حاولت الحكومة تجفيف دور الأطفال مجهولي الابوين بالخرطوم، إلا أن الواقع ظل يمدُّ لسانه ساخراً من المجهودات الحكوميّة التي أمسكت بالعصا من النصف، لتفاجأ بالدفع الأقوى من الطرف في غياب الاستراتيجيّة الصحيحة للمعالجة التي تبدأ من معالجة مصدر المد الذي وصل في أيّام إلى (50) طفلاً لقيطاً، ومع تزايدهم صارت لهم دور بحسب المراحل العمريّة .. ليأتي العيد والدار ممتلئة بالباحثين عن حنان الأبوّة والذين يتشبّثون بكل من يحملهم في أحضانه بكل ما أوتوا من قوة، كما يأتي العيد في بلادنا وفيها دُور للعجزة مثل دور الخواجات لا فرق، بالرغم من أن ديننا يمنع أن نقول «أف» للوالدين عندما يكبرا، ولكنّه في ظل ضعف التوجيه الديني صار كثيرون يدفعون بآبائهم خارج بيوتهم لترعاهم الحكومة التي تقبل ذلك دون أن ترسل باحثين نفسيين ووعاظ لأولئك الأبناء العاقين .. وبالمثل أصبح في بلادنا للمصابين بالايدز الذين تتزايد أعدادهم بشكل مخيف، اتحاد ودور يعمل على إقرار الظاهرة اجتماعياً لقبولها مما يجعل التزايد لا خوف منه.. ولا تملك الدولة إلا إطلاق المسمّيات المجملة مثل المتعايشين مع الايدز، كما تتزايد الظواهر اللافتة من كثير من طالبات الجامعات، وكل الذي تفعله الجهات المختلفة هو منع العودة للداخليّة بعد التاسعة مساء لتعود الطالبة للمكان الذي كانت فيه، ولا شئ أكثر من المنع، ونعلم أن كثيراً من الآباء لا يرسلون لبناتهم المصاريف الكافية، وأن بريق الخرطوم وسباق الموضة والكريمات له مخاطره ولا وسائل جديدة للمشرفين على الداخليات لتحقيق الترابط بين أولياء الأمور الغائبين وبين ممارسات كثير من الطالبات ومحاربتها، فالمشكلة في الشأن الاجتماعي أنّنا في دولة لا تتناغم جهاتها المعنيّة من شؤون دينيّة ورعاية اجتماعية وسلطات متابعة وغيرها لتجلس وتخطط للمعالجات وتراجع بأستمرار التنفيذ وتتلافى بسرعة كل ما يبرز من سوالب فيه.. ومن هنا نقول إن ظاهرة تزايد الأطفال مجهولي الأبوين لن تنتهي بجمع الأطفال من «الكوَش» والمباني المهجورة كل يومٍ، والبحث عن أسر بديلة لهم، في وقت لا يتوقّف فيه المد، وبالتالي لا بد من إشراك كافة الجهات التي يمكن أن تؤثِّر في خفضها، وهكذا بقية الظواهر الاجتماعية الغريبة والدخيلة التي لا تشبههنا، والتي لا تصلح المعالجات الجارية في إنهائها.