الشتاء باردٌ، في الأزقة التي لا غطاء يدفئ مشرديّ المدينة منه، لكنه ساخنٌ ذات هذا الشتاء في البيوت التي تدفئ حطبها ودفاياتها الإلكترونية ساكنيها الأكثر حظاً، لذا لا يمكن أن تقيس درجة حلم النوم بين شخصين في ذات الزمان الشتائي، لكنهما في مختلف المكان الشتائي! وتشتت شمل نفوس المعارضين السودانيين لا يقلق الناس كثيراً بقدر ما يمنحهم فرصة ترقب فضولية لكلمة من هنا أو (شتيمة) مخففة من هناك تنزل دافئة في نفوس العامة المشردين في أزقة السياسة السودانية، فلا هم في حزب حاكم ولا هم في معارضة حاكمة - أيضاً -! فقط بحسب ما ينتشي له البشر عند سماع أخبار الغير. وغير ما يكون في تبادل إطلاق الثأر القديم أو الجديد، من رشاش يصيب أو يخطئ حسبما أُريد له، فإنه يؤتي أُكله من حيث تحريك الفعل السياسي الراكد، خاصة عقب امتلاء كرش الحكومة الجديدة وعدم مقدرتها على تجشؤ يهضم لها، عملياً، الدسم من كمية الدستوريين بمختلف مقاماتهم السامية والحامية! فكما تابعنا من كلمة ورد غطائها ثم غطاء آخر ورد ماعونه، حتى نهاية الماراثون ب (جودية) ناعمة كالقطايف، فإن شتاء الناس لم يتغير كثيراً ولم تنجح تلك المحاولة في تغطية جزء من برودة أطراف الحال والأحوال. وحول ما يثار كل مرة بنكهة مختلفة كآيسكريم أساسه الثلج - الابن الشرعي للبرد! - من محاكاة للربيع العربي، لكن بنكهة سودانية، فإنها غواية لا تجدي لتثير شهوة الشعب، عموم الشعب، في أن ينزل إلى الشارع ويحرك الشحوم الراكدة فتقلل مستوى كولسترول البلادة الثورية أو الانتفاضية، حيث أن السمن البلدي السوداني، بشهادة معامل الغذاء، ثقيل جداً في كثافته ولا يمكن أن يسيح سريعاً في هذا الشتاء..! أما (آيزو) أنه شعب علّم الشعوب كيف تثار الشوارع بالخروج الحاسم، وهذا أمر لا مغالطة فيه، فعن السيدة أم كلثوم رحمها الله أنقل (قول للزمان إرجع يا زمان)! والزمان شتاءٌ والقلوب باردة من كثر ما نالها من نكران وخيانة وأشواق غير مكتملة النصاب وأشياء أخرى. والمكان هو السودان. والإحداثيات الأساسية تقول إن التغيير الذي يوده الناس، في كل مكان، يشمل في أصله الحقوق الأولى وما يترتب عليها من حقوق ثانوية بعد ذلك، فكما لا يمكن لجائع أن ينادي بحقه الدستوري في الانتخاب، لا يمكن أن تقول لشعب به 41% - بالميّت كده - نسبة أمية أولية (قراءة وكتابة) أن ها دستوركم وأنتم طلقاء! أو شاركوا في المشوّرة الشعبية والمؤتمرات التأسيسية والتنشيطية واللجان الثورية والثورات العربية.. الخ. وآخر دعواهم أن تتحد القوى المُعارضة لإسقاط النظام الذي هو في الأصل يحمي تلك المعارضة، بشكل أو بآخر، ويتعرج الحديث إلى تلويحات الحركات المسلحة، و... تقول مغنية دلوكة شهيرة (أن دلوكة الضلّ صوتها أعلى وأقوى من دلوكة الشمس.. وهو سر طرب صوتها الرخيم الممزوج بدلوكة الضلّ) ! وحديثها بمثابة تحذير وتوضيح كي لا تجلب لها دلوكة معروضة ومشدودة في الشمس، معارضة الضلّ كذلك يا سيدتي!