حوار- مزمل عبد الغفار- فاطمة مبارك باستهداف جنوب كردفان والنيل الأزرق هل أضحت الأجندة واضحة ولاحت السيناريوهات الجديدة؟ فالتآمر واضح ووجوه الاستعمار الحديث قد بدأت تطل برأسها. فعلينا الاستدراك والتنبُّه جيداً، ومن قبل ذلك استرجاع الذاكرة للوراء قليلاً، فقبلاً وبعداً نقول إن قضايا السلام والوحدة والاستقرار هي قضايا شائكة، ذلك أن خيوط غزلها منذ التاريخ البعيد كانت هي صنيعة استعمارية خطَّط لها الاستعمار تخطيطاً مُحْكماً وكأنه يزرع ألغاماً في حقول التاريخ. كنا نتحدث بعد نيفاشا وقبلها عن استدامة السلام والآن صِرنا نتحدث عن احترام السلام، وكما أن الفصل بين الشمال والجنوب هو حركة في الاتجاه المعاكس، يكون أيضاً عدم احترام السلام والعهود والمواثيق من خلال الاقتتال هو أيضاً حركة في الاتجاه المعاكس، الآن ثمّة أسئلة كثيرة حائرة تحتاج لإجابة من أهل الحزب المحظور الحركة الشعبية، فماذا يقولون في هذه الأثناء، وما هي ردودهم حول جملة الاتهامات الموجّهة ضدّهم، وكيف هو الطريق لمستقبلهم كحزب مدني سياسي؟. مساحة من الحوار الذي سيُنشر على حلقتين جمعتنا بالأستاذ محمد المعتصم حاكم القيادي بحزب الحركة الشعبية (المحظور) حيث بدأنا هذه الحلقة بالسؤال: { أين تتجه همومكم الآن في ضوء التطورات والتداعيات جميعها؟ - همومي هي تنصب في المخاطر التي يواجهها الوطن، وأنا حريص غاية الحرص في أن السودان أو ما تبقى منه يكون دولة واحدة متماسكة ذات نسيج اجتماعي متماسك أيضاً. فالمهددات المحدقة بالسودان الآن صارت متعددة دون الدخول في تفاصيلها سواء دارفور أم جنوب كردفان أم النيل الأزرق، أم احتمالات الأزمة الاقتصادية التي قد تطرأ مع العمل على تشكيل حكومة إجماع وطني وإجازة دستور جديد. فكل هذه هموم تهدد الوطن، مضافاً لذلك أيضاً تربُّص المجتمع الدولي بالسودان بشكل واضح وكأنه يبحث عن اخفاقات أو أخطاء تطوِّق السودان أو تحاصره، ولكن في نهاية الأمر نقول إنه مهما تعددت الإشكالات وكثرت، فإن همي هو أكبر وذلك في كيف نستطيع أن نوحِّد نسيجنا السياسي في إطار واحد، وفي كيف يكون عندنا إجماع وطني لا يستثني أحد خاصة الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة التي لها قيمة، إلى جانب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في الشمال وكافة القوى السياسية. فإذا توحّدت الرؤية نستطيع أن نتجاوز الأزمات بكل سهولة ونستطيع أن نرد على المجتمع الدولي بمعالجات إيجابية، فإشكاليات السودان تكمن في أنه لا توجد محاولات وطنية جادة لمعالجتها مما يجعلها تتدوّل في أسرع وقت ممكن، وقبلاً قلنا إن دارفور تدوّلت ولكننا لم نستفد من الدرس، فجاءت قضية أبيي وتدوّلت وما استتفدنا من الدرس، إلى أن جاءت جبال النوبة وفي طريقنا للنيل الأزرق. ولكن هذا كله القفز منه يكون بإجماع وطني ومشروع وطني يجمع كافة القوى السياسية خروجاً من هذه الأزمة. { أين قطاع الشمال مما صنعه عقار والمأزق والنفق الضيق الذي أدخله فيه، ومن سيتحمّل وزر هذه القضية؟ - قطاع الشمال موجود، والقيادات المؤثرة موجودة في الولايات وفي الخرطوم، وعدد من هذه القيادات تتحرك الآن وتجري اتصالات ماكوكية في اتجاه إيجاد معالجة وحل لوضعية حزب الحركة الشعبية في الشمال بالشكل الذي يجعله أكثر مشروعية أسوة بالأحزاب الأخرى، خاصة بعد أن تم إغلاق الدور وحُظِر نشاط الحزب بشكل غير مباشر نتيجة للحرب التي اندلعت في النيل الأزرق. فالإخوة الموجودين الآن في قطاع الشمال لا علاقة لهم بتلك الحرب، فنحن حزب سياسي مدني ومسجل وملتزم بالقانون والدستور في السودان. أما الجيش الشعبي الموجود في جنوب كردفان والنيل الأزرق فهو ما تبقى من الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية في الجنوب، وهذا كان يستوجب معالجات للشماليين في الجيش الشعبي عبر ترتيبات أمنية، إما أن يُستَوعَبوا في الجيش السوداني أو يُسرّحوا بإحسان. { كيف لوالٍ من المفترض أن يكون حارساً للتنمية والاستقرار أن ينتهج أسلوب الغاب وينقلب على رعاياه ومواطنيه، وكيف تتوفر فيه الثقة ثانية؟! - ما حدث من عقار تحديداً إذا كان قد حدث بالفعل منه ذلك، فهو يكون عندنا غير مبرر. ولكن نحن الآن لا نتملك المعلومة الكاملة هنا، كقطاع شمال بالداخل، فالمعلومة الحقيقية حول ما حدث من عقار هي غائبة عننا تماماً، فلا معلومة لنا حتى الآن حول كيف اندلعت الشرارة بالنيل الأزرق. { الآن حدث ما حدث، فأين أنتم كفصيل سياسي وطني من أمن السودان وأمان شعبه ووحدة ترابه؟ - نحن كنا ولازلنا مع وحدة السودان، فالحرب أيّاً كان شكلها هي حرب خاسرة ونحن ضدها، فنحن كما قلت لك ضد مبدأ الحرب جملة وتفصيلاً، ونعتقد دائماً أن المعالجات السلمية التفاوضية هي التي تقود إلى استقرار السودان، وإذا نظرنا إلى الحرب في الجنوب نجدها استمرت لأكثر من ستين عاماً وفي الآخر انتهت في طاولة مفاوضات، وهذه هي الخطوة التي جعلت لأن يكون هناك سِلماً لأكثر من خمس أو ست سنوات إلى أن اختار الجنوبيون الإنفصال، الآن هذه الحرب الخاسر الأكبر فيها هو الشعب السوداني وليس الأطراف المتنازعة. والشعب السوداني ليس الموجود في الولاية، بل في كل السودان، فإذا كان الشعب الموجود في النيل الأزرق وجنوب كردفان يتضرر تضرراً مباشراً عن طريق وجود نازحين ومصابين وإغلاق مدارس ومصالح حكومية، فكل السودان سيتضرر اقتصادياً من تلك الحروب ويتضرر نفسياً ومعنوياً كما أن السودان حينها سيصبح هدفاً للمجتمع الدولي، والمجتمع الذي حينها يستهدف السودان فهو لا يستهدف الحكومة بل الشعب السوداني عبر الحكومة، وبالتالي فإن المتضرر الأكبر من كل هذه الحروب هو الشعب السوداني، وعليه فنحن كحركة شعبية سلمية، فأنا على سبيل المثال أمضيت في الحركة الاتحادية قرابة الثلاثين عاماً وانضممت للحركة الشعبية في العام 2006، وبعد انضمامي للحركة الشعبية أجريتم معي حواراً في صحيفتكم الموقرة، فقلت إنني انضممت لهدف إستراتيجي هو تعزيز الوحدة داخل الحركة الشعبية وتقليب الوحدة على الانفصال بالنسبة للأشقاء الجنوبيين. وواضح أن هذا المسعى قد فشل، ولم أستطع أن أحقق ما كنت أتمناه وعندما ذهبت إلى الحركة الشعبية اتصلت حينها بمولانا محمد عثمان الميرغني واستأذنته ورحّب بانضمامي للحركة واتصلت بالراحل أحمد الميرغني ورحّب كذلك في سبيل أن أدعم الخط الوحدوي داخل الحركة الشعبية. { إذن.. ماذا يفيد ذلك طالما الجنوب قد صار دولة وانفصل، لماذا لازلت تتمترس حول الفكرة؟ - حينما انفصل الجنوب شيء بديهي أن أصاب بإحباط شديد لأن واحداً من أهدافي الرئيسة لم يتحقق لكن بدأت أقول بأنه من الذي يمنع من استرداد الجنوب وعودة الوحدة مرة أخرى، وهناك هدف أكبر من ذلك هو أن الجنوب قد ذهب ولكن هناك مسؤولية أخرى تتمثل في كيف نحافظ على ما تبقى من وطن من خلال التحدي الجديد المتمثل في جنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة لمسألة دارفور. وبالتالي صار الهدف من وجودي في الحركة الشعبية هو أكبر وأسمى مما كان عليه، ألا وهو الحفاظ على ما تبقى من وطن والعمل على استرداد الجنوب للشمال واسترداد الشمال للجنوب. { الآن الفرضية السياسية وفقاً للعقلية الجنوبية الحاكمة هناك لا تقبل ولا تسمح بوجود لحزب المؤتمر الوطني هناك، فلماذا إذن تطالبون المؤتمر الوطني بأن يسمح لكم بوجود حزب يحمل اسم الحركة الشعبية بل ولازلتم بقايا من ذاك الحزب وذاك التفكير والدليل واضح من خلال ما يجري في النيل الأزرق وما جرى في جنوب كردفان؟ - نحن لا نطالبهم بل نتحدث مع مفوضية الأحزاب والتي وفق الدستور والقانون إذا رأت أن حزب الحركة الشعبية الموجودة في الشمال غير مستوفٍ للشروط فنحن نسعى لاستيفاء هذه الشروط، وإذا رأت أيضاً أنه حتى اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان هو غير مقبول فنحن سنذهب إلى قواعدنا ونتحدث إلى القيادات في الحركة لكي نغيّر الاسم لأنه ليس هناك ما يمنع من تغييره ولا ما يمنع من توفيق الأوضاع بأي حال من الأحوال، وهنا أوكد نقطة مهمة جداً هي أن المؤتمر الوطني هو ليس عدواً بالنسبة لنا في الحركة الشعبية، بل هو أمر واقع وحزب حاكم وموجود. وبعد نيفاشا هناك سودان جديد يحتمل الرأي والرأي الآخر أكثر مما سبق، ويحتمل أن نتحاور ونتفاكر. فليست لنا عداوة شخصية، بل بالعكس فنحن كنا نتطلع إلى حل سياسي سلمي للقضايا التي نشبت مؤخراً في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وعلى دستور ديمقراطي وأن نشارك حتى المؤتمر الوطني في الحكم مع كافة القوى السياسية حتى تتجنب البلاد كل المخاطر المتوقعة. فالمؤتمر الوطني هو في حاجة ماسة لمشاركة القوى السياسية، والتي يتوجَّب عليها من ناحية أن تدرأ المخاطر فالهدف الآن ليس هو الإطاحة بالمؤتمر الوطني، بل الحفاظ على ما تبقى من الوطن.