الأسبوع الثالث لانتفاضة الغضب.. كان هذا هو العنوان الأبرز لمجريات الأحداث المصيرية في مصر، فبعد مرور نحو 15 يوما على اندلاع انتفاضة شباب حركة 6 أبريل يوم الثلاثاء 25 يناير الذي وافق عيد الشرطة ما زال المحتجون يسكنون ميدان التحرير، وإن قلت أعدادهم، مصرين على مطلب لا يحيدون عنه هو رحيل النظام. وبغض النظر عن حالة الجدل المثارة بين السلطات الحالية والثائرين حول هذا المطلب تثور عدد من التساؤلات التي تفرض نفسها بعنف في هذا المضمار لعل أبرزها، إلى متى تستمر جذوة هذه الثورة التي تتخذ من أكبر ميادين العاصمة مقرا لها. وإذا سلمنا بفرضية تقديم النظام تضحيات ظلت أكثر من 20 عاما غالية عليه، فإن واقع الأمور يؤكد عدم رضا الشباب المنتفضين عن هذه الجرعة واعتزامهم الاستمرار في التظاهر حتى تلبية طلبهم برحيل الرئيس. وبين تضحيات النظام وطموحات الثائرين فإنه من الواضح أن الحال سيبقى على ما هو عليه لفترة ليست بالقصيرة. الأمر الذي اتضحت معالمه بجلاء في افتراش المعتصمين أكبر ميادين العاصمة وتحويله إلى مسكن شبه دائم لهم لحين تنفيذ مطالبهم. وفي ظل هذا المشهد الفريد من نوعه تثور عدة إشكاليات تواجه المحتجين الذين يصلون ليلهم بنهارهم لعل أولها مصادر المؤن من طعام وشراب وغطاء خصوصا ونحن في فصل الشتاء الذي يكشر عن أنيابه خصوصا في المساء. لذا كان لزاما على المتظاهرين تدبير احتياجاتهم بشكل عملي، فبات من الطبيعي أن نشاهد مئات الأسر تحمل الطعام والشراب والملابس والأغطية لأبنائهم لإعانتهم على مواصلة وقفتهم ومحاولة سد احتياجات البرد والجوع عنهم. وقد جاءت الأمور مواتية لهؤلاء الشباب مع تبقي أيام معدودة من عطلة نصف العام المرشحة للمد بسبب عدة عوامل منها عدم تعيين وزير للتربية والتعليم حتى الآن. إضافة إلى استمرار فرض حظر التجول الذي تقلصت ساعاته أيضا في حين تبقى حالة الفلتان الأمني واستمرار هروب الخطرين على الأمن التحدي الأكبر للأجهزة الأمنية. ولعل أصعب ما يواجه المحتجين داخل ميدان التحرير الحصول على كوب شاي لمواجهة الصداع الذي ينتابهم من كثرة الهتافات. وإذا أردت نصيحة مخلصة فعليك بإخفاء علبة سجائرك إذا حاولت الدخول لصفوف المتظاهرين فهذه بمثابة الاحتياج الأهم للكثير منهم خصوصا مع نفاد الأموال وندرة وجود الباعة الجائلين. وهذا ما دعا الكثير من أصحاب المقاهي لإرسال مندوبيهم بالصواني العملاقة المحملة بالشاي والقهوة لبيعها للشباب الذين يتهافتون عليها بصورة جنونية، ولا يجد كثيرون منهم حرجا في أن يطلب من زميله في الاعتصام بأن يدفع له ثمن كوب الشاي لحين ميسرة. فيما يتولى آخرون بيع السندوتشات والبسكويت والسجائر "الفرط" للمحتجين في صورة تذكرنا بما قرأناه عن سوق "عكاظ". خصوصا عندما يأتي المساء ويتبارى المعتصمون في إبراز مواهبهم سواء الشعرية أو الغنائية أو الفكاهية أو حتى بآداء الحركات البهلوانية في محاولة لقتل الوقت ولتوصيل رسالة مهمة لصانعي القرار مفادها نحن باقون ولسنا متضايقون. لكن شئنا أم أبينا يبقى التحدي الأبرز أمام هؤلاء الطامحين في التغيير هو الذهاب لدورة المياه لقضاء الحاجة. حيث تكون المهمة شاقة خصوصا أمام الفتيات والنساء وكبار السن من الجنسين الانتقال لأقرب نقطة قضاء حاجة والانتظار أمام المساجد والمصالح الحكومية في طوابير بالمئات كل في دوره للتخلص من سموم جسمه. وهذا أكثر ما يخيف المحتشدين الذين لم يرهبهم الرصاص الحي ولا المطاطي ولم يفزعهم سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى. كما لم يثبط عزيمتهم الغازات المسيلة للدموع ولا الخيل والبعير، لكن كله إلا دورة المياه فإذا أغلقتها أمامهم السلطات فإنهم ومن كل بد سينهون اعتصامهم في غضون ساعات معدودة، وربنا يستر.