مازالت بعض العقول العسكرية الجاهلة تخامرها فكرة الانقلابات العسكرية والمزيكا والبيان الاول واحلام قلب نظام الحكم . وان كانت مثل هذه العقليات قد تجاوزها الزمن. الا انها باقية في مؤسستنا العملاقة بسبب تكوينها النفسي الملوث بالسادية . فهذه النوعية من العسكر تجده يستمتع كثيرا حين رؤية الآخرين يقاسون الألم والمعاناة. وليت هؤلاء يعلمون انه في زمان تغير الكثير من المفاهيم و الوعي بين شباب الوطن بدرجة كبيرة. وهذا كله مرده تلك النجاحات الكبري لثورة الربيع العربي التي نقلت الغلبة للشعوب. فهناك تغييرات جذرية في التركيبة الشعبوية للشارع. وهناك متغيرات قد استجدت بعقليات الجماهير . ولم تعد الدول العظمي تدعم الانقلابات كالسابق. فلقد ساعدت التقنية الحديثة في ربط الشارع في ساعات . واصبحت الهواتف النقالة واليوتوب والفايسبوك اسلحة فتاكة تفوق قوة التاتشرات والدوشكا والدبابات . واكتسب هذا الجيل الثوري مهارات عالية في تنظيم المسيرات والتظاهرات والاحتجاجات. فاصبح الواهم هو من يقوم باغتصاب سلطة الشعب واقتلاعها بالمزيكا. ولعلنا جميعا قد شاهدنا كيف ان الكثير من الانقلابات قد باءت بالفشل. وهذه محمدة كبيرة للسودان وقد دمرته هذه آلافة اللعينة. فلقد بدأت سلسلة الانقلاب في السودان بانقلاب الفريق ابراهيم عبود فى مشارف عام 1959 م. وبعد عشرة سنوات من ذلك الانقلاب كان انقلاب المشير جفعر محمد نميرى عام 1969 م. وبعدها و بعشرون عاما قاد المشير عمر البشير انقلابا في عام 1989 م. لتصبح مجموع سنوات حكم العسكر في السودان ومنذ استقلاله عام 1969 خمسون عاما او اكثر. ولعل هذا هو اس بلاء السودان ودماره. فلا يمكن عقلا ان يتطور بلد في ظل حكم شمولي عسكري متخبط. وان كان للعسكر اسهاماتهم الاقتصادية. ففي عهد الرئيس ابراهيم عبود كانت الطفرة الاقتصادية الكبري في تاريخ السودان. فكان إنشاء خزان الروصيرص وخزان خشم القربة ومصانع السكر الجنيد و حلفا ومصنع سكر ملوط. وامتداد مشروع المناقل. ومشاريع الزراعة الآلية . وعدد من مصانع الفاكهة والالبان والبصل وصناعة التعبئة اروما ومصنع نسيج انزار ومد السكة حديد جنوبا حتى واو وغربا حتى نيالا. وادخال قاطرات الديزل بدلا من البخار. وأنشأء الخطوط الجوية السودانية والخطوط البحرية السودانية و بنك السودان. و كهرباء سنار وتلفزيون السودان والمسرح القومي وكبري شمبات. و طريق مدني الخرطوم. كذلك كانت هناك انجازات في عهد نميري تمثلت في طريق بورتسودانالخرطوم وبعض المصانع. كذلك في زمان المخلوع عمر البشير . وان كانت مشاريع الانقاذ لا ترقي لسنوات حكمها الطويل والتي شهدت فسادا غير مسبوق في تاريخ السودان وعزلة دولية قضت علي كل الاخضر واليابس. وقد صدق المحبوب عبد السلام وهو اسلامي حين قال : إن الوجه الأخير لثورة «الإنقاذ الوطني» كان عنوانه «حكم الفرد»، وهو شيء شبيه بما حدث في الاتحاد السوفياتي؛ فقد بدأت «الإنقاذ» وهي ترفع شعار «حكم الشعب»، وانتقلت لحكم الحزب. لتنتهي بحكم الفرد الذي لم يدمر الإسلاميين وحدهم بل دمر السودان كله. وهكذا فشلنا كسودانيين وكنخب سياسية في حكم انفسنا واضعنا كثيرا مستقبل السودان. فكم من انقلاب عسكري كانت وراءه نخب سياسية حزبية تقود دفته بايدلوجيتها . ليظل السودان حائرا في دائرة الحكم وذلك المربع المشؤوم. وان كنا علي ثقة تامة ان تنجح هذه المرحلة. ويخرج السودان من ذلك المربع . وذلك بفضل شبابه الواعد الذي قاد ثورة عظيمة اذهلت كل العالم. وان كانت هناك محاولات مستميتة لسرقة هذه الثورة واعادتها لدائرة الحكم القديمة.