بدأ الحديث في مائدة رمضانية لمسؤول كبير بها ما لذ وطاب والسكر تدفق ولم يسجل «غياب».. ولم ألحق بصلاتهم حتى أدركت الركعة الثالثة.. ولولا نظرات «الكيزان» لاستمرت يدي تصول وتجول حتى العشاء... وبعد «العشاء» ما في اختشى!؟... قالوا قولاً حسناً: الصحافة أصبحت صدى للمتعلمين والنخبة والسياسيين الباحثين عن موطئ قدم بعد الانفصال أخذت السياسة كل المواد بلغة ادت الى تمزيق البلاد.. وأصبحت العناوين البارزة كل صباح تنذر وتهدد وتبث الخوف حتى يتحسس المواطن ما تبقي له من وطن!! وغاب الشعب عن صفحات الصحف وكأنه غير معني يوماً بانه الفيصل في اختيار حكمه وحاكمه ولمع الذين يحتكمون لغيره واصبح نسيا منسيا.. الخطاب الاعلامي اصبح يقوده أناس ظنوا أنهم منتخبون من الشعب يتحدثون باسمه وبعضهم شياطين يتحدثون باسم الرب. قلت لهم بعد ان بلغ بي «الشبع» وبالغت في حصاري لمائدة الرحمن: لم تكن الصحافة يوما ولا يجب ان تكون فرعاً في جمعية ماسونية تحيط نفسها بالسرية والغموض، لان ذلك مناف لطبيعتها على طول الخط.. واذا كانت الصحافة بشكل عام لا تمل من مطالبة الحكومات والمؤسسات والمسؤولين بالشفافية والوضوح، فانها مطالبة هي الاخرى بذلك امام القارئ. هناك حاجة حقيقية لان يعرف القراء قواعد اللعبة الصحفية.. اي معايير الصحافة واسلوبها وبنيتها وحالة الصحفيين انفسهم النفسية والمالية.. هناك ضرورة مؤكدة تستدعي تعامل الصحفيين مع الحقائق وليس المشاعر والاهواء، فلا يجب على الصحفي ان يصدق كل شيء، بل عليه ان يبحث عن الحقائق، وعليه ان يكون مستقلاً بقدر ما يتحمل.. فالصحفي بشكل عام ليس مجاهداً وباستثناء الصحافة التي نذرت نفسها للدفاع عن قضية معينة والترويج لها، فان المطلوب من الصحفي ان يعرف كل الحقائق دون ان يخفي شيئاً.. الصحفيون مصلحون وليس ثواراً.. قال احدهم هكذا واستطرد: هل يستطيع الصحفيون التجرد من انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية وحل مشاكلهم الحياتية وهل يتعاملون معنا بنفس الشفافية التي يطالبون بها؟ لا اعتقد ذلك فهناك قصص قاسية يكتبونها ولا يملكون الاثبات.. وهناك اخبار يلفقونها ويدركون بعدها عن الحقيقة.. فهل هذا اعدل في حق الذين خارج اللعبة الصحفية ويدفعون «جنيه سوداني فقط» ليبرؤا ذمتهم في قراءة الصحف؟ وكيف يحرص اي قارئ على صحيفة معينة اذا اكتشف انها يوما كذبت عليه؟ الصحافيون يقولون الحقيقة لن تتوقف وهي اقرب من نبض القلب الى المواد.. ويجب ان يكون الصحفي صادقا طوال حياته.. وان كذبت مصادره.. وان فشل في نقل الحقيقة مرة فامامه مرات وممرات للوصول اليها.. ولا مفر من الحقيقة الا اليها.. من يحاسب الصحفي اذا كتب كلاما غير الحقيقة؟ ولا سبيل لحل القضايا الا بالتحدث عنها.. انني كصحفي لا احتمل الترويع ولست امارس مهنة محرمة او ممقوتة.. فهل تصادر المنابر لان خطيباً اساء استعمال المنبر؟ وهل تعطل المدارس لان مدرساً ارتكب جرماً يحرمه القانون؟ وهل تغلق المساجد لان مؤذناً نادى بغير الصلاة؟.. كانت الرقابة الامنية تسهر معنا حتى الصباح وتتابع وتنزع وتساعد في قول الحقيقة او حجبها.. انهم صحفيون غير مرئيين وما بين الصحفي والامن خيط رفيع يمكن ان يقطع للاحلال والابدال وخير الامني من كان صحفيا.. وخير الصحفي من كان امنيا وكلها جمع معلومات «وشمارات» ومعلوماتنا يقرأها الامن ومعنا قبل القارئ ومعلوماتهم «حمده في بطنه» والله غالب.. الآن مضت الرقابة القبلية في حال سبيلها وتقطعت بالصحفيين السبل يتخبطون في المس المعلوماتي.. اصبح كل صحفي له مصدر او مصدرين وبالاستمرار في الاتصال يتحول المصدر الى صديق وبعد ذلك تصبح الاستعانة بالصديق مستمرة والسؤال التقليدي «ايه عندكم الليلة»؟ وفي الليلة ديك يصبح الصبح بنفس المصادر والاسماء ولا يكاد يخلو اسم المصدر من التصريحات يومياً حتى يمل القارئ من المصادر المفروضة عليه والمستشارون الذين يعينوا انفسهم مصادر بغير ان يستشيرهم احد.. ناس «ربيع» في زمن الربيع العربي.. الكسل الصحفي وعدم الرغبة في التجديد فرضت اسماء لها ايقاع يومياً ولان المصدر معينه قد نضب «وجرابه خاوي» تصبح تصريحاته «تافهة تارة» ونافخة» تارة اخرى ويظل الصحفيون ومصادرهم الحصرية يدورون في فلك واحد و«الشبكة الحقيقية للمعلومات مغلقة الدوائر عليهم» واصبح الامن ينوم ليقرأ صحافة الخرطوم ويمد لسانه للناقل والمنقول عنه فكل الطرق تؤدي الى «اس ام سي» التي جاورت «سونا» المجنونة.. ويظل ابو هريرة الصحافة هو الراوي الوحيد.. ويصبح الساكت عن الحق شيطان اخرس.. وبعضهم شهادتهم للشيطان ويدعمون شياطين يتحدثون باسم الرب والله في عون القارئ والمحلل السياسي وطلبة العلوم السياسية. ساق الفراغ المعلوماتي الصحفيون ان يتراشقوا بعضهم البعض حتى وصفهم صاحب «حديث المدينة» بالزبالين وجاء الرد الفوري من صحيفة حسين خوجلي حفظ الله «سمنته» وقال له يا صاحب السمينة لعلك شبعت وانتابتك صحوة ضمير فقد شفى غليلي هذا الرد لكبير الزبالين الذين عم «حديث مدينتهم» القرى والحضر بما فيها «الخليلة».. هندسة الكمبيوتر يا حليلة..؟ نعم هناك زبالون ولكن في انتظار «الخريف» في صف طويل مع الوالي والمعتمد الذي تحاصر مياه الامطار منزله في المقرن «رصينا الطوب يا ود البرير باقي البساط الاحمر والحرير». زبالون لكل منهم «عمود» مرات يؤجره من «الباطن» ومرة «للمواطن».. مرة للتهديد.. ومرة للوعيد.. مرة لاستعراض ماضيه عندما كان حارساً لبوابة التلفاز ويريد العودة ل «القصر» بالابتزاز. الصحافة اصبحت صدى لاصحاب الحاجات وصلة وصل بين المسؤول وسائله والمتقرب له زلفى.. وكما قال رجل التلفزيون محمد محمد خير عندما تم تعيينه «ملحق اعلامي»: لقد سعيت لها سعي الحجيج بين الصفاء والمروة.. نعم انها شفافية محمد محمد خير المعهودة وكملنا عهوده.. لكن الذين جاءوا على ظهور امهاتهم يرون ان الوظيفة تسعى اليهم ولا يسعون اليها. الصحافة تحترق كلماتها يومياً ولذلك ادعو ان يمارس الصحفيون عادة «حرق الورق» بدلا من «حرق البخور» فليحرق الصحفيون كل الورق والمقالات وكل الصحف بعد صدورها ويلقوا برمادها المتطاير على الارض.. فقد تلتصق ذرة رماد ظالم فترفع الظلم عن الشعب والوطن. أخيراً تذكرت ذلك العمدة الجبروت في القرية الصغيرة الذي تولى «العمودية» خلفاً لابيه وفي اول يوم قال للناس «صلوا على الله» حين نبهوه ان الناس تصلي على النبي قال: «كل يصلي على قدره فهل تساووني بكم يا كلاب؟». في هذا الزمن الظالم الذي مات فيه العظماء والمبدعون وقتل الانبياء فما بالنا ان متنا نحن؟ قبل ان تشرق علينا صحيفة في صبح لئيم.. واعرف كثيرين صائمون من الصحف صيام صائم ديمة.. توقفت عند صفات حالت دموعي عن رؤية مدادها في زمن خلصت المساجد مآذنها المزيفة وتحولت الى معاقل للقهر والتعذيب والوعيد والاذى.. رغم صلاتنا الطويلة وتلاوتنا القرآن وحفظ الاوردة.. لكن القلوب ظلت كالحجارة او اشد قساوة.. عفواً لقد بعت الماء في حارة السقايين ويا صحفيون لا تردوا على صحفي قوم ذل.. فانا بيتي مثلكم من زجاج. ورمضان كريم والحقيقة أكرم.