ان مفهوم الموارد البشرية يقوم على اعتبار أن البشر يمثلون المورد الأهم والأخطر بالنسبة لأى منظمة، لذلك جاء الإعتناء به عناية فائقة، حيث أنه المورد المؤثر على بقية الموارد سلباً أو ايجاباً ، فكل الموارد الأخرى إنما يقدرها ويوفرها ويوظفها البشر، وان ما يتحقق من نتائج انما هو نتاج تعامل المورد البشرى مع بقية الموارد ليصبح المورد البشرى هو المورد الأهم والعنصر الحاسم فى تحقيق النتائج وبلوغ الأهداف. فالمورد البشرى إذن يستحق ان يجد كل العناية فى اختياره اختياراً صحيحاً وتوظيفه توظيفاً صحيحاً وتوفير البيئة المعنوية والمادية التى تتيح له التفاعل الايجابي مع بقية الموارد وصولاً الى أفضل النتائج. أما النمو من الجهة الأخرى فيعنى الزيادة كما أو نوعاً، ولكن النمو الطبيعى يتم وفق إدارة وفى مسار محدد لبلوغ هدف محدد، والموارد البشرية كغيرها من الموارد الأخرى إذا لم يتم تعهدها ورعايتها وتنميتها تتآكل كماً ونوعاً. ومن هنا كان من اولويات الدولة اهتمامها بهذا المورد البشرى الهام وفي هذا الإطار عقد المؤتمر الاول لتنمية الموارد البشرية تحت شعار( الموارد البشرية ركيزة النهضة الشاملة ) للاستفادة من كل الموارد البشرية كقوى عاملة بقدر الإمكان لمجابهة التحدى الأكبر على مستوى الدولة ، فإن ذلك التحدى يتمثل فى الاختيار الصحيح للمورد البشري وتهيئة بيئة العمل المعنوية والمادية التى تحفزه على العمل والإنتاج. ومن بين المحاور التي تم نقاشها في المؤتمر محور السياسات العامة وتخطيط الموارد البشرية وآلياتها أوضح فيه المشاركون ان عملية تنمية الموارد البشرية تهدف إلى زيادة القدرات الحالية وتنمية المقدرات المستقبلية للأفراد على خلق بيئة تعمل على تنمية وإدارة المعرفة بإنتظام وتعمل على تخطيط مداخل تتيح التطور الذاتى آخذة فى الاعتبار تطلعات الفرد واحتياجاته بما يؤهل الفرد للإستخدام داخل المنظمة وخارجها. وان مفهوم تنمية الموارد البشرية يقوم على مختلف الجوانب من تعلم وتعليم واكتساب مهارات ومن خلال الخبرات التى تتاح للفرد ، ليطبق ما تعلمه ومن ثم تحصل المنظمة على نتائج ذلك التطبيق، فإننا نجد أن كل ما يحدث للفرد من تطور فى قدراته ومهاراته، و ينعكس بالتالي على أدائه أنما يأتى عبر التعلم ، فان التعلم ليس مجرد معرفة فكرة جديدة ولكنه يحدث حينما نتمكن من فعل فعل أو نكتشف خطأً ونصححه. ويتأتى ذلك عبر التدريب الذى يهدف الى اكساب المتدربين المعارف والمهارات وتعديل اتجاهاتهم بما يمكنهم من أداء أعمالهم بصورة أفضل كماً وكيفاً. ولقد ظلّ النشاط التدريبي في السودان ولعدة عقود محكوماً بأداة تشريعية تمثلت في قانون التدريب القومي لسنة 1976م ولائحة التدريب القومي التي صدرت بموجبه ، ويتضمن القانون ولائحته نصوصاً تتعلق بالمعايير والأسس الواجب على مؤسسات الدولة التزامها تجاه الأنشطة التدريبية. ومن بين القوانين الهامة التي صدرت في هذا الصدد قانون التدريب المهني والتلمذة الصناعية لسنة2001م الذي أحدث نقلة نوعية كبرى في إدارة وتنظيم نشاط التدريب المهني والحرفي على المستوى القومي وانتهاج جملة من السياسات والتدابير ترمي في مجملها إلى تعزيز قدرات مؤسسات ومراكز التدريب المهني وتوفير المقومات الكفيلة بتمكينها من الوفاء باحتياجات سوق العمل من العمالة الماهرة في شتى التخصصات. كما صدر في هذا الشأن قانون التدريب القومي للعام 2003م الذي نص على إلزامية التدريب لكافة العاملين بالدولة ، كما نصّ على أن يكون استيفاء برامج التدريب المقررة لكل وظيفة من متطلبات الترقي والتطور في المسار الوظيفي للعاملين . كذلك فقد نص القانون على إنشاء مجلس قومي للتدريب يضم كافة الجهات ذات الصلة ويضطلع برسم السياسات والخطط القومية للتدريب وتحديد أولوياتها وموجهاتها ، وحدد القانون إنشاء إدارات للتدريب بالوحدات الاتحادية تحت الإشراف المباشر لرئيس الوحدة ، كما نص أيضاً على تنظيم التدريب في مراكز القطاع الخاص وينتظر أن يسهم هذا التشريع الجديد في وضع هياكل ونظم وانتهاج سياسات وخطط وبرامج تلبي الاحتياجات اللازمة لمؤسسات الدولة والمجتمع من الكوادر المدربة القادرة على تحقيق أسباب التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كافة أرجاء الوطن. كما أن قانون الخدمة المدنية للعام 2007م اعتبر التدريب حقاً وواجباً، حيث أفرد له الفصل الثامن منه والذي تناول إلزامية التدريب ، كما نصت المادة 38 أ من ذات القانون على ربط التدرج الوظيفي بالتدريب. وفي إطار اهتمام الدولة بأمر التدريب تضمنت الاستراتيجية الربع قرنية أهدافاً وموجهات لسياسات التدريب تركز على : - إعداد واستخدام وتأهيل الموارد البشرية القادرة والراغبة في النهوض بأعباء النهضة الحضارية التي تنشدها البلاد والمتميزة بالفاعلية والكفاءة والمبادرة والاتقان والمنحازة لرؤى الأمة وأهدافها العليا ونظامها الاتحادي. - ربط الجهود التدريبية وتوجيهها وفقاً للمهارات والمعارف والاتجاهات المطلوبة. -تحقيق منهجية موحدة للتدريب لخلق ثقافة موحدة للتدريب بالخدمة العامة. - توفير العمالة الماهرة والقوى العاملة المدربة تدريباً عالياً وذلك بالتوسع في مراكز التدريب المهني العامة والخاصة وتحديث مناهج التدريب المهني بصورة دورية لمواكبة التقدم التقني . - استحداث أنماط جديدة في التدريب تفيد في توظيف الفاقد التربوي وتأهيل قطاعات المرأة والشباب للاستجابة لمتطلبات سوق العمل. يشار هنا إلى أن الاستراتيجية القومية للتدريب للأعوام 2007-2011م قد حددت في إطارها النظري الدور المركزي للتدريب باعتباره أداة أساسية لتزويد الإنسان السوداني بالمعارف وتطوير قدراته وإكسابه السلوكيات الإيجابية التي تعزز من انتمائه لوطنه واحترامه وتقديره لعمله وحرصه على الإتقان والتفاني في الإنجاز والتميز في الإبداع والإبتكار. وشملت الاستراتيجية أيضاً تحديداً للرؤية والرسالة والأهداف والسياسات التفصيلية للتدريب إلى جانب وسائله والأولويات التي يمكن التزامها والآخذ بها في التنفيذ، يضاف لهذا فقد أوردت الاستراتيجية أطر التدريب في قطاعات الدولة في المجال السياسي، الاقتصادي والخدمي مع مقترحات لحزم تدريبية في المجالات والمستويات المختلفة. كما وردت الإشارة إليه آنفاً، فإن أنشطة التدريب في الدولة تنهض بها العديد من المؤسسات من بينها: المؤسسات القومية للتنمية الإدارية، أكاديمية السودان للعلوم الإدارية، مركز تطوير الإدارة والمركز القومي لللتأهيل الكتابي. وتضطلع هذه المؤسسات خاصة الأكاديمية ومركز تطوير الإدارة بتنفيذ العديد من برامج التدريب والبحوث والاستشارات للقطاعين العام والخاص على المستوى الاتحادي والولائي، كما تخصص جزءاً من برامجها لخدمة المنظمات الطوعية ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام. ويشار هنا إلى أن أكاديمية السودان للعلوم الإدارية قد شرعت مؤخراً في إنشاء فروع لها على مستوى كل الولايات. وتوجد كذلك معاهد ومراكز التدريب المصلحية لتنهض بأعباء التدريب التخصصي وهي تتبع مباشرة وفي غالب الأحوال إلى الوزارات المعنية. ومن بين هذه المراكز على سبيل المثال مركز التدريب النفطي ويتبع لوزارة النفط، مركز الدراسات الحسابية ويتبع لوزارة المالية، مركز تدريب الضرائب ويتبع لديوان الضرائب، معهد علوم الزكاة ويتبع لديوان الزكاة، معاهد ومراكز التدريب في المجال الصحي وجميعها تتبع لوزارة الصحة الاتحادية أو الولائية هذا إلى جانب العديد من المراكز التدريبية في مجالات الزراعة، الثروة الحيوانية، التعليم، الرعاية الاجتماعية، الشباب العمل المصرفي وغيرها. هذا إلى جانب مراكز التدريب المهني والتي تتبع لوزارة العمل الاتحادية أو الوزارات الولائية وهي تنفذ برامج متعددة التخصصات في التلمذة الصناعية والتدريب المهني والحرفي وتتيح فرصاً واسعة لتدريب الطلاب وتستهدف بشكل خاص معالجة قضايا الفاقد التربوي ومكافحة الفقر. ومن بين الآليات كليات الدراسات العليا بالجامعات والتي تشرف بشكل خاص على البرامج الأكاديمية المتخصصة التي تؤهل إلى نيل الدرجات العلمية على مستوى الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراة يضاف إلى هذا أن بعض الجامعات قد أنشأت لها مراكز للتدريب والدراسات التطبيقية المستمرة. يضاف الى هذا مراكز التدريب الخاصة والتي انتشرت في السنوات الأخيرة إذ بلغ عددها قرابة المئتي مركز مملوكة لأفراد أو شركات، ويتم الترخيص لهذه المراكز بوساطة المجلس القومي للتدريب وفق شروط محددة وقد أسهمت هذه المراكز بشكل جيد في الاستجابة للاحتياجات المتزايدة من برامج التدريب للقطاعين العام والخاص ولمنظمات المجتمع المدني. بيد أن هنالك آليات أخرى لابد من الإشارة لها في هذ السياق وهي تلك التي تعنى بالتخطيط ووضع السياسات والتشريعات والنظم والضوابط ذات الصلة، ومن بين هذه الآليات: - المجلس القومي للتدريب المكون بموجب قانون التدريب القومي لسنة 2003م وهو المعني بوضع الموجهات العامة ورسم السياسات ووضع الخطط السنوية للتدريب بمؤسسات الخدمة المدنية على المستوى الاتحادي والولائي، هذا إلى جانب تنظيم التدريب في القطاع الخاص والإشراف على تطبيق أحكام القانون واللوائح التي تحكم التدريب والابتعاث وتحدد حقوق وواجبات المتدربين داخل وخارج السودان. - مجالس التدريب بالولايات والتي تم تكوينها في معظم الولايات، لتعنى على مستوى كل ولاية بذات الاختصاصات والمهام الموكلة للمجلس القومي للتدريب. -إدارات التدريب بمؤسسات الدولة ووحداتها المختلفة وهذه الإدارات تشكل أهم الحلقات في إدارة العملية التدريبية فهي المعنية مباشرة بالإشراف التام على كافة الخطوات المتصلة بتخطيط ومتابعة تنفيذ برامج التدريب والتحقق من مردودها على كفاءة الأداء في موقع العمل وذلك من خلال اضطلاعها بالتحديد العلمي السليم للاحتياجات التدريبية وتحليلها ووضع مقترحات البرامج اللازمة لتلبيتها ومايسبق ذلك من تأسيس لقواعد بيانات القوى العاملة في كل وحدة إلى جانب القيام بكل أعمال التنسيق اللازمة للتنفيذ الناجز لبرامج التدريب. أما بخصوص مستقبل تنمية الموارد البشرية فتظل الحاجة ماسة لانتهاج وسائل علمية وموضوعية في تخطيط القوى العاملة وفي التحديد القاطع للاحتياجات التدريبية الفعلية بحيث تستجيب لمتطلبات تطوير قدرات الأفراد وتحسين أدائهم الوظيفي - ذلك لأن عدم التحديد الواضح للاحتياج التدريبي لكل وظيفة من شانه أن يؤدي إلى إهدار الوقت والجهد والمال ويحول دون جني ثمار التدريب. كما ان التطورات الاقتصادية الدولية وتيار العولمة المتصاعد وثورة الاتصالات وغيرها من المتغيرات تفرض مزيداً من الاهتمام بالتدريب في المجال العلمي وفي التقنيات الحديثة والاهتمام بمعايير الجودة الشاملة وذلك لتعزيز القدرات التنافسية للمنتجات الوطنية من السلع والخدمات وما يتطلبه ذلك من رعاية وعناية خاصة بالموارد البشرية في القطاعات الانتاجية كالزراعة والثروة الحيوانية والصناعة وفي التوسع في إنشاء مراكز التدريب المتخصص على المستوى الاتحادي وفي كافة ولايات السودان ودعم القائم منها بالمعينات المادية والبشرية. ويلاحظ أنّ جُل النشاط التدريبي على المستوى القومي يقع عبء تمويله على الأجهزة الحكومية مما يستدعي انتهاج سياسات وتدابير لتشجيع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني للمساهمة في هذا الجهد الوطني والاستثمار في حقل التدريب وتنمية الموارد البشرية. ويشار الى ان التغييرات الهيكلية في أجهزة الدولة ، وتطبيق الحكم الاتحادي منذ سنوات مضت، وسياسات الخصخصة والاصلاح الاقتصادي صاحبها خلل في خارطة القوى العاملة المدربة وصارت العديد من الولايات تعاني من شح جلي في الكوادر اللازمة لتسيير أجهزة الحكم والإدارة والمرافق الخدمية ، كذلك فإنّ هجرة الكوادر المؤهلة والمدربة خاصة في التخصصات المهنية والفنية خلق آثاراً سالبة على مجمل أداء أجهزة الدولة ... وهذه القضايا تفرض مزيداً من الاهتمام بأمر التدريب وبناء القدرات البشرية على مستوى الحكم الولائي والمحلي. ومن المرتجى أن يسهم الانفتاح السياسي والاقتصادي للسودان على محيطه الاقليمي والدولي في إحداث تطورات إيجابية في مجال بناء القدرات بما يستجيب لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية من القوى العاملة. وختاما يجدر القول ان ما انتهت اليه العلوم الحديثة والمجتمعات المعاصرة أخيراً،ً وفي مصطلحات كإدارة الأفراد، وإدارة الموارد البشرية، وتنمية الموارد البشرية قد سبقها اليه الإسلام اذ يؤكد كغيره من الأديان التى سبقته على تكريم الانسان، ويزخر القرآن الكريم والسنة المطهرة بالحث على ذلك .. ولما كان الإنسان كما وصفه الله سبحانه وتعالى جهولاً فقد عنى جل شأنه بتعليمه فكان أن بدأ مع آدم عليه السلام بتعليمه (وعلم آدم الأسماء كلها...) . ، ثم تولى الله سبحانه رسله وأنبياءه بالتعليم ، فالإنسان خلق ليعمل ثم يحاسب علي عمله ، ولن يتأتى لهذا الإنسان أن يعمل الصواب ويجتنب الخطأ، ما لم يبصر ليعلم ما هو الصواب وما هو الخطأ، ثم يكون الحساب عن علم. ع س