أهدتنا زينب سعيد ليلة شتوية خرطومية وأيضاً بنفسجية لا تنسى!! و ستظل في الذاكرة ردحاً من الزمان!!" قبل يومين بالقرب من هذا المكان كانت القنابل المسيلة للدموع تزمجر بعنف والهراوات والعصى «سيدة الموقف».. والطلاب يتعاركون ويحرقون داخليات الوسط في واحدة من قمم «مونديال» العبث واللامعقول التي تسيطر على المشهد السياسي!! «مررت» بهذا المكان و«توقفت» و«تأملت» و«تذكرت» و«تحسرت».. سيارات المطافئ تجاهد للدخول لإطفاء ألسنة اللهب المتصاعدة والطلاب يهرولون والبعض يتشاجرون و«يتنابذون» في الظلام.. طافت ذكرى ليالي الإبداع وأمسيات الميدان الشرقي.. ووردي يغني للانتفاضة وصلاح أحمد إبراهيم يقول أشعاره بقوة وعذوبة.. ونحن على النجيلة نصفق في حبور وانتشاء!! هل غابت عن الخرطوم مثل هذه الأمسيات الأدبية الدافئة؟! كنا في مطلع الثمانينات نهرول ونحن طلاب «خفاف».. خفة في الحركة.. والروح.. ومن أثقال الحياة وهمومها ننشد الليالي الأدبية والشعرية.. نغشى أسبوع الأحفاد الثقافي و«نتسكع» في منتديات «الفرع» ونمضي ساعات طوال في مكتبة «البرتش» الغنية بالكتب والأمهات في أمدرمان. غابت الأمسيات الأدبية الجادة رغم الشذرات هنا وهناك.. تاه الناس في زحام الحياة اليومية المرهقة وانقطعت صلتهم بالكتاب والإبداع.. وأصبح الأمر أشبه بالترف!! الآن ونحن في قاعة المصارف الأمر يبدو مختلفاً ومدهشاً من أين جاء كل هؤلاء الناس؟! ولمن جاء هذا الحشد الطوعي ونحن نعيش زمن الحشد «الإلزامي» للمناسبات والمنتديات.. يوجد سماسرة وتجار حشود مهمتهم «لم الناس» بأي شكل وبطريقة واحدة اركب الحافلة واملأ الكراسي وصفق!! ما مهم تفهم!! المهم إنت ديكورنا!!.. الآن الدنيا لا زالت بخير والخرطوم على موعد مع المقولة القديمة وهذه المرة تُقرأ كالآتي «الخرطوم تؤلف وتطبع وتقرأ»!! دشنت زينب السعيد روايتها الأولى «بنفسج في حديقة البارود» في احتفالية رائعة.. ومعها دشنت نقلة جديدة في اهتمام قديم ومتوارث للسودانيين عن حبهم للأدب والفن والإبداع. في تلك الليلة تساءل الإمام الصادق المهدي وهو يقدم قراءة فكرية للرواية ما الذي حدث؟ ومن وراء هذا الانهيار الذي يحدث للأسرة السودانية التي تعاني قلة «الزواج» وكثرة «الطلاق»؟! ويبقى الأمل في أن يتواصل مثل هذا العطاء والذي يفتح الباب واسعاً لتداول «المسكوت» عنه و«المحجوب» في كثير من جوانب حياتنا «الغلط» خصوصاً ونحن نصادف في يومياتنا أكثر من «زهرة» و «علي».. وأهلاً بالبنفسج في حديقة الأدب السوداني الغناء!!