انهارت عصر أمس، المفاوضات الأمنية بين السودان دولة جنوب السودان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وتسبب تعنُّت وفد دولة الجنوب والمحاولات القسرية لضم قطاع الشمال في التفاوض، في إنهاء الجولة وفشلها وانفض سامر اللجنة السياسية الأمنية المشتركة، وضاعت مصفوفة الآلية الإفريقية رفيعة المستوى.. «شمار في مرقة» .!! تعوّدنا كلما تعقّد تنفيذ اتفاق سياسي داخلي أو مع طرف خارجي، يتم حقنه بمصل إسعافي، ويستخدم مصطلح سياسي مأخوذ من علم الرياضيات والجبر، وهو ال «مصفوفة» أو(MATRIX)، وشاع استخدام هذا المصطلح في العالم منذ عهود طويلة في مجالات مختلفة سياسية وعلمية وفلسفية وحسابية ودخلت حتى عمليات الاغتيال السياسي، وتؤخذ دلالاته اللفظية والمفهومية، في تحديد المراد من استخدامه، فالتعريف للمصفوفة في علم الرياضيات كأحد أهم مفاتيح علم الجبر الخطي والنقل الخطي في المعادلات الخطية هو الآتي: «المصفوفة تنظيم مستطيل لمجموعة من الأعداد على هيئة صفوف وأعمدة محصورة بين قوسين» وبما أن الكلمة في معناها دالة رياضية في علم الجبر، فإنها مبنية على التوافقيات والإحصاء في نظرية المخططات والجبر. استنهضت العبقرية السياسية السودانية هذا المصطلح من مرقده لأول مرة عندما حدث الخلاف إبّان الفترة الانتقالية في نهاية 2007م عندما انسحب وزراء الحركة الشعبية آنئذٍ من الحكومة، على خلفية تطبيقات اتفاقية نيفاشا وما يحدث في منطقة أبيي، ولجأت الحكومة في شقها المتمثل في المؤتمر الوطني بعد تدخل جهات داخلية وخارجية إلى الحوار مع الطرف الآخر وتم التوصل لما سمي بمصفوفة أبيي في يناير 2008م، ولكم كان المصطلح في ذلك الأوان عصياً على الاستخدام المحلي في فهم المرادات من استخدامه وغرابته اللفظية رغم وضوحها الاشتقاقي من كلمة الصف والاصطفاف، وكثيراً ما تثير المصطلحات السياسية لغطاً وبلبلة لدى الرأي العام المحلي مثل مشروع «الاستمساك الوطني» الذي طرحه والي جنوب كردفان الأسبق مولانا سومي زيدان في 2004م ، وتباينت التعبيرات عنه في ذلك الوقت، فمن الناس من ينطقه في المحافل العامة بال«الاستسماك الوطني» وبعضهم يسميه ب «الإمساك الوطني» .! وصيغت مصفوفة أخرى في 2008 بين نائب رئيس الجمهورية آنئذٍ، علي عثمان محمد طه، ومني أركو مناوي كبير مساعدي الرئيس وقتها، الذي ذهب مغاضباً إلى منطقة كرنوي بأقصى شمال غرب ولاية شمال دارفور، احتجاجاً على طريقة تنفيذ اتفاقية أبوجا الموقعة في مايو 2006م. وأطلت كلمة المصفوفة مرة أخرى أمس الأول في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، عندما تقدّمت الآلية الإفريقية رفيعة المستوى برئاسة ثامبو أمبيكي بمصفوفة جديدة لمعالجة حالة الجمود في التفاوض بين السودان وجنوب السودان في الملف الأمني وتحريك أعمال اللجنة السياسية الأمنية المشتركة الملتئمة الآن في أديس وعجزت من خلال اجتماعاتها في جوبا والخرطوم من إنفاذ ما اتفق عليه في اتفاقية التعاون المشترك ببروتكولاتها الثمانية في 27 سبتمبر الماضي. وتنص الاتفاقية على كيفية تجاوز عقبات الملف الأمني خاصة فك الارتباط بين دولة الجنوب وقطاع الشمال بالحركة الشعبية، فيما وافق وفد الحكومة السودانية على ما جاء في مصفوفة الوساطة، وتحفظ وفد دولة الجنوب على بعض بنودها خاصة فك الارتباط والانسحاب من المناطق الحدودية المتنازع عليها. بما أن دلالات المصفوفات تعنى ترتيب الأوضاع في متواليات محددة وتناسق دقيق، بحسب علم الرياضيات الذي يقوم على محددات قاطعة، فإن ما تقدّمت به الوساطة لا يصلح في كثير من الأحوال لتسوية الخلافات في الملف الأمني والملفات الأخرى، وتبدو الأوضاع اليوم أكثر تعقيداً من قبل، وهو ما يفتح الطريق لقمة الرئيسين التي يعلِّق المتفائلون عليها بعض الأمل في حل العقبات الكأداء.. ولكن ....!! --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.