نعم .. قلّدت الفنان محمد الأمين ! أجمل هدية تلقيتها في حياتي كانت (آلة الأورغ) أجره : مهند الدابي الموسيقى تملأ الفراغ اللانهائي بين أي روحين كما قال طاغور، والصوت هو الآلة الموسيقية الأهم، فعندما يقترن بالأنامل التي تعزف اللحون السرمدية الرنانة، وتراقص الأٌمسيات الحالمة وتضيء النجيمات أحلام المسافات، لتداعب عرائس البحر السُمر وتنادي بعودة الحبيب.. فحتماً هو حيدر بورتسودان، من منا ينسى أغنياته (يا حبيبي المسافات، بينا شايلة محنة التذكار، شايلة الفأل معانا حقيقة أكبر من جفاء الأقدار) رائعة التسعينات المُقدسة .. (أسرني وسباني .. ساحر أسمراني .. خلى ديارنا ودع، وين نلقاهو تاني) أيقونة الفرح في قلوب العاشقين والمسافرين. (يلا أرجع لي تعال .. يا مصابيح الفرح) .. والكثير الكثير من الأغنيات.. للوطن الكبير والمدينة العريقة بورتسودان، للحبيبة وللأزمنة التي انسلت فينا عبقاً يحمل الحنين والوجد.. فعندما يغني حيدر تتلألأ الذكريات وتتداعى لحظات تمثل نوستالجيا معاصرة تمجد معنى أن تكون ساحراً كمغناك، وشاعراً ككلماتك وملحناً أصيلاً بأوتار إلكترونية تمثل حداثة الفكرة وعراقة التجربة و رفاهية الإحساس وقُدسية الأزمنة .. يقودنا حيدر بصوته النورسي العميق وبأنامله التواقه إلى الخلود عبر تكنيك فريد. كان في البدء ظاهرة ليصبح مدرسة مميزة في مسيرة الأغنية السودانية، واستطاع حيدر بموهبته الجبارة أن يكون أول فنان سوداني يعزف ويغني باحتراف صحبة آلته الحبيبة "الأورغ" .. الآلة التي واجهت العديد من الصعاب عند المتلقي السوداني .. ولكنه تمكن من اثبات أن الفن أقوى من الصعاب .. اليوم يفتح لنا حيدر بورتسودان ألبوم ذكرياته ويحكي لنا: ................. تحدثت كثيراً عن علاقتي بآلة الأورغ.. كان شقيقي الأكبر بالمملكة العربية السعودية وكان دائماً ما يشجعني ويشجع موهبتي، فأرسل لي أورغ ماركة JVC وكان ذلك في بداية ثمانينات القرن الماضي. 1982م تقريباً وكنت سعيدا جداً بتلك الهدية وهي أجمل هدية تلقيتها في حياتي.. لا أتزال أتذكر رقم الموديل 700 JVC.. وكانت تلك الهدية بالنسبة لي نقطة تحّول كبيرة وقد لفت الأورغ نظري واهتمامي جداً، في ذلك الوقت لم تكن آلة الأورغ بنفس الإمكانيات والقُدرات الحالية لكنها لفتتني بتتطورها ومرونتها في سبيل خدمة وتقديم عملك الفني، لم تكن برمجة الإيقاعات قد ظهرت آنذاك وكنا نعمل على الإيقاعات المدمجةBuilt IN المُزودة بالأورغ .. لكني كنت أولفها بإيقاعات تشبه ما أقدم مثل إيقاع (Slow Rock)الذي يتماشى مع التُم تُم والرومبا والسامبا ومن ثم تطور الآلة حتى أُتيحت البرمجيات الفرصة لمواءمة ألحانك وتنفيذها .. ومنها كانت البدايات مع آلة الأورغ في بورتسودان وكانت ظاهرة جديدة وغير مألوفه (فنان يعزف ويغني في آن) .. وقد وجدت التأييد في الأسرة والأصدقاء. كان أخوتي يعزفون وهم أسسوا أول فرقة جاز في بورتسودان وكان أسمها "نجوم الشرق" وكانت أول فرقة يظهر فيها الجيتار والدرامز والساكسفون وكانت بدية جديدة على المستمع وتجربة جديدة.. وقد كانت آلات النفخ في السابق مقصورة علي موسيقى البوليس والمارشات العسكرية.. لكنها لم تكن آلة تستخدم للغناء العاطفي أو الحفلات. وقد كان ظهورها الأول في فرقة "جاز نجوم الشرق" التي أسسها شقيقي الأكبر حسين محمد عثمان، وقد نشأت في هذه البيئة، فمنذ صغري وجدت آلة الساكسفون في منزلنا كما الجيتار والدرامز والبيئة ساعدتني بجانب الاستعداد الفطري والموهبة الموجود في الأسرة وجميع أفراد أسرتي لديهم قابلية للتلحين والاستماع والتذوق بميول إبداعية.. ................... بدأت الغناء في بورتسودان في الحفلات العامة والخاصة والمهرجانات وقبلها في المدرسة، كنت أغني في الجمعيات الأدبية وكنت أعزف على آلة العود، كما شاركت في الدورة المدرسية وحصلت على ميداليتين واحدة في العزف على العود والأخري في الغناء وقدمت حينها أغنية محمد الأمين "جيناكم يا حبايبنا" ................... مدرسة باوارث، تلقيت فيها تعليمي الثانوي، اما الابتدائي فكان في الضاحية، ثم واصلت دراستي الجامعية بجمهورية مصر العربية،و في تلك الفترة استفدت جداً من استماعي للموسيقى العربية أيام الدراسة أمثال هاني شاكر ومصطفى قمر وهشام عباس وكانوا يشكلون خطا جديدا ومعاصرا .. وتفاعلت مع فنهم وما يقدمونه بالأضافة إلى استماعي لقدامى الفنانين أمثال عبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم، وقد أثرَتْ هذه التجربة موهبتي جداً.. ................... الآن أصبح الفن صناعة.. مثله مثل الصابون والزيت ! وهنالك شركات تتبنى وتمول الفنانين وتحتكر أعمالهم مثل روتانا وغيرها من شركات ضخمة وذلك يعود لصالح الحركة الفنية في البلاد .. لذلك أصبح الناس ينظرون للفن كوسيلة للترفيه وفي نفس الوقت ك (بيزنس). وعندما يجتمع الأثنان يشجعان الإبداع والتنافس وكله يصب في صالح إثراء الساحة الفنية. ................... المناخ الأدبي في السودان محبط! نعم .. خصوصاً لا تزال نظرة الناس للفن نظرة كلاسيكية ولم يأخذوه بالفكرة الجديدة وكمجال يمكن الاستثمار به، ويعتقد البعض أن الفن ترف اجتماعي ! ................... ليس بالضرورة أن يكون الفنان شاملاً.. شاعرا وملحنا ومغنيا . يمكن أن يكون لديه موهبة واحدة كالتلحين مثلاً أو الغناء. ................... هنالك تجارب سبقتني في الكتابة والتلحين ولستُ أول من غنى كلماته فهناك الفنان عبد الكريم الكابلي الذي يكتب لنفسه ويلحن ويغني وكانت تجربته ناجحة جداً تابعناها عبر بعض الأغنيات مثل "سكر سكر" و "زينة وعاجباني" والكثير من الأغنيات الآخرى التي كنا نرددها. ................... لا يختلف جمهوري الذي يحب الأورغ عن جمهوري الذي يحب غنائي بصحبة الفرقة الموسيقية "الأوركسترا".. لا يوجد اختلاف، وجمهوري يحبني لصوتي. لانه لامسهم وتعايشوا معه ولا يهم بعدئذ أن يستمعوا إليك بمصاحبة أوركسترا أو لا.. ................... نعم تجربتي في البدايات كانت مقترنة بالأورغ، وقد سبقت العديد من الفنانين الذين قدموا أعمالهم بصحبة الأورغ أمثال عادل مسلم وخالد محجوب بفترة قصيرة. وكان الغناء بالأورغ ظاهرة حديثة جداً. ................... بعد ضحكة طويلة يجيب:أنا لستُ نخبوياً ابداً. ولا أصطفي حفلاتي. وأنا غنيت في أماكن لا يمكن لأحد أن يتخيلها، وزرت قرى الجزيرة وأماكن أخرى، كما قدمت أعمالي خارج السودان في عدة محافل فمثلاً قدمت حفلات جميلة في القاهرة وفي أغلب دول الخليج وقدمت جولة غنائية برفقة حنان النيل وفرقة السمندل.. وأول حفل قدمته في الخرطوم كان حفل قاعة الصداقة المشهور في العام 1987م وهو من الحفلات التي لا تُنسى وهو من ضمن الحفلات الخالدة. ................... الإعلام السوداني خاضع للأمزجة الشخصية وبين (أعجبني) و (لم يعجبني) لكن أنا أعتقد بشكل عام أنَّ هناك جانبا من الإعلاميين يعملون بحرفية عالية ولا يخضع عمله للمزاج الشخصي ................... الفنان محمود عبد العزيز له الرحمه .. كان رجلاً فناناً ومبدعاً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ويحمل خامة صوتية جميلة جداً وهو من الذين ظهروا في الساحة الفنية من بعدي بفترة قليلة رغم أنه مارس الغناء مُبكراً لكنه لم يظهر عبر وسائل الإعلام إلا بعد فترة لكن بداياته كانت في أوائل الثمانينات .. وعندما أتيت إلى الخرطوم في العام 1987م جمعتني به علاقة طيبة .. قابلته للمرة الأولى مع بعض الأصدقاء واجتمعنا معاً في عُدة مناسبات قدمنا حفلات مع بعضنا البعض، ومحمود ونادر خضر عليهم الرحمه هما من تغنى في حفل حنتي .. وقد جمعتني مع نادر خضر علاقة صداقة طيبة منذ أيام اقامته في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة.. ................... محمود عبد العزيز غنى أغنياتي مثل "يا فرح" وسمعت بأنه كان يردد في الحفلات في بداياته أغنية "اسرني وسباني ساحر أسمراني" كما كان نادر يردد أغنياتي مثل "عمري ما فكرت يوم" كما ردد ايضاً الفنان صلاح الأمين أغنية يا "يا فرح". ................... غنيت باللهجة البجاوية أغنية "تامجا" وهي لغة أهل الشرق، وحسب انتمائي لشرق السودان فأنا أعرف قليلاً منها، لذا كانت تجربة جديدة علي .. وقدمت ايضاً أغنية بلغة "التغرينجا"الإريترية وهي أيضاً من الأعمال التي أغْنت تجربتي من خلال زيارتي لأسمرا حيث شاركت بتقديم حفل في معرض المنتجات الدولية وسجلت للتلفزيون الإريتري ثلاثة أغنيات فيديو كليب، ووجدت صدى كبير جداً في الإريتريين وجالياتهم في الدول المختلفة.. ................... نعم .. بعض الفنانين الإريتريين تغنوا بأعمالي أمثال الفنان "سامي برهامي" المقيم بالولايات المتحدةالأمريكية .. ................... لدي البوم جاهز منذ فترة طويلة، لكن كما يعلم الجميع عن مشاكل الإنتاج ومشاكل التوزيع.. وإفلاس وإغلاق معظم الشركات التي تعمل في هذه المجال، وأصبح إصدار كاسيت في السوق غير مجد إقتصادياً لذا فالآن أحاول تقديم أعمال لإثبات وجودي في الساحة بغضّ النظر عن المردود المادي، وقد أنتجت هذا الألبوم بتمويل شخصي وتم تسجيل أغنياته وهي الآن مطبوعة في أسطوانة وتتم إذاعة أغنياتي الجديدة عبر المحطات الإذاعية والتلفزيونية .. ................... أجمل الأغنيات التي رددتها وكنت أتمنى أن تكون لي هي أغنية "يا رزينة وصي عينيك الحنينة" ليوسف الموصلي وتغنيها حنان النيل .. وأنا أستمع وأحب الفنان محمد الأمين – دون شك – والكابلي و زيدان وفي بداياتي كنت أقلد الفنان محمد الأمين ومنذ زمن بعيد وأنا معجب به وشاركت في الدورة المدرسية مقلداً له ،وكنت أردد أغنياته في المناسبات العامه والخاصة وناس بورتسودان عارفين بأن حيدر بدايته كانت مع محمد الأمين. ومن ثم يجب عليك بعد ذلك أن تخرج بشخصيتك المستقلة ................... أول أغنياتي التي كتبت كلماتها كانت أغنية "المسافات" ثم "حبيبي تعال" ثم "بي عبيرك يا منانا" وبعض منها تجارب شخصية فمثلاً حبيبي تعال كتبت كلماتها وأنا في الغربة حين كنت مقيما في المملكة العربية السعودية وأغنية "يا وطن ساكن جواي" كانت من الأغنيات التي ساقها إليَّ الحنين .. ................... في الختام .. أوكد وعدي لجمهوري بإطلالة عبر كل الوسائط والحفلات .. وأنا طبعاً زول كسلان جداً حتى صفحاتي على مواقع التواصل الإجتماعي بطيء في تفاعلي معها ..