ذات يوم كنت فى زيارة عابرة لصديق.. وكان أن صادف ذلك سماية أبناء شقيقته التي ولدت توأماً.. ولد وبنت.. عندما سألت عن اسميهما وكنت اتوقعه سمير وسميره.. سامي وسامية.. على عادة تسمية التوأم.. لكنه فاجأني بأن اسميهما «مهند ونور».. أبطال المسلسل التركي المشهورين قبل مدة.. لفتت ابنتي نظري إلى عربه أشبه بالبوكس ذات لون سماوي، أنظر لتلك العربة فنظرت.. قلت لها: وماذا فيها؟ قالت إنها تشبه العربة التي يستخدمها بطل مسلسل فاطمة التركي.. عرفت فيما بعد إن الأزياء والاكسسوارات التي تظهر في المسلسلات التركية سرعان ماتتحول إلى موضة عندنا.. وعلمت إنها تصبح موضة بكثافة في معظم الدول العربية.. ربما التاريخ السوداني لا يرحم تركيا.. ففترة التركية السابقة ارتبطت بظلامات وعُنف وحيوف.. ويحكي عنها صلف كثير.. ولعلَ أقله الصلف الذي لم يقبله المك نمر، فاشعل حريقه المشهور في قلب الدخيل، ويحكى أن الأتراك في فترة استعمارهم للسودان مارسوا أسوا أنواع الاستعمار، ففي الحصول على الضرائب والجبايات كانوا يدخلون القطط في سراويل غير القادرين على دفع الاتاوات الباهظة، وفي هذا تزود في الهَدر الإنساني.. ارتبطت الذاكرة السودانية وحسب ما يسجله التاريخ بغبن تجاه الأتراك في الامبراطورية العثمانية العريضة والمسؤولة في آخر أيامها عن التخلف المريع الذي آلت إليه الدول العربية، مما جعلها مهيأة تماماً للاستعمار الغربي، لم يكن الأتراك مثل الانجليز في استعمارهم الذي حاول قدر الإمكان أن يحترم ثقافات الشعوب التي يستعمرونها وأن يتناغم مع الحس الشعبي بما يساوي دس السم في الدسم، وقد حكى السيد «آيات الله الخميني» في واحد من كتبه عن قائد عسكري انجليزي عند إحتلال العراق.. سمع الأذان للصلاة لأول مرة فسأل عنه فأوضحوا له ماذا يعني الأذان.. فقال: وهل يؤثر على الامبراطورية البريطانية بسوء.. فقالوا: لا.. فقال: إذن دعوه يؤذن.. المشكله إن الأتراك كانوا من المسلمين ينبغي أن تتغير النظرة، فلا ينظر إلى الاستعمار الانجليزي بصفته استعماراً ناعماً.. لا أعرف بالدقة ما شكل الحيوف التى عانت منها الشعوب الإسلامية إبان انهيار الامبراطورية العثمانية، ولكن مما لا شك فيه إنها تحمل الكثير من الغبن تجاهها، الآن فطنوا إلى كل ذلك.. سعوا كثيراً إلى تجميل صورتهم في سعيهم الحثيث لدخول الإتحاد الأوروبي فاحتاجت إلى تجميل صورتها بالتأثير على المنطقة خاصة الدول العربية.. وساعدتها ظروف وتداعيات الربيع العربي.. وقد اطلعت على احصائية عن حجم التبادل الاقتصادي بين تركيا والدول العربية بعد الربيع العربي، فكانت في ازدهار ووصل عشرات المليارات من الدولارات.. لم أجد السودان ضمن ذلك الحراك الاقتصادي، ولم أطلع على إحصائية توضح حجم التبادل مع تركيا، لكن الشاهد إن السودان يضج بالاستثمارات التركية في مناحٍ عديدة.. إذا عُدنا للمسلسل التركي فهو- كما وصفه دكتور سليمان العسكري في حديثه لهذا الشهر في مجلة العربي الكويتية- إنه «إعلان تسجيلي مجاني» لتركيا.. سياحتها وجمالها.. وجمال ناسها.. فالمسلسل التركي على عكس العربي يعرض بلادهم كجنة على الأرض.. البيوت فخمة.. والآثار التاريخية حاضرة.. والحرية الغربية السمت مُتاحة.. وأجمل النجوم يظهرون فيروجون بذلك لكل ماهو تركي.. إن ملامح التركية اللاحقة تبدو ناعمة تريد أن تكفر عن الغبن التاريخي والماضي المؤلم.. حتى الإسلام في تداخله مع السياسة عندهم يسعى صوب الحداثة والتحرر.. أحلم بمسلسل سوداني يروج لبضاعتنا ونحن نملك أجمل استديوهات طبيعية وآثار عظيمة ومآثر عديدة.. ويا ألله حضرني!