بينما كان أقرانه يتسلقون الأشجار ويلعبون الدافوري في باحة المنزل، كان هو يفضل تشكيل السيارات من الطين، وعندما ينتهي من تصنيع سيارة تلفت انتباه الكبار والصغار معاً قبل أن يغازلوه بعبارات ظلت عالقة في ذهنه رغم أنه تجاوز تلك المرحلة التي بينت خصوبة خياله عشرين عاماً، كان يعرف أن وقت اللعب قد أزف وعليه أن يتجه لمراجعة واجباته المدرسية. وبينما هو غارق في حل تلك الواجبات وبدون مقدمات يجد نفسه ممسكاً بالقلم لترسم أنامله الصغيرة سيارة على الورق ثم يلونها على حسب شكل السيارة العالقة بذهنه، صحيح إنها سيارة على ورق ولكن الأطفال يلتفون حولها ما إن يعرضها عليهم و(يطير) أنداده من الفرح عندما يهديها إلى أحدهم بل ويفتخر بها، إنه (عصام يحيى فضل) الذي تربى في منطقة النيل الأزرق تلك البقعة التي تحفها الخضرة وتظللها السحب، وترتوي أفكارها بالنيل الذي تداعب أمواجه طموحات أبنائها، فتظهر إبداعاتهم منذ سنوات الطفولة. (1) رغم سماحة المنطقة التي احتضنته إلا أنه هجرها ربما مؤقتاً قاصداً الخرطوم، هجرها بعد أن ترك الدراسة سنين عددا، لظروف لم يفصح هو عنها، لكن لأن ما بداخله شعلة من العطاء تأبى أن تنطفئ برغم الظروف التي مرت به ها هو الآن يقهرها ويجلس خلف مقاعد الدراسة في إصرار شديد لأن يكمل تعليمة ويدخل كلية الهندسة المكنيكية ويكون إضافة حقيقية ليس في السودان فحسب بل في العالم أجمع فهذه أمنيته. (2) (سمحة العافية)، كلمات ذات معانٍ ودلالات عظيمة اختارها عصام يحيى لتكون مكتوبة على (لوري) صنعه والمدهش في الأمر أن هذا اللوري يتحرك (بالريموت كنترول) والملفت أن ذات اللوري مكتوب عليه موديل (2020)، سألت عصام عن سر كتابة هذا التاريخ فقال: (نسبة للطفرة التي يشهدها العالم أتوقع أن تصنع سيارة تسير (بالريموت كنترول) والطريف في الأمر أن اللوري موضوع به حتى (الكوريك). (3) اللوري الذي أثار انتباه من كان داخل صالة التحرير لم يكن هو الوحيد الذي يدل على نجابة صانعه فقد كانت هناك سيارة بوكس وتركتر, أما الطائرة فقد أكمل تصنيع شكلها الخارجي ولم يستطع صناعة الماكينة لإنها تحتاج إلى نقود هو لا يملكها. (4) بقول عصام إن تصنيع اللوري أخذ منه فترة قرابة الشهر لأنه يصنعه من (اسكراتش) زين فئة الخمسين جنيه، وأضاف إن هذه الفئة تساعده في التصنيع وهو لا يجدها بسهولة كما يستخدم في صناعته البوهية "وصباع أمير", أما الطائرة فقد صنعها من الألمونيوم، سألناه عما إذا كان قد شارك بها في أي من المعارض؟ فقال: لا, أردفت سؤالا آخر وهو: هل من أحد قدم لك نصحا أو إرشادا أو دلك على جهة ترعى هذا الاختراع؟ فقال لا أحد غير مدير أكاديمية الصدى الذي دعاه لإتمام دراسته في الأكاديمية. السوداني