نتجت مفارقات كثيرة عن تمرد ميليشيا آل دقلو وتفاعل "تقدم" معه، وبعضها يمر دون درس كافٕ في لحظته، ربما بسبب كثرة المفارقات وتداخلها، وصعوبة عزل كل مفارقة وتمييزها والتأمل فيها بمعزل عن غيرها. إحدى هذه المفارقات تتعلق "بالمبدأ التأسيسي" الذي زُعِم أن تحالف "تقدم" قد قام على أساسه: * كان قادة تحالف "تقدم" قد أعلنوا أن المبدأ التأسيسي لقيام هذا الكيان هو (تشكيل أكبر كتلة مدنية ضد الحرب). لكن ما إن بلغت الميليشيا ذروة حربها ضد الدولة والمدنيين، حتى قرر جزء كبير من "تقدم" أنه يسعهم أن يخالفوا هذا المبدأ المزعوم جذرياً دون أي حرج، وأن الظرف قد بات ملائماً لإعلان التحالف مع الميليشيا، لأنها قد بلغت، في نظرهم، أوج جاذبيتها! * أما الجزء الآخر من "تقدم"، فقد صاغ موقفه من هذا الانضمام بمنطق اعتذاري يتجنب الحكم السلبي عليه: (هو تقدير قد يصيب وقد يخطئ). هذا المنطق يميع موقفهم أنفسهم. فإذا كان الانضمام للميليشيا تقدير قد يصيب وقد يخطيء، فإن عدم الانضمام أيضاً تقدير قد يصيب وقد يخطئ! وبهذا المنطق يزول التمايز الأخلاقي بين التيارين، ويتحول المبدأ التأسيسي إلى مجرد رأي قابل للأخذ والرد ولا يصنع فرقاً ذا بال بين مدعي التمسك به، ومعلني التخلي عنه! * إن تعميم هذا المنطق سليزم "تقدم" بالاعتراف بأنه، في تقديرها، كما أنه لا تمايز جوهري بين الباقين فيها المتسمين "بصمود" وبين المنضمين للميليشيا،، كذلك لا تمايز جوهري بينها وبين الداعمين للجيش، ما دام خيانة "المبدأ" لا يلزم وصفها بالخطأ، هذا لازم منطقي، ولا يمكن إلغاء لزومه إلا بالاعتراف بأن منطقها هذا يشتغل في اتجاه واحد فقط، هو اتجاه الميليشيا! * لم يوجه قادة "تقدم" لرفاقهم تهمة خيانة للمبدأ ، ولم يتهموهم بالالتحاق ب"معسكر حرب"، بل شهدوا لهم بإرادة السلام، دون أن يشرحوا كيف لإرادة سلام أن تقود أصحابها إلى الانضمام إلى الحرب ضد الدولة والمدنيين معاً! * الأغرب من ذلك أن الخروج من الكتلة التي تسمي نفسها كتلة رفض الحرب كان أول خروج من تحالف، في تاريخ السودان، يُعمَّد بالاحتفاء، وبالمدائح السخية "للخارجين". وخطابات "الفراق الحضاري"، الذي صُوِّر كتجربة غير مسبوقة ترسي "أدباً جديداً في الاختلاف"، وتُقدَّم لبقية القوى السياسية كدرس في "الوعي السياسي". والحقيقة أن هذا وعي زائف، إذ يرفع طريقة التعامل مع ما يُفترَض أنه خيانة للمبدأ التأسيسي إلى مرتبة الإنجاز السلوكي الحضاري! * لقد أرادوا أن يبيعوا احتفاءهم بما يُفترَض أنه "تفكك" لتحالفهم، وعمل ضد تشكيل "أكبر كتلة", وخيانة لمبدئها، كدرس في الوعي. لكن الحقيقة أن الكذب في المبدأ التأسيسي انكشف تماماً في لحظة الاحتفاء العلني بخيانته. فالفضيحة ليست فقط في سهولة خروج البعض، بل في تحويل "الخيانة" المفترضة نفسها إلى قيمة تحتفي بها الكتلة كلها! * المؤكد أنه لو كان "الخارجون" قد انضموا إلى الجيش، لكان الفراق خشناً، ولادى ذلك أيضاً إلى كشف التناقض، لأن "تقدم" منذ تأسيسها كانت كتلة لتسويق سردية الميليشيا وتقديم خدمات سياسية وإعلامية لصالحها وضد الجيش، والفرق بين الباقين والخارجين ليس فرق معسكرات بل فرق أساليب ومستوى شفافية: حياد زائف أو انحياز معلن! بهذا الاحتفاء لم تصنع "تقدم" قيمة جديدة لتهديها إلى الساحة السياسية، بل هدمت القيمة الأصلية المدعاة (رفض الحرب)، وأثبتت إنها محض شعار يتبخر مع أول اختبار، وأثبتت أنها ليست في موضع يؤهلها لتقديم الدروس للآخرين، بل هي ظاهرة سياسية مرضية تستحق الدرس الذي يتعمق في مسببات المرض، وأعراضه وزيادتها مع مرور الوقت، وعدم القابلية، ولا الرغبة، في الشفاء منه! إبراهيم عثمان إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة