دعونا نقف جميعاً كشعب وأمة سودانية بأحزابها وجماعاتها وتنظيماتها وبقبائلها وأعراقها.. نقف لحظة صدق مع أنفسنا.. لنرى ما بدواخلنا.. ولنكتشف صدق انتمائنا.. ومدى أمكانياتنا لنعرف مدى قدراتنا الإنسانية.. دعونا نقرأ تاريخنا لنسبر أغواره ونري حاضرنا ونستخلص واقعه لنخطط لمستقبلنا الذي لابد أن نبنيه بتجارب الماضي بكل إنجازاته مقروءة بمرارات الحاضر ، مستصحبين تجارب الشعوب التي بنت تقدمها ورقيها بصدق إنتمائها للأمة والوطن، فصنعت المعجزات وخرجت من أقصى درجات الدمار الى أقصى مراحل العمار والتقدم فأصبحت في مقدمة الأمم. فاصدق النية أيها الإنسان السوداني بإنتمائك لهذه الأمة.. فأنت جبار بقيمك وأخلاقك .. وأنت مسلح بدينك الحنيف.. ولك من القدرات ما تجعلك في مقدمة الشعوب.. فلماذا أنت راكض؟ ولماذا هذا الإهدار في الوقت وضياع المال والأجيال؟ .. لقد آن أوان تحويل الخراب الى عمار، والفقر الى غنى، والسير قدماً نحو الرفاهية، التي توافرت جميع عناصرها ولا ينقصها إلا نقاء الضمائر، وصدق الكلمة، وإيمان القلوب.... فالمستحيل ممكن بالعزيمة والصدق والإيمان بالإنتماء.. أيها الشعب الكريم، إن فيك رجالاً عملوا بصمت لم تتعرف عليهم، إلا من خلال رؤية خصومهم التي غطت على أنجازاتهم الوطنية، رجالاً زهدوا في السلطة فصدقت كلمتهم، وأخلصوا لك أيها الشعب العظيم، وقرأوا بتمعن مكامن القوة فيك، وتركوا لك موروثاً فكرياً وسياسياً، ولو تمعناه لسار بنا الى الطريق السليم، فصدقوا ما قالوا ثم ماتوا على صدقهم.. ومن هؤلاء الرجال المرحوم الشريف زين العابدين الهندي...الذي كتب في كتابه الأخير آخر الكلم والذي قرأته بتمعن فوجدت فيه فكراً سياسياً ومنهجاً رفيعاً، ووجدت فيه مبادئ إنسانية راقية فتحت بصيرتي لحقيقة ومعاني الإنتماء التي هي مبعث القوة الكامنة في داخل الشعوب... وعرفت في هذا الكتاب أن للشعوب الواعية بإنتمائها الوطني قوة لا تحدها حدود ولا تقف في طريقها الموانع مهما كبرت وعظمت.. وفي هذا الكتاب تعرض الشريف زين العابدين فيما تعرض للتجربة اليابانية والألمانية، موضحاً كيف استطاعت هذه الشعوب أن تحول الدمار الى عمار، والسكون حركة والتنمية تقدم... مستثمرة إنتماءها الصادق للوطن لبناء الإرادة التي صنعت دولهم اليوم.... فهي دعوة من الشريف زين العابدين الهندي عليه رحمة الله للشعب السوداني لإتخاذ الصدق منهجاً في الحياة، ونورد فيما يلي ما قاله الشريف عن التجربة اليابانية فقال في هذه الجزئية من الكتاب: رأي:أحمد عثمان محمد المبارك «عندما استسلمت اليابان، كآخر المقاتلين في الحرب العالمية الثانية وأصدر « هيرو هيتو»أمره بالقاء السلاح وخرج « ابن الشمس » تتصفحه لأول مرة .. عيون البرايا من قومه ..وتعب « الهارى كيرى » من ازهاق أرواح الذين رفضوا الهزيمة.. ولم يصدقوا « تيلى يموشنك » وهو يرى جزراً بأهلها في السماء تطير ، وشاهد سبعين الف من البشر يذوبون كالقصدير المصهور... كم كان عمر هذا الخراب؟ ... !! إنه عمر لا يحسب بمقاييس الزمن ولا بوحدة الأيام والشهور والسنين ، ولا يحسب بالكم العددي ولا بالكيف النوعي.... إنه غوص بلا عمق ... وارتفاع بلا أفق.... لم يقف عند تحطيم الأوطان واجتياح البلدان واحراق الحياة فحسب، بل تجاوزها الى استلاب الإنسانية ذاتها من الآدميين ...!! أنه طوفان حديث يفرغ الإنسانية في الإنسان، ويبقى على حياته دونها، وليس له من سفينة تحمل من كل زوجين اثنين... ولا جبل يعصمه من الماء!! ... بل ليس له حدود ومعالم على الاطلاق .....وعند كل هذا ظن الناس أن أمة اليابان قد ركعت إلى الأبد... بل ذهب الناس في ظنهم أنها صارت أرضاً محروقة عقيم وأول محروقاتها - إنسانها - الذي سيحي درن روحه القديم . ثم تساءل الشريف: كيف صنع هؤلاء الرجال من هذا الكوم المفتت السحيق هذا الكيان الحضاري المهيب ؟! الرائع ؟! .. وجاءنا الشريف زين العابدين بالإجابة الشافية الضافية المقنعة فيقول: إنهم فعلوا كل ذلك بصدق الانتماء ... واتخاذ الصدق منهاجاً ... ليكون الفرد أمة... وتكون الأمة حكومة... وتكون الحكومة قائداً... ويكون القائد قدوة ومثالاً وتفانياً لا ينال منه الفناء... كان كل واحد منهم أمته ...أو كانت هي هو.. فصنعت له وصنع بها ما نرى، وما نتطلع إليه في حيرة وذهول !! وانتماؤنا يقضي على نفسه باليتم والإهمال ونحن عن معاناته لاهون... صحيح أنهم إستعانوا بالمساعدات الأمريكية. واستندوا عليها واستثمروها بالأمانة وصدق الانتماء، ووعي التلاحم المخلص وعناية المشارك الحميم في مراحل الهزيمة والنصر، والبناء والاستشفاء والازدهار... والانطلاق اللامحدود... إنهم لكل هذا... قد أضفوا على المساعدات معنى ذاتهم ولون نضالهم، وطعم انتصارهم، وجليل ثباتهم، واصرارهم وانتمائهم فأعادت بناء الذات، كأن لم تلاقِ ما لاقت... لقد سحرني هذا الحديث الصادق النابع من القلب، والمؤمن بالإنسان ومعجزاته، التي هي من معجزات الله عز وجل.. فوجدته يخاطبني في عمق وجداني.. فأبت نفسي إلا أن أشرك القراء معي في هذا الإحساس، عله يكون بادئة حوار وخريطة طريق، تحدد لنا المعالم ونحن مقبلون على انتخابات مصيرية.. حوار مع النفس أولاً يجعلنا نرعوي من تجاربنا السابقة في اختيار قادتنا.. حوار لفهم حقيقتنا وقوتنا التي بدونها لا يكون هناك حاكم ولا قائد... فنحن شعب سوداني قوي ومتفرد وشعب خلاق، يريد كما قال الشريف: قيادة ناشئة من الجموع ومروية بالجماهير.. وتنبعث ايماناً من الجذور إلى الفروع.. نعم نريدها قيادة صادقة في تناولها لقضايا الوطن وبناء الإنسان الأمة.. فإذا عرفنا كيف نأتي بها فلا محال سوف نصنع المعجزات. فلنتفاكر ونتفكر قبل الذهاب لصناديق الإقتراع.