دونما تدرج، لكن على نحو متوقع تحول الخطاب السياسي الرسمي من الدعوات إلى تنفيذ مخرجات الحوار التي لم تجد طريقها إلى النور، والتي لا تزال الأحزاب المشاركة في الحوار تواصل نعيها لها، تحول الخطاب إلى الدعوة لكتابة دستور دائم، ففي احتفال المؤتمر الوطني بعيد الفطر، قبل أيام، تحدث الرئيس البشير عن طرح حوار واسع حول الدستور، يتم فيه تقديم وثيقة تُدفع إلى البرلمان لإجازتها. مجرد الحديث عن صياغة دستور في هذا التوقيت، الذي بدأت فيه أحزاب كبيرة مشاركة في الحوار الإعلان- رسمياً- عن وفاة الحوار، يبدو حديثاً مثيراً للتساؤلات، بل كأنما يُشير إلى مسألة محددة ظلت مثاراً للجدل. السودان مقبل على مرحلة وضع الدستور الدائم على هدي الوثيقة الوطنية، وبعد التوافق على مخرجات الحوار الوطني شهر يناير المنصرم، متحدثاً ل (الشرق الأوسط) عن رغبته في سماع لقب رئيس سابق، وضرب مثلاً بالرئيس الأسبق النميري، استفاض الرئيس البشير في الحديث عن عدم رغبته في الترشح، وعزز ذلك أن الدستور- أصلاً- حدد دورتين للرئاسة، إذن، الدستور لا يسمح. بعد أيام من ذاك الحوار، أطل الرئيس عبر شاشة قناة العربية، رفقة تركي الدخيل، أعاد البشير نفس الحديث، لكن الفرق بين حواري (الشرق الأوسط) و(العربية) أن البشير في المرة الثانية، اكتفى- فقط- بالقول إن الدستور لا يسمح بأكثر من دورتين، لكنه لم يتحدث عن رغبته شخصياً، ثم ترك الأمر في رقبة مؤسسات الحزب باعتبارها صاحبة القرار. التصريحات المتتالية للبشير أعادت إلى الأذهان ذات التصريحات التي سبقت انتخابات 2015م، والتي نقلتها وسائل إعلام قطرية ومحلية. عقب حديث الرئيس في الإعلام السعودي مطلع العام الحالي أُعيد فتح النقاش حول الملف الأكثر حساسية داخل الحزب الحاكم، وطُرح السؤال الأهم، هل يستطيع الحزب تقديم قيادة جديدة، بل هل تترجل القيادة القديمة، وثار حديث كثيف في مجموعات برنامج التواصل الفوري (واتساب)، وتداولت الوسائط مداخلة للقيادي أمين حسن عمر، الذي عُرف بمجاهرته بالدعوة إلى التجديد، وبدا واضحاً من مرافعة أمين أن هناك تيارا بدأ يعد العدة لتجديد الثقة في القيادة القديمة. الدعوة الجديدة التي طرحها البشير لإعداد دستور البلاد، وفي توقيت مثل هذا، لا تُقرأ إلا في سياق انتخابات 2020م، والسؤال القائم، من هو مرشح الحزب الحاكم.. وتبدو الإشارة واضحة أن الهدف من هذه الدعوة، ليس كتابة الدستور فعلاً إنما بعض التعديلات في مواد الدستور؛ لتتواءم والمرحلة الجديدة. الراجح- ولا شك- أن يبرز تيار عريض من داخل الحزب الحاكم، ومن أحزاب الإسلاميين المختلفة، يدعم ترشيح البشير، مثل ما جرى خلال الانتخابات الماضية، وسوف تستجيب القيادة القديمة، وأمامها من الحجج لهذه الاستجابة ما يكفي. التيار