* الاحتفاء بالغير عندنا في الآونة الأخيرة أصبح مرضاً نفسياً يحتاج إلى أن ندخل بسببه إلى العيادة النفسية لنخضع لجلسات علاج طويلة الأمد. * أصبحنا نحتفي بالغير من أي جنس ونعلي مقداره مهما كان حجمه.. لاحظت ذلك في الاحتفاء بأحد الأعلاميين من دولة عربية احتفاءًا لا يوازي حجم الرجل ولا مكانته ولا وضعه في السلم الوظيفي في مؤسسته.. ولم نسمع عنه إنه موهوب في أي ضرب من الفنون والأداب حتى نجد تبريراً لهذا الاحتفاء الفائت للحد. * الاحتفاء بالغير.. بهذه الكيفية يعني أننا نعاني من الدونية والاحساس بالنقص، فنعلي من قدر.. أي غير.. وهذه مشاعر ضارة جداً. * ويعني نقصان الثقة بالنفس، مع احساسنا بأننا لا يمكن أن يصدر الخير من أنفسنا بل من الآخر.. فنتهافت عليه باعتباره مصدراً للخير رغم حاجته هو ذاته إلى الخير والإحسان.. * ويعني إننا استسلمنا لضربات الخيبات المتراكمة وحاق بنا اليأس، وبلغ بنا الاحباط مبلغاً نرتمي بسببه في أحضان الغير على اطلاقه دون تمحيص أو إختبار. * ويعني أننا نرى عصفور الغير نسراً وبالتالي نرى نسورنا مجرد (كتاكيت عمر يوم) * ويعنى إننا نضر المحتفى به من (الغير) فهو رجل عادي جداً في نظر نفسه ونظر رهطه، فعندما نحتفي به بهذا القدر المبالغ فيه يتساءل: هل أنا عبقري دون أن أعرف فيصاب بداء الغرور إذ اكتشفنا عبقريته قبل أن يكتشفها هو ذاته، بل نحن أوجدناها له من عدم. * ويعني أن بعضنا يستهويه أن يكون مُسْتَعْمَراً (بفتح الميم) على طول الخط، وإن خرج المستعمِر(بكسر الميم) صنعنا بديلاً له حتى ولو كان صنماً صنعناه من عجوة.. وللأسف لا نجرؤ على أكله عندما نجوع. * فالخواجة وهو الانجليزى في الغالب عندنا هو الأحسن, فالرجل المنضبط في مواعيده خواجة.. ومواعيده مواعيد انجليزية.. وبالمقابل المواعيد السودانية سائبة وأصبحت طرفة يحكيها الجميع، نتلاقى الساعة تسعة.. عشرة كان ما جيت حداشر أمشي. * والاحتفاء بالغير لا يدخل في باب الكرم.. لأن الكرم يعني الانفاق في سبيل الضيف ولايعني تعلية شأنه وجعله أميراً بيننا.. فهذا من باب الأستغفال وليس الكرم. * حتى بعض المسؤولين يحتفون بالصحافي أو الإعلامي.. من الغير.. أكثر بكثير من أهتمامهم بالصحافي أو الإعلامي الوطني.. حتى لو كانوا يعرفون.. إن صحافي الغير سيلوي عنق الكلام، وقد يخرجه بالعناوين المثيرة. * حتى بعض العامة أصبحوا يهتمون بغناء الغير ليس لأنه يطربهم، فقد لا يفهمون من الأغنية سوى كلمات.. إلا أنهم يستمعون بِوَلهٍ فهذا غناء الغير فهو أجمل. * هذا الاحتفاء السقيم بالغير يجعلنا نخسر كثيراً.. فرق كرة القدم تنهزم كثيراً من الغير فقط لأنه الغير.. ونحن لدينا عقدة من تفوق الغير.. مسرحنا.. تلفزيوننا.. مدارسنا.. جامعاتنا.. فنوننا.. حضارتنا.. جمال بلادنا.. كل هذه تتضاءل أمام الغير، فنرى أنفسنا أقزاماً ونحن عمالقة.. نرى أنفسنا عبيداً ونحن سادة.. نرى أنفسنا بسطاء ونحن عباقرة.