تقف الحركة الإسلامية السودانية بعد انفضاض مؤتمرها العام الثامن واختيار أمينها العام الجديد ومجلس شوراها ورئيسه، تقف على الحافة الصخرية العالية، وأمامها تحديات جسام كزبد البحر، ومن الصعب بمكان التنبؤ بمدى قدرة الحركة على تجاوز ما طرأ عليها وغسل أدران الفترة القصيرة الماضية التي علقت بها، وما ظهر من مثالب ومطاعن جمة في ممارساتها الشورية، وما برز من بعض الظواهر الغريبة التي لم تكن مألوفة فيها ولا عرفت بها، وهي حركة استنارة وفكر وإقناع وتحاجج وحوار. ولعل من أخطر ما يفتك بعافية الحركة الإسلامية، مفاهيم ضالة بدأ تداولها وسط القيادات المنتمية إليها المعفرة بتراب السلطة، وهي أن الحركة ستكون فاعلة فقط في مجال الدعوة بمفهومها الوعظي، وبعيدة عن المجال السياسي وتقلباته وأزماته وتشابكات خطوطه، ولا تسألن أحداً من هذه القيادات إلا ويقول لك إن المؤتمر الوطني هو المضطلع بواجب العمل والشأن السياسي، ويجب أن تعكف الحركة على تجلية التدين وإعمار المساجد والبلاغ والدعوة والفقه والعبادات والشعائر، وتالله لم تكن الحركة الإسلامية في يوم من الأيام محصورة في هذا الجانب فقط، وغاية أمرها كانت إقامة الدين كله بشموله وكمال غاياته. وهذه اللادينية السياسية الجديدة التي ترسمت في عقول البعض، ليس هدفها فقط إقصاء الحركة وإفراغها من مضامينها، إنما الهدف هو توظيفها واستثمار وجودها دون أن تكون لها ناقة أو جمل في كبير الأمور وصغيرها.. وأصبح الفرع «حزب المؤتمر الوطني» الذي ولد من أحشاء الحركة، هو المهيمن على العمل السياسي بوصفه ذراعاً للحكومة هو الآخر، «أن تلد الأمة ربتها».. وتبدو الصورة أكثر وضوحاً في كل النقاشات التي دارت خلال الأيام الماضية، أن الهدف هو البحث عن مشروعية سياسية وفكرية مزيفة باسم الحركة الإسلامية، دون أدنى انتباه إلى أن الحركة الآن باتت مثل الباحث عن حتفه بظلفه!! ولعل من غرائب ما جرى خلال المؤتمر وما سمعناه وتلمسناه من حوارات جانبية مع عدد من الرموز المعروفة، أن الجميع يعرف مكان الاعتلال وموطن الاختلال، دون أن يتقدم من هو قادر على وضع الأصبع محل الجرح أو رشق حفنات من الملح عليه. وبمثلما هو صعب علينا مجرد التفكير بعمق في مستقبل الحركة وقدرتها على التماسك وتجاوز عقباتها، صعب وشاق أيضاً تقديم قراءة صحية أو تصلح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فقلوب الناس كلها مشفقة على الأمين العام الجديد وهو رمز من رموز الحركة وأحد قياداتها، طيب القلب ونقي السيرة والسريرة، لا تجد من يختلف معه في قضايا الدين ولا الفكر والاستقامة، لكنه جاء في وقت حرج يقيده دستور أعد بعناية حتى لا يكون للحركة دور أكبر من المرسوم لها، مع هيكلة في أعلى قيادتها تكبل الأمين العام وتجعله مجرد مقرر للهيئة القيادية العليا بما يتناقض مع أصل فكرة القيادة في الإسلام وفلسفتها المبنية على الإمامة كما في الصلاة أو الخلافة أو الأمارة، مع إلزام الشورى لمن يتولى الأمر. لكن لم نستوعب بعد ولم نفهم صيغة هيئة قيادية تزاحم الأمين العام اختصاصه، وتتشارك معه في مهامه، وترهن قراره بموافقتها أو مشاورتها!! ولسان حال الإسلاميين بكل صدق ألجمته الحيرة، والحيرة المقلقة، فقد آثر كثير منهم الصمت خوف أن يفهم رأيه على غير مقصده، فاعتزل فتنة متوهمة، وأمسك عليه لسانه فصانه اللسان الحصان، لكنهم عندما يلتقون مع بعضهم البعض يتناجون ويتحاورون بعيداً عن الأطر الرسمية، وتفيض أعينهم بالدمع لما هم فيه، ولا يستطيعون فعل شيء، فلا أحد يسمع النصيحة ولا أحد يملك الوصفة السحرية للخروج من المتاهة اللولبية الغامضة.. ضاع المجداف والملاح!! --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.