كثيرون هم الذين يسعون للتوفير والادخار من دخلهم لتأمين أنفسهم وأبنائهم من أي طارئ في المستقبل واتقاء لتقلبات الحياة وضرباتها المفاجئة عملاً بالقاعدة الشهيرة (قرشك الأبيض لليوم الأسود)، وهم محقون في ذلك، وكثيرون أيضا الذين يرفعون شعار (أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) وربما مخطئون في ذلك، وكثيرون أيضاً الذين لا يستطيعون في رحلة ادخار أموالهم أن يضبطوا الأمر، فقد يتعدى حدود التوفير ليدخل حيز التبذير وقد يتعدى حدود الادخار ليدخل في حيز البخل وما بين هذا وذاك بون شاسع. فإن كانت خطة ادخارك تعتمد على تخفيض نفقاتك بالأساس فراجع نفسك فقد تكون إما موفراً أو بخيلاً .. وتأمل الفارق بين الاثنين .. فالموفر يكون حذراً قبل الإقدام على صرف ماله إلى أن يتأكد من صحة قراره، أما البخيل فانه لا يريد أن ينفق من الأساس. فالكرم والبخل صفتان متناقضتان يتصف بالأولى كريم العرب حاتم الطائي ويتصف بالثانية قارون بن يصهر من قوم موسى، الذي قال الله في شأنه: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ...الآية) القصص (76). وقد وروى الجاحظ في كتابه (البخلاء) الكثير من القصص والنوادر للبخلاء تستحق القراءة والاطلاع، كما أن العديد من الكتاب كتبوا عن البخل باعتباره صفة ذميمة لكن يظل الجاحظ أبرز من كتب عن البخلاء والمقترين في كتابه الرائع الذي أماط اللثام فيه عن البخلاء وأظهر دمامة تلك الصفة التي يتبرأ منها الجميع قولاً و يتصف بها العديد فعلاً، وكثيرة هي الأقوال المأثورة التي قيلت في البخل لعل من أبرزها الجملة التي قالها أحدهم:"البخيل يتضور جوعاً في حياته لتنعم أسرته بالثراء بعد مماته " وفي كل الأحوال فإن المطلوب هو الاعتدال والتوسط بين الإسراف والإمساك وإن شئت قل بين التبذير والتقتير. قال عبد العزيز الدميري: اقْتَصِدْ فِي كُلِّ حَالٍ *** وَاجْتَنِبْ شُحًّا وَغُرْمَا لا تَكُنْ حُلْوًا فَتُؤْكَل *** لا وَلا مُرًّا فَتُرْمَى د. محمد آدم عثمان [email protected]