نعم يجب على القوى السياسية السودانية ان تتفق أولاً حول عدد من المسائل الخطيرة قبل الشروع في مناقشة أنصبتها من الحقائب الوزارية في الحكومة القومية العريضة القادمة التي ينادي بها الحزب الحاكم ، لقد جرت تحت جسر سنوات حكم الانقاذ مياه كثيرة ماكان لها ان تجري لولا التغييب المتعمد لقوى الشعب الحية وإقصاءها عن السلطة ولذلك تضخم سرطان الفساد واصاب موارد وكنوز البلاد في مقتل وتسبب في إفقار قطاعات واسعة من الشعب السوداني حينما اصبح المال دولة بين الأثرياء الجدد الذين يتغذون بحبل سري من خزانة الدولة . وتشعب الفساد ليطال الكثير من اصول الدولة السودانية وممتلكاتها لترث الشركات الخاصة عبر سياسة الخصصة مؤسسات حيوية كانت تدر للخزانة العامة دخلاً قومياً بالمليارات , نعم يجب ان نتفق حول أحسن السبل لإسترداد اموال الشعب قبل الشروع في نهب المزيد منها بحجة تكوين حكومة قومية عريضة ، يجب استرداد مؤسسات الدولة التي بيعت عبر الخصخصة الغير راشدة ومحاكمة المتورطين في هذه الجريمة البشعة ضد ممتلكات الشعب السوداني . يجب علينا ان نكشف عن وجه الفساد المستتر خلف الإجراءات الرسمية فيما يتعلق بالأراضي والمساحات المباعة او تلك المحجوزة تمهيداً لبيعها من قبل سماسرة الاراضي كخطوة اولى نحو طمس معالم اكبر جريمة يتعرض لها تراب الوطن ، لقد رأينا كثيراً من المشكلات التي نجمت عن التصرف الإجرامي في الاراضي بما أفضى الى ظهور مليارديرات جدد ماكانوا يعرفون من قبل هم ولا آباؤهم بيوت الطوب الأحمر عوضاً عن غابات الاسمنت والفلل والقصور والمزارع الخاصة في أطراف ولاية الخرطوم التي اصبحوا يمتلكونها هم وأزواجهم وأقرباؤهم ، إن المدخل الى صناعة التغيير الحقيقي للوجه السياسي البائس في السودان لا يمر عبر جادة القوى السياسية التي تريد الهرولة للمشاركة في حكومة قومية عريضة وجبر فترة الإقصاء الإجباري لها عن السلطة بالتفاوض حول عدد ونوع الحقائب الوزارية التي يمكن ان تفوز بها في التشكيلة الجديدة ..إن التغيير يبدأ بإعلان الحرب على الفساد وكشف المتورطين فيه ومحاصرة المليارات قبل ان يطور البعض افكاراً جديدة لتسريبها خصوصاً مع ازدياد الوعي العالمي بخطورة المشاركة في نهب ثروات الشعوب وقد قرأنا جميعاً بالأمس كيف ساهمت سويسرا في تجميد اصول وحسابات الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك واعوانه من كبار قادة الحزب الحاكم . نعم لم يعد بالإمكان الفرار بأموال الشعوب ومن الأفضل إرجاعها كاملة الى خزانة الدولة فالمجتمع الدولي أضحى شغوفاً بالمطاردة وظل يتابع الصحوات الشعوبية التي ضربت شمال افريقيا في الاسابيع الماضية وهو يشجع التغيير والهبات ويوفر الدعم المعنوي والإعلامي للشعوب المضطهدة ، فإذا تبين للجميع ذلك وجب عليهم الرجوع والندم ورد الحق الى اهله قبل ان تهب الجماهير فيتحول الأمر الى إنتقام من شعب طال تجويعه وهو ينظر الى جلاديه ويعرفهم بسيمائهم ، نعم لم ينفع حسني مبارك إقصاء إبنه جمال من الحياة السياسية ووراثة ما لا يملك ولم تجدِ محاولة تجميل وجه النظام بتعيين عمر سليمان نائباً له ، لم يجد كل ذلك نفعاً لأنه جاء في الزمن الضائع .