٭ بدءاً تعالوا نتفق أن إحساس المواطن بممارسة حقه الديمقراطي في انتخاب حكامه وولاته ونوابه إحساس آدمي للحد البعيد وشعور (البني آدم بأنه عنده قيمة) في بلده، وأن صوته قد بدأ يُسمع بدليل أن صوته هو من سيحدد من الذي يحكمه ويحقق كل ما يطمع ويطمح إليه. بهذا الشعور كنت حريصة على أن أمارس حقي في الانتخاب بل إنني حرضت كل من له بطاقة تسجيل ألا يفرط في أن يشارك في هذه المناسبة التاريخية، لكن تعالوا لأحكي لكم الحكاية التي ربما تماثلها حكايات أشد منها غرابة، والحكاية يا سادة أنني ذهبت في اليوم الأول لمركز الاقتراع وهو المركز رقم «7» بدائرة بحري الكبرى في مدرسة أبو بكر الصديق بحي الصافية وحملت معي بطاقة تسجيلي وشهادة سكن من اللجان الشعبية وهي ذات الشهادة التي اعتمد بها اسمي في الكشوفات، المهم أنني «زحزحت» في الصف الطويل وكنت أتفحص وجوه المواطنين الذين حرصوا على الحضور باكراً وبعضهم من كبار السن، وسرحت بخيالي وأنا أسأل هل يا ترى من نعاني هكذا متنازلين عن الماء في هذا الجو الحار (وكمان وجبة الفطور) لنمنحهم أصواتنا؛ يقدرون هذه المعاناة ويعرفون قيمة أن نضحي حتى براحتنا لأننا «نتعشم» في راحة البلد كله؟ المهم أنني دلفت إلى الغرفة وكان الناخبون يدخلون فرادى (وبالصف)، ومنحت الشاب المسؤول بطاقة تسجيلي ومعها شهادة السكن التي اطلع عليها ووجهني بالذهاب إلى (التربيزة) التي تجاوره ليوضع على أصبعي «الحبر» وبعدها منحت بطاقتي الرئيس والوالي وذهبت إلى داخل الكابينة ومنحت صوتي لمن يستحقه في القائمة الطويلة وذهبت إلى الصندوق ووضعت بداخله البطاقتين، ثم ذهبت إلى الشاب الذي عنده قائمة المجلس الوطني والتشريعي، وما أن دخلت الكابينة إلا وسمعت صوتاً ينادي (يا حنان «وقفي» الاقتراع)، وحنان هو اسمي قبل أن أكون أماً لوضاح، فخرجت مستفسرة عن سبب إيقافي فقالت لي السيدة رئيسة اللجنة إن شهادة السكن مرفوضة، فقلت متعجبة (أمال سمحتِ لي كيف أولاً بالتصويت؟ وبعدين شهادة السكن دي ذاتها هي التي منحت بها بطاقة التسجيل؟ وليه ما يكون في «عريف» من المنطقة لمعرفة الناس؟). وقلت لها (كدي دا خليه كله هسي مصير البطاقتين الجوة الصندوق شنو؟). وهذه المرة ردت علي شابة هي وكيلة لحزب ما، وعلى ما يبدو أنها وجدت الحل السحري وقالت لي (حنكتب في بطاقتين جوة الصندوق «ملغيات»). قلت لها (طيب يا ست البنات أنت عارفة أنا أديت صوتي لمنو عشان تلغيه من رصيده؟). وعلى ما يبدو أنه رئيسة اللجنة شعرت أنها وقعت في مطب وطلبت مني بذوق أن أحضر شهادة ثبوتية أخرى، وبالفعل أرجأت ذهابي إلى اليوم الثاني وحملت معي جواز سفر ودخلت إلى المركز لكن هذه المرة داخل الغرفة كان الناس (عشرة عشرة) ورئيسة المركز (ضاربة لخمة تسأل ده وتستفسر من ده). المهم أنني أفهمتهم ما حدث (أمبارح)، وتوفيقاً لوضعي قالوا (خلاص بطاقة الرئيس والوالي مقبولات والمفروض أبدأ من المجلس الوطني) ووقفت أمام الشاب الذي يمسك بالقوائم، وكانت لحظتها تقف أمامي حوالي خمس أو ست نساء، ورجل. وعندما منحني القائمة؛ لم يكلف نفسه أن يرفع وجهه ليراني، ولو أنني أخذتها وصوَّت وعدت له مرة أخرى لمنحني في كرم فياض بطاقتين أخريين، ثم جئت إلى قائمة المجلس التشريعي وقائمة الأحزاب والمرأة فمنحتني الأخت المسؤولة قائمتين للمجلس التشريعي وأخرى للأحزاب ومنعت عني قائمة المرأة؛ فسألت رئيسة اللجنة أنه (في قائمتين متشابهتين)، فقالت لي (أمشي جوة الكابينة وصوتي). فقلت لها (يا بنت الناس افهميني عشان أفهم أنا عندي قائمتين للمجلس التشريعي مما يعني أنني لم أمنح بطاقة قائمة المرأة). فاستدركت الخطأ وقالت لي (معليش معليش)، وهي تنبه الموظفة (عليك الله خلي بالك). ٭ قصدت بهذا السرد المفصل أو ما يسمى عندنا بالدراجي «اللداقة» أن أوضح الخطأ الكبير الذي وقعت فيه المفوضية وهي توكل أمر الانتخابات في بعض المراكز لأشخاص قليلي الخبرة وحديثي التجربة مما ينتج عنه تجاوزات كثيرة ليس بالضرورة أن يستفيد منها حزب أو شخص على حساب آخر ولكنها تقلل من مصداقية التجربة الديمقراطية. ٭ في كل الأحوال أنا سعيدة بالممارسة الديمقراطية وإن كانت لا تخلو من مهازل لعدم توفر الأقلام للتصويت في بعض الدوائر مثلاً، لكن للأسف إن البعض يكابر ويريد أن يسمي التجاوزات والأخطاء بغير مسمياتها لأننا أدمنا ألا نعترف بالأخطاء حتى لو كانت أوضح من عين الشمس. حكمة عزيزة: على مفوضية الانتخابات أن تعترف أن هناك تجاوزات كثيرة حدثت (لأنه التنظير حاجة والممارسة حاجة ثانية خالص).. كلمة أعز: اعذروني وأنا أطيل «النقة» لكن (عشمانة أكون فشيتكم واتفشيت!!)، بالمناسبة اتضح أن من عذبنا ليس خلف الله ولكنهم بعض منسوبي لجان المفوضية.؟!