إن الحراك الثوري الذي ينتظم البلاد هذه الأيام نتيجة طبيعية لتراكمات كثيرة من التجاوزات والمفاسد وأحداث وقعت في السطح وأخري في الأعماق مسكوت عنها ولئن شكّل خروج الطلاب الي الشارع حالة من الرغبة الجادة في نفوس الغيورين على إنجاح مشروع الثورة السودانية الهادف للتغيير والتحول الديمقراطي وإسكات صوت الرصاص والمحافظة على سلامة وأمن وإستقرار الوطن ورفع العناء عن كاهل المواطن فإن البعض من من يحسبون على النظام يحاولون توصيف الصراع على أنه مؤامرة ضد البلاد وضد الإسلام وقد نقلت الأخبار معلومات تفيد بأن الحركة الإسلامية تستنفر عضويتها لتكون جاهزة لحماية النظام عبر واجهات رسمية وشبه رسمية ولعمري إن صحّ هذا الخبر فإن الإسلاميين يضعون أنفسهم في حالة يرثي لها ويدخلون أنفسهم في مأزق تاريخي عميق ستكون أثاره ممتدة لأجيال وأجيال وليتذكروا أن الحقبة التي حكمها الخليفة عبد الله التعيشي خليفة المهدي مازالت آثارها باقية في نفوس الكثيرين لما صاحبها من بطش بالأخرين وإقصاءهم عن معترك السياسة والحكم. على أن الصراع في السودان ليس بين حاكم ومعارض ولا بين إسلامي وعلماني كما يحلو للبعض تصويره بذلك وإنما هو صراع بين الحق والباطل ,الحق المتمثل في الثوار وهم السواد الأعظم من بني وطني والباطل المتمثل في النظام , صراع بين مواطن حر شريف يريد أن يحى في وطنه كريم عزيز ولكنه في معية حكم هؤلاء يشعر بالزل والهوان ويشرّد من دياره بفعل الحروب وتفرض عليه الجبايات ولا تقدم له الخدمات الضرورية الا بشق الأنفس صراع بين فئة قليلة حاكمة منعمة كنزت المال والثروات وأمتلكت المزارع والمتاجر والأصول والأرصدة في البنوك وبين غالبية تعيش حياة البؤس والعوز والحرمان وفوق ذلك يضيق عليها في الحريات العامة (حرية الحركة وحرية التعبير وحرية التنظيم) ويكدر لها في معيشتها تري الفساد شاخصا أمامها محميا بأمر السلطان ولا تستطيع أن تنفث بكلمة, غير أنها تري وطنها يضيع ولا تلتمس من فعل هؤلاء (الحاكمون بإسم الإسلام..!) غيرة عليه ولا غيرة على إنسانه ولا غيرة على مستقبله ولا غيرة على حقه في أن يبقي حرا مستقلا موحدا ولا تجد في جعبتهم ما يُطمئن على المستقبل . فقد أفسحوا الطريق للقبلية والجهويات وتعالوا على الناس وعبثوا بالإسلام الذي بإسمه حكموا وهو منهم براء, تناسوا و تنازلوا عن كل المبادئ التي أقرّها الإسلام العدل والحرية والسوية بين الناس ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف ورحمة الصغير وتوقير الكبير وتشبثوا بالسلطة وخلّفوا في الأذهان صورة مشوهة عن الإسلام الذي إليه يدعون فبفضلهم لم تكن صورة الاسلام في بلادنا سوية ومستقيمة فقد برز الإنحراف بصورة تجاوزت حدود الحكم ليصل إلى قداسة الإسلام . واليوم لا أحد يجهل ما وصلت إليه البلاد من التشرزم والضياع فلا ينبغي أن تقف الحركة الإسلامية في وجه الثوار أو إعاقتهم عن طريق الحرية والخلاص من قبضة العسكر بل عليهم الإنضمام إلي صفوف الثوار ومحاولة إنجاح الثورة بأقل الخسائر واليتذكروا أن أقواما من العسكر والمدنيين هم من يحكمون لكن يحكمون بإسمهم فهم منبوذون من قبل أجهزة النظام ومبعدون ومغضوب عليهم ولكن يبقي النظام بينه وبينهم شعرة معاوية و كيكة المصلحة ويوهمهم بأنهم حماة العقيدة والوطن وانهم القلعة التي تتكسر عندها نصال الأعداء والمتأمرين والخونة . فهل تتعامل الحركة الإسلامية مع الأحداث بعقلانية و تستجيب لصوت الضمير الواعي ومصلحة البلاد في ضرورة التغيير واهمية حدوثه الآن و تتحالف مع الثوار وتتفق مع المعارضين على قواسم مشتركة لوطن يسع الجميع أم أنها ستحاول أن تصبح سد منيع لصد الثورة وإفشالها وإفراغها من محتواها ؟ الإسلاميون لا ينكرون أنهم في ورطة وأنهم فشلوا في حكم البلاد ولكن حسابات الربح والخسارة في مفارقة السلطة وعواقب البعد عنها هو ما يخيفهم فستكون هنالك محاسبات صارمة ومحاكمات عادلة وسيأتي كثيرون يطالبون بحقوق سلبت ومظالم حجبت وإنتهاكات أرتكبت لذا يجنحون لمحاولات إصلاحية حتي وإن كانت شكلية لتطيل عمرهم في الحكم وتخفف عنهم ضغوط رياح التغيير لكن هيهات أن يتوقف المد الثوري والنصر قادم ولو بعد حين فعليهم لا يتركوا كل البيض في سلة واحدة ويتعظوا من تحارب الأخرين ولهم في إخوتهم بتونس أسوة حسنة عليهم أن يدركوها ذلك قبل أن ياتيهم الطوفان حينها ستكون فاجعتهم أكبر ومصيبتهم أجلّ وأعظم. كتبت هذا وقد نقل لي أحد الرفاق خبرا مفاده أن الشيخ إبراهيم السنوسي سُئل عن مصير الحزب وعلاقته بالنظام فجمع الشيخ السنوسي بين سبابتيه اليمني واليسري وقال أنا والبشير هكذا..! تزامن هذا مع إستنفارات الحركة الاسلامية لعضويتها فأشفقت من أن يرتكب الإسلاميون خطأ تاريخي آخر بتثبيت نظام يعادي شعبه ولا يمت للإسلام الذي نعرف بصلة هم ليسوا هم الحاكمون الحقيقيون فيه كما أنهم مطالبون بالإنحياز للحق فاليدوروا حيث دار والحق واضح وضوح الشمس في ضحاها أنه مع الثوار الأحرار الذين خرجوا من أجل كرامة وعزة إنسان السودان وإستنكروا قتل الأنفس البريئة وإزهاق الأرواح وضياع التراث. أحمد بطران عبد القادر [email protected]