الصاغ صلاح سالم ، أحد أبرز أعضاء تنظيم الضباط الاحرار المصري ، أول مسؤول مصري يسافر الي جنوب السودان في نوفمبر 1952م . كانت الزيارة الثانية لصلاح سالم الي السودان في يناير 1953م رافقه فيها كل من وزير الاوقاف الشيخ حسن الباقوري ، وصلاح هلال ، نائب رئيس تحرير مجلة (آخر ساعة) . التقى الصاغ سالم حينذاك ممثلي الاحزاب السودانية واتفقوا علي توقيع وثيقة تؤيد وجهة نظر المفاوض المصري فيما يتعلق بملف جنوب السودان . أفادت المصادر بأن الصاغ كان يقدم المساعدات والهبات المالية للزعماء السياسيين في السودان ليضمن ولاءهم لمصر ، وبذلك الاسلوب حقق نجاحا لا بأس به ، كان يمهد الطريق فعلا لوحدة النيل لتتحكم مصر وتظل هبة النيل والسودان حديقة خلفية لها. ثم تجري الاحداث بين العام 1952م والعام2022م ، تتكرر زيارة وفد المخابرات المصرية للالتقاء ببعض الاحزاب السودانية ، الهدف المعلن هو حل المشكل السوداني وفك الارتباط بين الاخوة الاعداء ، المعني البعيد هو اعادة السودان بشكل ما الي حيث يصبح حديقة خلفية لدول الخليج ولمصر تحديدا ، فيها يتم الاعتناء بالرجال الاشداء لدفعهم لساحات القتال ، مع تواتر مخرجات دروس الحرب الروسية علي أوكرانيا برزت أهمية امتلاك مخزونات الطاقة ، الحرب هي علوم يجهلها رجال (الدواس) وصفقات تجارية هنا وهناك يدق علي العسكر في السودان فهم تضاريسها وجبالها الشاهقات وسهولها الوعرة. قضية حلايب وسد النهضة تدخل في الخط ، الخريطة المصاحبة لمعاهدة سد النهضة ترسم حلايب أرضا سودانية ، علي المخابرات المصرية تغيير الوضع ، الدفع بمشاكل بين السودان وأثيوبيا بتسهيلات ارترية تبرز قوات التغراى في المعادلة. تتحرك الوفود المصرية بمخابراتها لتسميم الاجواء وتعكير مجرى النيل. رأس الحكم في السودان يحاكي ما هو عليه الحال في مصر، الضباط هنا وهناك يحركون (اخوانية) تجمعهم ، بذكاء يلعبها الجانب المصري مستفيدا من غفلة سودانية ، المخابرات المصرية لا تنظر فقط الي مياه النيل المنسابة الي مصر ، عقل رجال المخابرات المصرية يوظف دروس الحرب الروسية الاوكرانية ، يحاول وضع اليد علي مصادر الطاقة في السودان وكميات المياه المتوفرة لتحقيق أمن غذائي ، لايكفي مصر بل تستخدمه المخابرات المصرية كرافعة مع دول في المحيط وأخرى بعيدة تربطها مصالح مع مصر. لاكثر من سبعين عاما وتتواتر زيارات المخابرات المصرية لبلاد السودان ، تيذل المساعدات والمنح الدراسية والشقق السكنية لضمان ولاء الحاكم العسكري في السودان لمصر. وأيضا للمخابرات المصرية لاءات في حكم السودان ، لا للمدنية ، لا للأحزاب السودانية ، لا للاستقرار في السودان. تستند عقلية المخابرات المصرية في تدجين المشهد السياسي في السودان علي تقاريرمعدة سابقا عن عمق الخلاقات بين المكونات السودانية ، تباينات أشار اليها سابقا الصاغ صلاح سالم في ص163 من مذكراته : (عقدت مئات الاجتماعات مع رجالات الاتحاديين كل فريق علي حدة . فما يمكن أن يقبله نور الدين يرفضه اسماعيل الازهري جملة وتفصيلا ، وما يرضى عنه الازهري يضع الطيب محمد خير أمامه ألف عقدة وعفدة … خضر حمد … وميرغني حمزة … وخضر حمد وهكذا الخ قائمة طويلة) . العقلية العسكرية ترى تعدد وجهات النظروتعدد المدارس في أدب الديمقراطية نوعا من الخلافات تبرر بقاء الحاكم العسكري كما في النموذج المصري منذ 23 يوليو 1952 وبلا سقف زمني ، هو ما تحاول المخابرات المصرية تثبيته نموذجا للحكم في السودان . وتقبلوا أطيب تحياتي.