أرضية: *********** من المظاهرة الجديرة بالاهتمام والبحث والدراسة؛ في المجال الإبداعي عامة؛ والمسرحي خاصة في العالم( العربي) والتي لم ننتبه إليها؛ ولو بمقالة واحدة؛ كأرضية تفتح آفاق الاشتغال؛ والبحث الحثيث عن ماهية وانخراط المسرح العربي؛ في عملية المساعدات الخيرية؛ ولماذا – المسرح ؟ بداهة: أنه أسمى رسالة إنسانية/حضارية؛ يضطلع به من يأخذ الحياة من أرقى وأنبل جوانبها؛ من قيم ورهافة الإحساس؛ ولطافة الضمير ورقة الوجدان؛ أيمانا بالتجديد والتجدد في مضارب الإبداع والفاعل الحق مع الحياة وظروفها واتجاهاتها؛ وبالتالي فالمسرح باعتباره جامع لفنون القول والحركة والألوان؛ فإنه يعطي حرارة وحركة للأفراد والجماعات؛ لتفسيرها الأمثل والأبعد لما هو روحي وقيمي؛وبالتالي فتقديم عروض مسرحية، من لدن الفرق والجمعيات؛ (مداخليها) أو( نسبة )منها؛ على الأقل، توجه للمساعدات الخيرية، حسب الحالات؛ المتفشية في المجتمع( العربي) وهو يعتبر مساهمة وانخراطا في حاجات المجتمع ومجهودا- تطوعيا- يلغى المقابل المادي للفنان والمساهمين في(العمل) خدمة للإنسانية ؛ وغرس الأمل لأهله من أي خطر (ما)وفي نفس الآن تلمس قضايا مجتمعه عن قرب وكذا الوقوف على معاناة بعض شرائحه واحتياجاتهم الأساس، فأهمية المشاركة فى الأعمال الخيرية فى المجتمع؛ فرض على جميع الأفراد ؛ باعتبارها،مساهمة جليلة وفعالة فى حل العديد من الحالات والمشكلات، خاصة إبان الأزمات التى يواجهها المجتمع، أوالوضعيات المنتشرة؛ ومن أضعف الإيمان أن يشارك أى فرد بالجهد والوقت، إن لم يستطع المشاركة بالمال، فالحرص على التواصل الإنساني أساسي، لأن الفنان تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة فى هذا الإطار؛ باعتباره قدوة للآخرين ، ومن ثم ينبغى أن تكون له إسهامات قيمة؛ لحل العديد من المشكلات التى يعانيها أفراد المجتمع؛ علما أنه يكون دائما بالغ التأثير؛ بحكم رهافه حسه؛ ويقوى على الخلق والإبداع؛ لكي يكون فنه وعطاؤه نار متأججة؛ تتحول لرياحين فواحة؛ تتشبت بالحياة؛ ليسعد نفسه ويسعد الآخرين؛ فمن هذا المنطلق، يحرص العديد من الفنانين ؛ فى مختلف دول العالم على المشاركة فى الأعمال الخيرية ؛ يتضمن أساسا شعورهم بالمسئولية تجاه بلادهم التى يعيشون فيها، وإن كان الأمر نسبي. بوادر المساعدات **************** وبنظرة ما تحمله بعض الوثائق من معطيات حول الموضوع نستشف؛ بأن المسرح على مدارالتاريخ؛ ساهم بكل تقدير في المساعدات الخيرية؛ ومن خلال ذلك:نتعرف وبشكل جلي على(الكيفية) التي كان عليها الوضع الاجتماعي والأحداث الجسيمة التي أحاطت به؛ فيوم هب ريح الفن المسرحي؛ من أوروبا إلى التربة العربية؛ والعديد من المحاولات قام بها رجالات من اجل غرس أقدام هذا الفن في التربة بالكاد؛ ولا يمكن أن يغيب عنا بعدين أساسين:أغلب الرواد الأوائل أصولهم إما مسيحية/ يهودية/تركية/ في تقاطع مع الأقليات الأجنبية التي ساهمت بدورها في تفعيل هذا الجنس الفني (بمعنى) أن البنية الذهنية متفتحة في الأرض العربية؛ و[ثانيا]دعم البلاطات وحكومات ذاك الوقت؛ للنشاط الفني ؛مما نجد أن المنطلق كان من لبنان1852: بأنه من مدة يسيرة عند افتتاح المرسح العربي في بيروت لتقدمة الروايات قوميدية، بغاية توزيع الإيرادات على الفقراء؛ فكانت رواية(الحسود السليط)[1]- لكن وجهة – المسرح والمساعدات الخيرية - ستتمركز في- مصر- لطبيعة النشاط الدؤوب الذي تمظهر فيها ؛ من لدن الأجانب؛ وهجرة السوريين- المسيحيين- إليها، فكانت البوادر من المسرح- الكوميدي- الفرنسى- فى منطقة الأزبكية الذي أنشأه الخديوي إسماعيل فى1867/11/27 وقد افتتاحه فى 4/1/1868 تحت إدارة[منسى الخواجا] وفى24/3/1869تم إجراء تمثيل مسرحي كإعانة للفقراء؛ فكان تحصيل الإيراد الذى بلغ 2200 فرنكا فرنسيا [2 وقبل هذا التاريخ:كان هناك مسرح فرنسي للهواة في 1843 يعرف باسم( تياتروالقاهرة)... وقد رأى- دي نيرفال- ملصقات مطبوعة عن هذا المسرح؛ كانت العروض تقدم بهدف جمع أموال لكثير من الفقراء وفاقدي البصر؛ من سكان المدينة[3] وهاته الإشارة الدالة من رحا لة؛ تكشف بأن علاقة المسرح بالمساعدات الخيرية؛ مقرونة بالتصور والمنطلق الإنساني للأجانب والأوربيين؛ وهذا الواقع؛ ينعكس في العديد من الأعمال ومبدعوه، ومن الصعب سرد كل الأعمال الفنية؛ بتسلسل تاريخي؛ لأننا أمام كم هائل في هذا الصدد؛ فحتى الجمعيات الخيرية؛ دأبت على تنظيم عروض- مسرحية- لنفس الغرض: إذ قدمت فرقة الخياط: العرض النهائي على مسرح زيزينيا في 10 يناير 1878 م لجمع أموال للجمعية الوطنية لمساعدة جرحى الحرب المصريين في الحرب التركية الروسية(1877/1878) تضمنت الأمسية مسرحية عربية من فصل واحد " الحكيم المغصوب ..... عادت الفرقة إلى الإسكندرية بعد موسم قصير، حيث قدمت كوميديا وهزلية عربية على مسرح زيزينيا يوم الثلاثاء 26 فبراير، لجمعية القديس يوحنا الكاثوليكية الخيرية اليونانية، من أجل فقراء الجمعية[4]. وعاد أديب إسحاق وسليم النقاش عودة قصيرة إلى المسرح في يوم الأحد 17 ماي 1879 بمسرح زيزينيا، حيث قدما أيضاً " هارون الرشيد " من أجل الخير للجنة مساعدة الجرحى في الحرائق في دمشق والموسكي بالقاهرة (لجنة إعانات المصابين بحريق الشام والموسكي" كان النقاش وإسحاق عضوين في هذه اللجنة، ويبدوأن العرض قدم بمبادرة من النقاش وعرضته مجموعة هواة. عمل النقاش ترتيبات الدعاية للحدث في الجريدتين اللتين كان يديرهما – مصر/ التجارة - طالباً دعم الصحافة الأوروبية للإعلان عنه. [5] وفرقة سليمان القرداحي قدمت يوم الخميس5 أغسطس1880م مسرحية ( تليماك) ربما كانت من إعداد السوري سعد الله البستاني- والتي نشرت في بيروت 1870 م بترجمة عربية، قد عرضت لأول مرة في بيروت. وقدمت لجمع أموال للفقراء لحساب الجمعية اليونانية الكاثوليكية الخيرية بالإسكندرية [6] وبنوع من التدقيق؛ لتاريخ لا يغفل حسب تدوينه؛فمساعدة الفقراء والمحتاجين؛ أغلبها كانت ترصد؛ لغيرالمصريين/ المسلمين،إلا لماما .هل البعد كما أشرنا؛ بأن الفاعلين في الميدان المسرحي؛ أصولهم غير مسلمة، أم بحكم سيطرة الأجانب على جل المناصب الحساسة في نظام(الخديوي)أم الموضوع يرتبط بمسؤولية والتزام أخلاقي وإنساني؟ فإذا نظرنا لفرقة (اسكندر فرح)1898 كانت الفرقه الأولى التي تحيي الحفلات الخاصة لأكبر الجمعيات بمصر؛ ففي1/04/1898 مثلت رواية( السيد ) فى احتفال القبطية الخيرية؛ وبعد أيام قدمت نفس المسرحية للجمعية الخيرية للروم الارتوذكس؛ بطولة المطربة(مريم مراد) وفي19/04/1898 اطرب عبده الحامولي جمهور الأوبرا فى ليلة الجمعية الخيرية المارونية[7]. ومن الأساليب العجيبة في الفرقة تخصيص إيراد بعض الليالي لبعض الممثلين والمؤلفين، كتشجيع مادي لهم؛ ففي 7/12/1900 قدمت فيها (مغائر الجن)وخصص دخلها لكاتبها ميشيل مرشاق وفي ليلة 15/4/1902 قدمت مسرحية(صنع الجميل)وخصص دخلها لصالح الممثل محمود حجازي شقيق الشيخ سلامه حجازي[8] أما مسرحية (صلاح الدين الأيوبي) التي قدمتها العديد من فرق ذاك الوقت؛ ولقيت استحسانا و أصداء طيبة حسب (الجرائد) نجد جوق (بولس القرداحي ) في سبتمبر 1896 خُصص إيرادها لمساعدة المدارس الإيطالية الأهلية،. أما جوق شبان مصر الوطني برئاسة إبراهيم حجازى( نجل)الشيخ سلامة الحجازي فقد قدمها في مديرية رشيد في أكتوبر 1897وخُصص الإيراد لمساعدة ، منكوبي الحريق في رشيد [9] ومن الجمعيات التمثيلية التي قدمتها : جمعية [الابتهاج الأدبي] بالإسكندرية، في فبراير 1897 وخصصت إيرادها للجمعية الخيرية الأرمنية [10] ولا يفوتنا الإشارة عن(ع الله النديم) الذي أعتبره شخصيا؛ من خلال تاريخه؛ ظاهرة غريبة ومعقدة، في السياسة والصحافة والخطابة والشعر (؛ ولا نغفل الجانب الفني/المسرحي؛ بحيث :أسس النديم في إبريل 1879 م( جمعية ثقافية اجتماعية وطنية (بالإسكندرية ..أُسست الجمعية لمساعدة فقراء المدينة، وأقامت هذه الجمعية مدرسة لأبناء الفقراء واليتامى في يونيو 1879 م وأصبح نديم مديرها. قدم الطلبة في 5 فبراير 1880 م مسرحية بالفرنسية، وأصدرت جريدة النقاش ( المحروسة (نبأً عنها، وساعد نديم في تأسيس جمعية أدبية في المدرسة للطلبة، يمكنه من خلالها أن ينشر أفكاره ويعلم شباب مصر، أسست هذه الجمعية، جمعية الفنون والآداب في المدرسة .....من جانب الطلبة لمكافأة الطلبة الناجحين، ولمساعدة الفقراء منهم، ولاستخدام المسرح للمناظرات والمسرحيات والمناقشات، وللحفاظ على حقوق الطلبة المدرسية. كانت الجمعية مفتوحة لأي طالب من أي مدرسة، ومن أي بلد أوعقيدة ورئيسها(أحمد منيب (كانت هذه أول جمعية درامية للهواة بين العرب في مصر. أراد نديم أن يألف طلبته هذا الجنس الأدبي الجديد (الدراما) أخرج نديم وأدار المسرح لمسرحيات قام بالتمثيل فيها جنباً إلى جنب مع الطلبة، وكان أيضاً كاتب الجمعية الدرامي. أوردت (المحروسة ) نبأً عن أحد عروض مسرحيات النديم ( الوطن وطالع التوفيق ) وهي تورية على اسم الخديوي توفيق. عرضت هذه المسرحية ذات الفصول الأربعة بالطلبة في فناء المدرسة يوم الاثنين 2 إبريل أمام حشد من الجمهور، بما في ذلك أمراء وأعيان، وكان راعي المدرسة هو ولي العهد عباس. كانت المسرحية ناجحة إلى درجة أن الكثيرين طلبوا إعادة عرضها؛ حيث إنها أظهرت فضيلة الخديوي ووزرائه..... أعيد عرض المسرحية في ذلك الصيف في 12 يوليو على مسرح زيزينيا أمام الخديوي وحاشيته، وافتتح نديم العرض بقصيدة مهداة إلى الخديوي، وكذلك تلا أشعاراً تثني على الوزراء : رياض باشا، فخري باشا، البارودي، علي مبارك، فوزي باشا، ومحمود باشا فكري. بيعت تذاكر هذا العرض بمجرد صدورها، وحقق نجاحاً هائلاً، وبهر توفيق إلى- درجة أنه منح الجمعية مائة جنية، وزع جزء من المال جوائز للطلبة الناجحين والباقي للمحتاجين(....) قام الطلبة أعضاء الجمعية بعرض مسرحية أخرى كتبها هو تسمى " النعمان" أو " العرب " على مسرح زيزينيا – على الأرجح في 1880 م - أمام الخديوي والأمراء والأعيان والمدرسين. أوضح في مسرحيته مزايا العرب والأعمال الفذة التي أنجزوها[11] أشرت لكل هذا؛ تأكيدا لإنوجاد مسرح- مدرسي- قبل التنظير له في أوربا من الزاوية البيداغوجية؛ وثانيا، كيف تم توظيف المسرح في اتجاهين عند( النديم) البحث والاجتهاد وكذا المساعدات؛ لتوطيد وتوطين الجد والاجتهاد؛ لكن أمام سفلة القوم؛ وعديمي الضمير والأخلاقيات؛ فأي بادرة؛ فيها رائحة(عربية/صرفة) تقصى ويتكالب عليها المتآمرين( لماذا) سؤال عريض جدا؛ لأنه: وفي صيف 1881 عرض لمسرحية عبد الله النديم ( الوطن)... على إتباع طريق الفضيلة، وأن يتعاونوا على القيام بواجبات/ الوطن/ وعلى الرغم من وجود الخديوي ووزرائه(...) كان هناك لسوء الحظ، مشاهدون أقل من المتوقع.... بذل حسين فهمي وأحمد رفعت، حاكم الإسكندرية ونائب رئيس الجمعية وآخرون كل ما في وسعهم ليحولوا دون بيع التذاكر، إذ نشروا شائعات أن كل الأماكن قدحجزت، كذلك حرضوا بعض التلاميذ القائمين بأدوار على أن يتغيبوا عشية العرض، على أمل أن يتسببوا في فشل المسرحية، كان هؤلاء الأعضاء في الجمعية الخيرية الإسلامية متورطين في مؤامرة ضد النديم، فقد كانوا أكدوا أن أنشطته في المدرسة كانت مجرد خدعة، حتى يوسع دائرته، وثروته، كان رئيس مجلس الوزراء، رياض باشا، هو الذي حرض على هذا الأمر كله، نجحت المؤامرة، لأن النديم أعلن في صباح اليوم التالي 15 يوليوز استقالته من الجمعية والمدرسة. أشار إلى أن عبء الخسارة المالية الذي تسبب فيه فشل المسرحية لا بد أن تتحمله الجمعية، وهكذا انتهت أنشطة النديم المسرحية في هذه المشادة المريرة، وقدمت جريدته الساخرة " التنكيت والتبكيت " تقريراً عن الأمر كله بالتفصيل[12] لكن حماسة- ع الله النديم- ونضاليته؛ جعلته أن؛يأخذ مطبعته ويتبع جيش عرابي، يحض فرق العسكر المصرية على القتال ضد البريطانيين ، عندما حدث التمرد 1881؛ ولتذهب الخيرية الآسلامية ومدارسها؛ في دهاليز المأمرات؛ وبالتالي نجد الصحف:أنها نشرت أخباراً عن حفلات رقص خيرية، وعن العروض المسرحية والأوبرالية النادر الحدوث بدار الأوبرا، والمسرح الكوميدي، ومسرح الأزبكية، ومسرح زيزينيا، التي قدمتها جاليات أجنبية مختلفة، مثل: الجاليات الفرنسية، والإيطالية، والهنغارية، والمالطية، واليونانية، واليهودية، لجمع أموال لفقراء جالياتهم أو للمدارس والمستشفيات. ومن الواضح أن رؤساء التحرير كانوا يأملون أن يشجعوا قراءهم على حضور هذه الأحداث والإسهام فيها [13] يتبع [email protected] الهوامش/// 1/ أرزة لبنان( العالم الأريب والفاضل الأديب- المرحوم مارون النقاش)المطبعة العمومية بيروت 1869 ص 2تجميع نقولا النقاش 2/ مجلة وادى النيل لعبد الله أبو السعود فى12/4/1869 3/ تاريخ المسرح المصري في القرن 19 لفيليب سادجروف ترجمة أمين العيوطي س1996ص90/91 4/ نفس المصدر ص 227 5/ نفسه ص231 6/ جريدة المرقاب المصري ع 185 في غشت 1880 7/ جريدة مصر18/02/1898/ وجريدة – المقطم- في 8/ جريدة مصرفي 12/02/1902 وجريدة المؤيد في 10/07/1904 9 / جريدة المقطم فى 12/03/1997 10 / جريدة (الأخبار) بتاريخ 13/2/1897 11/ تاريخ المسرح المصري في القرن 19 لفيليب سادجروف ص235 و236 و243 12/ نفسه ص243/244 13/ نفسه ص141 [email protected]