أتيح الفرصة للأخ ياسر جلال مساعد الأمين العام لحزب الأمة القومي وهو يرد على مقالي حول «الصادق المهدي وإدمان الفشل» وسأرد عليه غداً إن شاء الله بمقال منفصل. رد حول ما ورد في الإنتباهة العدد 1983 «11 سبتمبر 2011» درجت صحيفة «الإنتباهة» وعلى وجه الخصوص «الأستاذ الطيب مصطفى» على استهداف قيادة حزب الأمة، وظلت الصحيفة تتصيَّد المواقف والمناسبات للتشكيك في صحة ودوافع منطلقات الحزب وقيادته. والغريب في الأمر أنها في أكثر الأحيان تتحدث عن الأنصار وتاريخهم لاسيما المقال الأخير في عمود «زفرات حرى » «العدد 1983 بتاريخ الأحد 11 سبتمبر 2011» والذي جانبه الحق والصواب من العنوان إلى آخر المقال في لغة لا يمكن وصفها إلا بالاستهداف. فإن الحديث عن أن «قوى الإجماع الوطني» صنيعة الحركة الشعبية جانبه الصواب، والصيحيح هو أن «قوى الإجماع الوطني» تكوَّنت بمبادرة من حزب الأمة ولم تدعُ لها الحركة الشعبية وهي آخر من انضم لقوى الإجماع والدعوة للانضمام إليها لم تستثنِ أحدًا حتى «المؤتمر الوطني» فالعبرة من أي تجمُّع ليست في التسمية ولا العضوية ولكن العبرة في الرسالة والنتائج. ومحاولة تجريم عمل سياسي، الحركة الشعبية طرف فيه، لا يخدم مبدأ الوطنية الذي تحدثتم به، فأنتم تعلمون أن الحركة الشعبية مثَّلت مجاميع سودانية لها قضايا اعترف بها الجميع والتعامل معها لا يشكِّل ما يستحق النعت بأي صفة سالبة، والمساوئ التي تحدثت عنها كثيرًا خاصة الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق ليست من آثار ولا نتائج تحالف قوى الإجماع الوطني ولكنها مما سمّيناها «نُذُر الشؤم» في تحالف «الوطني والحركة» الذي أوجدته اتفاقية نيفاشا والتي كان لحزب الأمة شرف نقدها بالإشارة إلى ما فيها من عيوب «سبقًا وتفردًا» أكسبتنا سخط الطرفين حينًا وكان الأجدى أن تُكسبنا احترامكم بعد أن رأيتم ما تنبأنا به «حقيقة ماثلة أمامكم». وفي العمل السياسي مشروعية تبنِّي الأفكار متاحة للجميع، فكما أنكم أعطيتم أنفسكم والكيان الذي تنتمون إليه الحق في التبشير بالانفصال فكان لحزب الأمة الحق في أن يخالفكم الرأي بتبنِّي الدعوة للوحدة وهي الأسمى خاصة بعد أن ولَّد الانفصال من الأهوال ما تنوء به الجبال، وقطعًا الوحدة لو كانت لها استحقاق، ولكنه في تقديري كان أهون على الناس مما نحن فيه الآن وهل تدرون أن الجميع الآن يتحدثون «كل السودانيين» وأظنكم أشرتم إلى ذلك في بعض ما كتبتم من أن انفصال الجنوب كان «مؤامرة حاكها أعداء السودان» لاسيما الصهاينة، فهل تجوِّز لنا ما جوَّزته لنفسك فنصفكم في تطابق دعوتكم مع رغبة أعداء السودان بأنها كانت من تلك؟ أما الخلاف الذي أدى إلى إلغاء التظاهرة كما أوردتم فإنها لم تكن مظاهرة وإنما كانت دعوة إلى مسيرة لإيقاف الحرب، والفرق واضح بين المسيرة والمظاهرة، والسبب الذي أدى إلى إلغائها هو رفض السلطات منح التصديق بها، ولو كانت مظاهرة دعا لها حزب الأمة لما انتظرنا منحنا التصديق فإن كنتم ترجون الاستقرار فلا تمتحنوا صبر الأنصار على الخروج إلى الشارع، فلو أرادوا لن يمنعهم رفض التصديق أو ممانعة القوى الأخرى، فلتعلم أن لإرادة حزب الأمة الغَلَبَة في ترجيح أي عمل سياسي شاء من شاء وأبى من أبى، وأن خيار التفاوض ليس الأوحد، وما تركنا ما تركنا عاجزين ولكن نحن لا نلهو بمصير الشعب السوداني. الحرب هي الحرب في جنوب كردفان أو النيل الأزرق أو في أي مكان، ضحاياها هم من أبناء هذا الوطن، تلك هي القناعة التي تحرِّك مواقف حزب الأمة لا غيرها، ومن هذا المنطلق أدِنَّا الحرب وشجبناها الآن وسوف نفعل في المستقبل «ولك في ذلك حاجة للرجوع إلى ما ورد عن حزب الأمة على لسان نائب رئيس الحزب اللواء فضل الله برمة ناصر في لقاء الرئيس بالقوى السياسية» فنحن ضد استخدام السلاح لتحقيق أجندة سياسية وعندما أدنّا الحرب كنا نرى ما يمكن أن تجرَّه من مآسٍ ولم نجرِّم القوات المسلحة «ولن نفعل» في قيامها بواجبها الذي أصبح ثقيلاً على كاهلها بسياسات خاطئة، فما كان يجب أن يُسمح لقوى سياسية لها جيوش أن تستمر بجيوشها إلى ما بعد نيفاشا، فعقار والحلو كانا شريكي الوطني في الحكم بل «واحد كان واليًا منتخبًا والثاني نائب والٍ موعود» وعليك أن تراجع ماذا كان موقف حزب الأمة بل كيف نبَّه حزب الأمة بعد التوقيع على اتفاق الترتيبات الأمنية في اتفاقية نيفاشا إلى أنها كانت قاصرة في أن تتدارك ما هو حاصل الآن ولا أجد من يدعو لاستمرار الحرب بديلاً للحوار لحل قضيتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أو أي قضية أخرى حتى «البشير» إن جاز لنا ضرب المثل أعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد، أليست هذه دعوة لوقف الحرب من «محارب». وأمر الاعتراف بممارسة الحركة الشعبية قطاع الشمال «للعمل السياسي» لم يأتِ في بيان قوى الإجماع الوطني على النحو الذي ورد في عمودكم وإنما ورد بالعبارة أعلاه وفي آخره كلمة «المدني» ولعل النسخة التي وصلتكم منه شابتها شائبة من تصوير أو طباعة أو وصلتكم سالمة فنظرتم إليها بعين السخط وهي تبدي المساويا أو لم تطَّلع عليها فأتاك خبرُها وآفةُ الأخبارِ رواتُها. وفي ما تقدم مما رأيتَ لا أبرِّر للحركة الشعبية أفعالها أو أدافع عن التحالف، فلي فيهم رأي أراه في موضعه، ولعله أقوى مما لديك وأمضى، لأن ما فيه من حجة ومنطق ليست منحازة، ولعلك سوف تدري قريبًا أن لا حل «بالبندقية»، لأنها حكمة ليست مستعصية، فحتى الذين يستخدمونها مهما عتوا فإنهم يحسِّنون بها حظوظهم في التفاوض. وزيارة رئيس حزب الأمة الأخيرة إلى دولة الجنوب وما تمخَّض عنها هي أيضًا في إطار التبشير بما لا يضير الطرفين «دولة الشمال ودولة الجنوب» من العلاقات التي تحقِّق مصالحهما المشروعة، وهي ليست في معنى ما ألمحتم إليه وإلا فما قولكم في وجود مكتب للمؤتمر الوطني في القاهرة؟! فهل هو يرعى عمالة المؤتمر الوطني لمصر أم أنه داعم لأفكار الوطني لأطْر علاقة تخدم الشعبين؟!. لست أدري والله أي مصلحة تخدمها الحملة التي تحاول تصوير أن حزب الأمة في مؤسساته وقراراتها أنها واقعة تحت تأثير كريمات رئيس الحزب، وفي نفس الوقت الإشادة بالأنصار وتاريخهم، إن في هذا الأمر تجنيًا على الحزب كله بتاريخه وحاضره، فصورة الحزب تكوَّنت نتيجة لتراكم تجارب في الماضي والحاضر، وإن كان خلف هذا القول منطق فإن كريمات رئيس الحزب ما تسنّمنَ المسؤولية إلا في حاضر الأيام القريب بالأسس والضوابط التي تحكم الترقي التنظيمي، ليس بغير ذلك، فمنهم من حمل السلاح وقاتل، أما تأثيرهم على القرار فنعم، ولكنه لا يتعدَّى أن يطلبوا الفرصة في إبدائهم لرأيهم برفع اليد وفق ما يقتضيه العمل المؤسسي المسؤول ويعبِّروا عن رأيهم كما الآخرون، وفي الأطر المشروعة لإبداء الرأي أما أكثر من ذلك فلا، ولو علمتم أو لم تعلموا فإن لأعضاء مؤسسات حزب الأمة إرادة قوية لا تنكسر ولا تلين وليس أدل على ذلك من أنهم أحفاد من شهدتم لهم بما شهدتم في مقالكم، فما يصدر عن حزب الأمة هو رأي حزب الأمة ولا وصاية لأحد عليه، أما أن يكون لهم رأي لا تتفق معهم فيه فهذا في إطار مشروعية تبنِّي وجهات النظر السياسية، وأُؤكد لك أن لا وصاية لرأيهم على مؤسسات حزب الأمة. قرأت فيما قرأت في الصحيفة لنفس الكاتب وفي ذات العمود هجومًا عنيفًا على الحكومة وبعبارة «بالله عليكم» ذائعة الاستخدام في العمود لإثبات الدهشة أنه كيف يُتخيَّل أن الحكومة تفاوض وتستجدي من هم كذا وكذا من أجل كذا وكذا ولا تفعل مع حزب الأمة والاتحادي فهم وهم والسودان والعروبة والإسلام واواواوا فلا أدري إن كان ما كتب اليوم هو مراجعة للموقف القديم. إننا نعتقد أن الخير كل الخير في هذه الظروف أن تكون كل الدعوات إلى ما يقرِّب بين أبناء الوطن «الجميع دون اسثناء» وأن كل ما دعا ويدعو إليه حزب الأمة يعبِّر عن ذلك وهي الوطنية ذاتها لا نخوِّن ولا نجرِّم أحدًا اختلف أو اتفق معنا. أسهبت نعم، ولكن لأبيِّن العمق الذي أدركه حزب الأمة فالأمر ليس تردُّدًا بحكمة لا يراها الآخرون. وأختم فأقول إن المقال الذي ألهب السطور التي تقدمت لو أننا وجدنا فيه ما هو في منطق الرأي والرأي الآخر أو أنه في إطار النصح من منطلق الإصلاح لما أرهقنا فيه أنفسنا بالقراءة مرة وأخرى حتى نجد فيه مايطمئننا إلى أن بعض ما فيه خير والبعض الآخر غثّ ولكن وجدنا فيه ما أرهقنا بالرد عليه متوخِّين في ردنا المسؤولية والموضوعية حتى نمحو بعض ما ترك من أثر وأن نؤسِّس لمساحة للكاتب والصحيفة في أن يراجعوا أنفسهم، أقلها في ما كُتب في العدد والعمود أعلاه إن لم يكن في الموقف من حزب الأمة وقيادته عمومًا. ونرجو الله أن يحفظ السودان وأن يهدي أهله فيتراضوا فيه وعليه. والسلام ياسر جلال كمبال