تراجيديا الحياة اليومية التي تمر بها فئات المغتربين بالخارج تجعل الكثير من القضايا الشائكة المتشابكة لها أبعاد مختلفة تتمثل في كيفية إدارتها وحلها بعيدًا عن الضغوط الأخرى الاقتصادية والاجتماعية وأكثرها عمقًا النفسية.. متطلبات الغربة متعددة وغير مقننة بإطار محدد يجعل الاستفادة منها كاملة الأطراف بتوفر المعينات اللازمة، مما تجعل التحوطات المستقبلية يشوبها العديد من التخبط وعدم الاستقرار فتهتز الثقة باستحالة إيجاد الأمن والهدوء المرجوين.. عند النظر لما يواجهه المغترب من صعاب جمة وآماله العريضة بأن تجد الأُذن الصاغية والعين الحريصة التي تسعى للحفاظ على حقوقها ومستقبل أبنائها من الجهات المختصة يبرز على التو الجهاز المعني بكل ما يلي هؤلاء المغتربين ومشكلاتهم التي من صميم اختصاصه وأولوياته القصوى ولكن الشكوى المستمرة دومًا من هذه الفئة بإهمال جهازهم لقضاياهم وتهميشه لها تجعل الأمر جد خطير وله إسقاطات سلبية جدًا بدواخل هؤلاء المغتربين.. وما يجعل الأمر أكثر دقة في الخطورة أن هنالك فئات من المغتربين سعت للهجرة وفي سبيلها بذلت الغالي والنفيس تحدوها أحلام الاغتراب الوردية والتي يطوف حولها الأمان والاستقرار المادي والوظيفي كأدنى درجات الرفاهية من الغربة، وتصدمهم الغربة بقسوتها وعدم إيجاد العمل أيًا كان فيصبحون تائهين ما بين الأمل في الحصول على ما سعوا من أجله في الغربة أو ألم العودة دون تحقيق هذه الأهداف ويصبح الأمر عندها أكثر صعوبة ويحز في النفوس فلا يجدون ما يسد رمقهم الذي امتلأ بمرارة الغربة التي واجهتهم بأعتى أسلحتها وذخيرتها وزاد الطين بِلة عدم الاهتمام من جهازهم ووجهتهم عندما تضيق ظروفهم وتقفل الدنيا كل أبوابها بوجههم، أليس من أدنى واجبات جهاز تنظيم شؤون السودانيين «غير العاملين» بالخارج أن يضع بندًا يشمل هؤلاء بأدنى درجات الاحترام والتقدير؟ عندما ننظر لاهتمام الدول القريبة والصديقة وحتى البعيدة لرعاياها بشتى الصور نجد أن رعايا السودان كل يسير في طريقه دون مظلة تجمعهم وتشملهم وتقف معهم عندما يمسهم أي ضرر، بعض الدول انشأت وزارات تنفيذية تُعني بقضايا المغتربين ومشكلاتهم التي تسببها الغربة والحالات المعسرة التي تواجه بعضهم ناهيك عن أجهزة فرعية تنفيذية ليس لها سلطة عميقة مما حدّت من سعيها لحلحلة قضايا رعاياها بالخارج.. الأمر بحاجة إلى تضافر كافة الجهود من الدولة بإعطاء مساحة بإطلاق يد السلطة التنفيذية للجهاز المعني بأمر منسوبيها بالخارج للاطلاع عليها والسعي لإيجاد الحلول لها وهذا لا يعني أن الجهاز يقوم بأداء واجبه على أكمل وجه فهو يشوبه الكثير من القصور الذي يجعل المغتربين يجهرون باستيائهم منه ومن ضعف خدماته المرجوة منه في إطار القضايا التي له اليد العليا فيها.. والنداء لا يعني الدولة وجهاز المغتربين فقط؛ بل كل المغتربين بضرورة التكاتف والتعاضد من أجل أن يدوم اسم السودان وشعبه المفضال بين ظهراني الشعوب العربية جمعاء بما اُتصف به من أمانة ومصداقية وشهامة يعرفها القاصي والداني للسوداني الأصيل.