قال الفريق عبود للجنة تقصي الحقائق حول إنقلاب 17 نوفمبر 1958: (قبل إنعقاد البرلمان بنحو عشرة أيام جاءنى عبدالله خليل وقال لى: الحالة السياسية سيئة جداً ومتدهورة ويمكن أن يترتب عليها أخطار جسيمة، ولا منقذ لهذا الوضع غير الجيش يستولي على زمام الأمر. فقلت هذا لضباط الرئاسة أحمد عبد الوهاب وحسن بشير نصر وآخرين. ومرة ثانية جاءنى عبدالله خليل فأخبرته أن الضباط يدرسون الموقف. فقال لي ضروري إنقاذ البلاد من هذا الوضع. ثم أرسل لي زين العابدين صالح يكرر نفس الكلام. والضباط وقتها كانوا يدرسون تنفيذ الخطة. وقبل التنفيذ بثلاثة أيام جاءنى عبدالله خليل فى الرئاسة ليطمئن على الموقف فقلت له كل حاجة تقريباً إنتهت ..... فقال لي ربنا يوفقكم) ولم أجد فرقاً بين (إنقاذ البلاد) 1958م برؤية حزب الأمة و(الإنقاذ الوطني) 1989م برؤية حزب الحركة الاسلامية السودانية (الموحد). وفى علم السياسة فإن تقييم أو تقدير وزن أي حزب أو تنظيم أو قيادات لا يستند على الأقوال والمواثيق و(برنامج الحد الأدنى) بل على الأفعال. ماضي الأحزاب والتنظيمات والقيادات. ولذلك يتم تزوير وقائع التاريخ وأحياناً وقائع الحاضر الذى نعيش ... وقبل تسليم حزب الأمة السلطة لهيئة قيادة الجيش، تقدمت أمريكا بمشروع أبزنهاور وتقدمت شركات أمريكية بطلبات لإقامة طرق ومطارات وغيرها فى غرب السودان. وعارض حزب الشعب الديمقراطى (حزب الختمية) كل الطلبات ورفض التوقيع على مشروع ابزنهاور الذى وقعه حزب الأمة. وفشلت الإدارة الأمريكية في فرض إرادتها على الحكومة السودانية (الإئتلافيه) ومن أقوال اللواء عبد الرحيم شنان خلال محاكمته: (إن الإستعمار بالتعاون مع حكام 17 نوفمبر دبروا مؤامرة لتحويل حلايب إلى قاعدة عسكرية..) وهو صادق. فمعلوم أنه كان فى مقدمة قرارات حكومة 17 نوفمبر قبول المعونة الأمريكية والتي وصفها القرار بأنها (ستشارك فى بناء السودان وتنفيذ مشروعاته الكبرى) وقبل أن يجف مداد القرار دخل رجال الإستخبارات الأمريكان السودان تحت مظلة (الخبراء) بقيادة (المستر كتشن) الأمريكي من أصول أفريقية وكان أول المشروعات طريق (الخرطوم-مدنى) وتنفذه شركة (ولشي) وطريق (الخرطوم-بورتسودان) وتنفذه شركة (لوكهيد) ذات السمعة الإستخبارية المعروفة. ثم تقدمت أمريكا بطلب للسودان للسماح بطائراتها بالإقلاع و الهبوط على ومن عطبرة. ورفضت الحكومة وأوقفت أمريكا المشروعات. وصحف يوم الجمعة 22 فبراير أوردت خبر طلب حزب البعث العربي الإشتراكي للأمانة العامة لتحالف قوى الإجماع الوطني بفصل حزب الأمة القومي من التحالف بسبب نقده للتحالف وعدم وضوح (رؤيته) حول (إسقاط النظام) كما يتبناها التحالف و(الرؤية) مسألة تتعلق بالأفكار وكذلك (إعادة هيكلة التحالف) وأما التذبذب بشأن (إسقاط النظام) فإن رئيس التحالف هو (شيخه).. وسمعنا أن حزب ما ينسحب من تحالف تكتيكي (مؤقت) ولم نسمع بتحالف أحزاب (فصل حزباً) كما أن قوى الإجماع الوطني لم تصدر قراراً بفصل الحزب الإتحادى الديمقراطى (الأصل) حتى من بعد شراكته ولا يزال مولانا محمد عثمان الميرغنى رئيسا للتجمع الوطنى الديمقراطى الذى لم يصدر قرار بحله (!) ... وحزب البعث الذى نقدره كثيرآ بتقييمه على أساس الأفعال، فإننا نعجب لإلغائه علم السياسة فى تقييمه للأحزاب الرئيسية فى قوى الإجماع الوطني. لكن الواقعة تؤكد ماذهبنا إليه من ضرورة الحوار حول التحالفات المعارضة المتعددة من الأشباه والتى قد يجمعها مركز تنسيقى واحد ببرنامج محدد). ومن بعد نهاية حقبة الحرب الباردة، كانت مسألة قبول أو رفض مبدأ التدخل الخارجي في الشئون الداخلية للدول المستقلة (لفرض إحترام حقوق الإنسان والحقوق المدنية التي تنتهك) محل خلاف وجدال على نطاق دول العالم. وقبل وصول المساجلات لنهايتها جاءت (إتفاقية برلين) التي وقعتها دول الغرب فى يونيو 1991م والتى نصت على أحقية الدول الأعضاء فى التدخل لوضع حد لإنتهاكات حقوق الإنسان والقوانين الدولية. ومنذ ذلك التاريخ والدول الرأسمالية الكبرى لا تكف عن التدخل... وذات الفترة وحتى اليوم شهدت صعود أجهزة المخابرات الإمبريالية واستخدامها الواسع النطاق لكافة أساليب التخريب من الداخل لكافة الفئات وبالذات التي تنتهج خطاً وطنياً إستقلالياً معادياً للإمبريالية، ولكن الغريب أن كل النخب حاكمة ومعارضة تتفادى أي حديث عن التدخلات الأجنبية واختراق المخابرات الأجنبية للساحة السياسية السودانية ولا تشير إلا نادراً لخطط الرأسمالية الدولية تجاه السودان فخلال العشر سنوات الأخيرة ناقش الكونجرس الأمريكي أكثر من 815 موضوعاً عن السودان وأصدر عشرات القرارات ضد السودان... وهذا الضمن من أهم أسباب إبتعاد الجماهير عن الساحة السياسية حاكمة ومعارضة. والقائم بالأعمال لسفارة الولاياتالمتحدةبالخرطوم بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان (10/12/2012م) بعث برسالة نشرتها معظم الصحف اليومية السودانية يؤكد فيها أن الإدارة الأمريكية تواصل العمل الشاق لجعل حقوق الانسان حقيقة لكل شخص بغض النظر عن من هم هؤلاء الأشخاص أو أين يعيشون وأن تساعد الشعوب فى خلاصها من ظلم الطغيان ومن التعذيب ومن التمييز ومن الخوف من القادة الذين سيسجنونهم او يخفونهم عن الانظار. وأن الإدارة الأمريكية ستواصل دعمها للمدافعين عن حقوق الإنسان ناشطين ومنظمات مجتمع مدني. وأعدت الإدارة الأمريكية قبل سنوات، قائمة بالدول التي تعمل على تغيير نظم حكمها الوطنية القائمة. وجاء ترتيب السودان آخر القائمة (ثاني الطيش) فالمملكة العربية السعودية هي آخر دول القائمة. وموريتانيا سبقت السودان في الترتيب لكنها بدأت في إقامة المنسقيات الموريتانية نقلاً عن تلك السورية، أما المنسقيات السودانية فقد تم تأجيلها وطلب رئيس تحالف المعارضة السوداني من (الأصدقاء) الصبر عليهم قليلاً ... ودعاة الحوار في سوريا من بين المعارضين الرسميين وهم دعاة (تغيير النظام) يعلنون دائماً عن ترحيبهم بالمنشقين من الخدمة العامة السورية وبعثوا برسالة إطمئنان للبعثيين بأن المستهدفين هم الذين تلطخت أياديهم بالدماء ... ورئيس التحالف الوطني المعارض في السودان أكد أيضاً أن كل عضوية المؤتمر الوطني النظيفة والتي لم تتلوث بالفساد وغيره سيجدون لهم أمكنة .. وكفاية محاكاة. وفي السودان وموريتانيا يستعجلون، فصور نظم الحكم التابعة لم يتم تثبيتها بعد في مصر وغيرها، كما هناك دول سابقة عليهما في الترتيب لم يتم حسم أوضاعها كسوريا ولبنان .. وبالإئتلاف السوري المعارض تياران، تيار (التغيير) بقيادة معاذ الخطيب وتيار إسقاط النظام بقيادة جورج صبرا، والتياران داخل التحالف المعارض (الرسمي) وبالإئتلاف السوداني المعارض (الرسمي) تياران، تيار التغيير بقيادة الصادق المهدي وتيار إسقاط النظام بقيادة الترابي. وتراجع تيار الخطيب عن تكوين حكومة في المنفى، على الرغم من تعيينه لسفراء. وأنكر الإئتلاف السوري وجود أية مبادرة للحوار، وأنها تصريحات لرئيس التحالف تعبر عن وجهة نظره الشخصية .. ده كلام؟ لكن الأهم من ذلك أن النظام السوري إتهم تنظيمات للقاعدة بتفجيرات دمشق وهي ذات إتهامات القذافي الذي طلب من الأمريكان ودول الغرب التدخل لصالحه للقضاء على القاعدة فهل ستفعل سوريا ذات الشئ خاصة بعد سحبها للفرقة الخامسة من خط وقف إطلاق النار في الجولان. والإئتلاف السوري أدان التفجيرات أيضاً كما الحكومة السورية. ولم أجد فرقاً من حيث النوعية لا المقدار بين تفجيرات دمشق وقصف السكان بالصورايخ والقنابل العنقودية والفسفورية التي إستهدفت السكان حول المخابز والمستشفيات الميدانية وأكثر من مليون منزل و 50% من المنشآت الصحية و 25% من المدارس. ووقف الحرب الأهلية أو النزاع المسلح لم تطالب به إلا روسيا الإتحادية لكن الإئتلاف المعارض لا سطوه له على الجيش الحر ولا ألوية المقاتلين الآخرين الذين لا نعلم متى سيضعون السلاح. ونذكر أن ميثاق كمبالا نص على وضع المعارضة المسلحة سلاحها بعد (إسقاط النظام). إشارة: الشكر للأستاذ أشرف الذي أتاح لنا فرصة المشاركة في الملف السياسي على الرغم من إختلاف طريقنا. وأرجو من الكتّاب الصحفيين من المعارضين غير المعترف بهم -وأخص بالذكر الأستاذ أبوبكر الأمين ورفاقه- مواصلة مناقشة الموضوع في أسبوعه السادس بسبب إنقطاعي لأربعة أسابيع قادمة لأداء مهمات لا تؤجل. محمد علي خوجلي