لا حديث للقنوات والإذاعات والصحافة العالمية في الفترة الماضية سوى كيفية مواجهة خطورة التفجيرات التي أصبحت تتكاثر يومياً، وآخرها تفجيرات فرنسا التي حدثت بمدينة باريس، وخلفت أكثر من 128 قتيلاً وعدداً كبيراً من الجرحى، وأثارت الهلع وسط المدينة التي تسمى بمدينة النور. الواقعة تمثل منعرجاً مهماً وحاداً في شكل العلاقة ما بين فرنسا (اوربا) والعالم العربي والإسلامي بشكل عام، أول هذه التحولات هو التشديد الذي بدأت تنفذه فرنسا على كل الذين يرغبون في الدخول الى أراضيها عبر تأشيرات الشنجن- تأشيرة موحدة للدخول لكل دول الاتحاد الأوربي- فقد أعلنت الدولة عن إيقاف كل التأشيرات أمام الراغبين في الوقت الحالي؛ وسيتبع ذلك أيضاً كثير من التدقيق، والمزيد من المضايقات التي سيتعرض لها كل من يحاول الدخول الى فرنسا، وحتى المقيمين بها جراء ما حدث من تفجيرات. قبل هذه الأحداث الأخيرة كانت كل دول اوربا مفتوحة الحدود فيما بينها؛ لكن ومنذ تفجر الأوضاع السورية وفتح تركيا فرصاً للاجئين السوريين للدخول عبر أراضيها ومرورهم الى أوربا؛ انتابت تلك الدول حالة من الخوف نتيجة تسلل الهاربين، هلعاً من الأحداث والحروب والفقر والمعاناة ببلدانهم؛ خاصة مواطني الدول المشتعلة هذه الأيام، سوريا، العراق وليبيا، وحتى بقية دول افريقيا وآسيا ووصولهم الى عمق القارة العجوز؛ لذا فقد نحت معظم تلك الدول نحو تسوير الحدود بالأسلاك الشائكة، وضبط مداخلها خوفاً من هذا المد الخطير. يأتي ذلك بعد أن كانت العديد من الدول الاوربية قد أعلنت ترحيبها باللاجئين السوريين، وفتحت أحضانها لهم؛ من المؤكد أن حدوث التفجيرات في هذا التوقيت بالذات له تأثير سلبي كبير على هولاء اللاجئين، لأن الدول أصبحت مضطرة لإعادة النظر في مواقفها المعلنة تجاه الترحيب المفتوح بكل من يحمل وصف لاجئ تقديراً للموقف الإنساني. بسبب ما يحدث الآن أصبحت كل الدعوات السياسية في أوربا ضد فتح فرص اللجوء أو الإقامة، أو حتى دخول عناصر من شمال افريقيا، والشرق الأوسط والمسلمين؛ وزادت حدة هذه الاتجاهات المناهضة بعد تزايد خطورة ووتيرة التفجيرات كما حدث في باريس. نعم أعلنت داعش مسؤليتها عن التفجير، لكن العقلية الأوربية التي تصنف كل المسلمين مسبقاً في دائرة الإرهاب لن تستطع بسهولة التفريق بين من هو مسلم متصالح مع الكل؛ وآخر متشدد أو اقصائي وعدائي ضدها، فكلهم عندها سواء؛ لذا فالنتيجة ستكون مزيداً من التوجس والرهبة المتبادلة، وسنحتاج لتجديد العلاقة التي لم تكن أصلاً قوية بيننا وبينهم الى كثير من المواجهات الفكرية والنقاشات والجلسات.. وكل ذلك يقع على عاتق المفكرين الإسلاميين ومن بامكانهم تغيير الذهنية الغربية في نظرتها نحو الإسلام والمسلمين، ومسح الصورة التي تبرزها هذه التفجيرات.