لا تمنعه أقنعه لكن يجب ان لا تمنعه فأذا فشلت في أقناعه فلا تحرمه لانه يمكن ان يكتشف الملايين من الحيل ليصل الي الهدف الذي يريده ان الملأ الحاكم لا يزال يعبر عن خلافاته السياسية من خلال اللغة الدينية في شكلها الايدولجي التي يستغلها لمصلحته الخاصة كأنما الدين هو وسيلة لتغنين الظلم الاجتماعي لا لتطويع الواقع الاجتماعي ومن هنا نفهم تحالف الاحزاب.. احزاب اليمين من اخوان مسلمين-انصار سنة-صوفية-وأخرين مع نظام الانقاذ وفي ذلك يقول امين حسن عمر انهم اهل دعوة للثقافة الاسلامية بتمظهراتها المختلفة التي اقصاها الاستعمار ولكنه ضد النظم البيولوجية ولكن تلك التمظهرات نراها تجلت في تغيير العملة الي الدينار وزراعة اشجار النخيل في شوارع الخرطوم كمظهر اسلامي وسميت المدارس والشوارع والمستشفيات وداخليات الطلاب بأسماء لشخصيات واحداث اسلامية وهذا يعني الشكل دون المضمون لان الاسلام جوهره التوحيد وغايته العدل ووسيلته الرحمة ولكن هذا النظام الذي ظل يكتسب مشروعيته من الحرب التي تمتد من قتل المسلمين لبعضهم الي تزويد المتخاصمين بالسلاح في السودان عامه وفي دارفور خاصة فما رأي ائمة السلطان في الارواح التي أزهقت وما رأيهم في قوله( ص) من اعان علي قتل مسلم ولو بشق كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بيت عينه أيس من رحمة الله فيجب علينا ان نتذكر ان هذه العصبة هي نفسها من ساهمت في تغييب الوعي بألية اللاتفكير لدي المواطنين وايقاظ الحمية الجاهلية حتي في الكورة نجد التعصب الاعمي و يعتبر الارتداد من المريخ الي الهلال او العكس جريمة شنعاء تستحق القتل المعنوي او اكثر من ذلك فلقد فقدنا في دارفور جيلا كاملا لصالح الحرب وها نحن الان نتأهب لفقدان جيلا اخر لمصلحة المخدرات فأي رفعة ترجي لبلد عقل شبابه مغيب لقد اهتم هذا النظام بعملية حيونة الانسان السوداني بطريقة تجعله مشغول بنفسه ومهتما بغرائزه تمتما كما كان الانسان الاول فنجن نعيش الان بنفس فكرة الانسان الاول نقضي وقتا كبيرا في البحث لقمة العيش وعن سبل كسبها وكذلك قلل النظام من مساحات الترفيه الايدولجي وقام بعملية كبت شديدة ومن الاشياء الخطيرة الصورة التي رسمها النظام عن المرأة ,ارجعها للعصور السحيقة فسابقا كان وجود المرأة امرا عاديا والتعامل معها كذلك مثل زميلتك في الجامعة أو العمل مهما ارتدت من ملابس لم تكن تثير الانتباه مثل الان ولكن ما فعله هؤلاء؟ جعلوها كائن مثيرا للغرائز الجنسية بطريقة مبالغ فيها فالمرأة نفسها أصبحت تنظر لنفسها كشخص غير طبيعي ومن الجانب الاخر اصبح ذهن الرجال مشغول دائما بالمرأة خصوصا مع تنامي العولمة والبحلقة في الفضائيات علي هيفاء ونانسي واليسا وعندما ينزل الشخص الي الشارع يكون عقله قد تبلد تماما وبالتالي تنامت اشياء لم نكن نألفها بكثرة مثل التحرش وجرائم اغتصاب الاطفال ولذلك اصبح هذا المجتمع مليء بعقد كثيرة ولم يعد الانسان السوداني طبيعيا لانه عقله قد تعطل وهذا النظام يستغل فكره انه لا يريد انسان واعي ومدرك فهذه اشياء مهمة فالنظام يريد انسان بائس والحياة امامه ليست لها اي معني فهذا هو انسان الانقاذ التي تريده فهي قد عملت منذ مجيئها علي ضرب الطبقة الوسطي فهناك من يظنون ان الطبقة الوسطي قد انقرضت فهي عكس ذلك ولكنها اقتصاديا اصبحت فقيرة ومعدمة لم يعد لها تأثيرها القديم بأعتبار انها كانت طبقة رائدة وطليعة فأغلب الاحزاب الساسية سواء كانت قوي تقليدية ام حديثة فمثلا مؤتمر الخريجين كان يمثل الطبقة الوسطي وهؤلاء كان لهم تأثيرهم الواضح حيث كانوا قاطرة تسحب بقية المجتمع وهم من صنع الحركة الوطنية وبالتالي حكمو السودان بعد الاستقلال فقد كانت مسلحة بالعلم والمعرفة والتعليم والثقافة وقادرة علي تنظيم نفسها وانهار التعليم الي الدرك الاسفل عن ذي عمد بعد ان اصبح الاهتمام بالكم لا بالكيف فلا يوجد اي اهتمام بالمعرفة التعليمية ولا بالجودة وبالتالي الحياة العامة اصبحت في تضخم فنذكر كم مليون في كذا وكذا وأفتتحنا كم جامعة والخرطوم عاصمة للثقافة ومهرجان الثقافة رقم كذا بولاية البحر الاحمر فهي في الواقع زيادة اصفار فقط فكلها مسألة كمية لا تعمل اي اضافات حقيقية فلذلك هذه كلها مرحلة انهيار كامل فالتمسك بالشعارات لا تجدي فتيلا فمثلا المماليك والعثمانيين والايوبيين والامويين والعباسيين هذه كلها كانت ممالك فيها سلطان وكلها الي زالت واصبحت تاريخا فمرات الدولة تكون ظالمة حتي ولو كانت تقيم الدين تسقط فالظلم هو السوس الذي ينخر في أي دولة ويعجل بنهايتها فقد كان الاخوان المسلمين في المدارس والجامعات يحاسبون خصومهم الشيوعيون علي كلمات قالها ماركس في القرن الثامن عشر بأن الدين أفيون الشعوب ولكنهم طبقوا ذلك عمليا في نهايات القرن العشرين..والفعل أبلغ من القول وأكثر دلالة فالجامعات أصبحت مصنعا لتفريخ انسان الانقاذ المعقد فبدلا من ان تكون منارات للمعرفة أصبحت مزارع لزيادة الحيوانية بشكل أكبر ومن هنا نسأل هل أصبح الطلاب الذين تم تأهيلهم مؤهلين علميا ولهم ثقافة واسعة وقدرة علي التفكير المستقل ولكن هذا غير موجود فالانقاذ أخذت كل الحاضر ومدت يدها وسرقت المستقبل فكونها تربي اجيالا بهذا الاسلوب يعني انها سرقت المستقبل لان المستقبل يبدأ من هؤلاء فهكذا يكون طغاتنا قد اهدروا ماضينا ونجحوا فيث ضمان كوارثنا المستقبلية فاذا اردنا ان نتحدث عن مسببات الانحرافات الاخلاقية في المجتمع فهل يمكن ان نتحدث فقط عن الجوع والفقر والمرض والتفكك الاسري وانعدام الثقافة المجتمعية فحسب ام علينا ان نتتبع هذا الانسان منذ ان حملته امه كرها ووضعته كرها ؟ فقضية الانهيار الاخلاقي هي أكبر من أن نمسكها علي هون أو ندسها ندفنها تحت التراب ان المخرج الوحيد هو اعادة البناء بأعتبار ان هذا الواقع سيستمر بشكله الحالي ولا بد في النهاية من الانهيار ولا يوجد مخرجا بالمرة الا بأعادة البناء بعد ان يسقط كل هذا العبث ولا توجد اي طريقة أخري للأصلاح في ظل هذه الاوضاع المأزومة فالموجود الان يستحيل اصلاحه فنحن نريد مواطنا مدركا لحقوقه كمواطن واعي وانسان عارف ومتعلم ومثقف يريد ان يبني وطنا ويكون فيه شخصيته فالمواطن بهذا المستوي لا يأتي من الفراغ فهو محتاج لدولة معينة وعندما نقول اعادة البناء فنحن نعني انسان جديد ودولة جديدة وهذا ليس بالمستحيل في تاريخ الشعوب فتجربة ألمانيا بعد النازية وأعادة البناء تكفي للتأكد من الازمة و تغني عن المجادلات - - - -