كيَّة أولى شكا الاهالى من أن فيل السلطان قد اكل المزروعات فارسلوا من يشكو الى السلطان خراب الفيل، فخاف المندوب غضبة السلطان، وقال ان فيله يشعر بالوحدة، فأمر السلطان بارسال فيل آخر. حملت الأنباء آخر الاسبوع الماضى أنباءً عن لقاء وزير المالية والاقتصاد الوطنى مع اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطنى لاطلاعها وتنويرها بمستجدات الاوضاع الاقتصادية للبلاد فى ظل الظروف الحالية التى تمر بها. وقد خرج اللقاء بخبر مفاده ان الوزارة بصدد الدفع بتعديلات على الموازنة العامة للدولة التى أجازها المجلس الوطنى اواخر العام الماضى.. وعلى الرغم من انه لم يكشف النقاب عن هذه التعديلات، إلا أن الوزير تحدث عن حزمة من التدابير سيتم إنفاذها، وسياسات لتقليل المسافة بين سعر الصرف الرسمي والموازي، بجانب إجراءات متعلقة بالصادرات والواردات وترشيد الصرف، مبيناً أن التضخم سببه الأساسي تضخم مستورد تجري الإجراءات لمعالجته، مشيرا إلى توجيه العملات الصعبة للسلع الأساسية من الدقيق والأدوية وزيت الطعام والسكر. ويأتي الحديث عن تعديلات على الموازنة فى ظل ظروف اقتصادية بالغة الدقة عقب خروج عائدات النفط من إيرادات الدولة، حيث كانت تشكل أكثر من اربعين بالمئة من الايرادات، وفاقمت الازمة الاقتصادية الأزمة السياسية المتمثلة فى التصعيد العسكرى مع دولة جنوب السودان، وتهديد الأخيرة باستهداف حقول الشمال المنتجة بمهاجمتها لمنطقة هجليج، اضافة إلى التهديدات بمناطق التماس الاخرى. وقد فاقم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية أن معدل التضخم الشهرى قد اخترق حاجز العشرين بالمئة، حيث قفزت معدلات التضخم لشهر مارس الماضي إلى «22.4»% مقارنة بشهر فبراير الذي سجل نسبة «21.3»%، حيث شهدت غالبية المجموعات التى يقاس بها المعدل العام للتضخم ارتفاعا.. كذلك تعالى الحديث عن ضرورة معالجة أجور العاملين بالدولة بعد ان اضحت المرتبات غير قادرة على الايفاء بمتطلبات الحياة، ووجد اتحاد عمال السودان نفسه مضطرا تحت ضغوط قواعده الى طلب مقابلة رئيس الجمهورية فى لقاء شهير أكد لهم فيه رئيس الجمهورية أن زيادة الاجور مرتبطة برفع الدعم الكامل عن السلع. ووجدت المطالبات دعما من المجلس الاعلى للاجور الذى قال المسؤول الاول فيه د. سوار الذهب احمد عيسى بضرورة رفع الحد الادنى للاجور، وكان قد قال فى وقت سابق من اواخر العام الماضى إن الاجور تكفى فقط نسبة 14% من متطلبات الحياة. وبدا عجز وزارة المالية عن زيادة الاجور واضحاً، فبالرغم من الاعلان عن زيادة الحد الادنى من الاجور لمعاشيى الخدمة المدنية ليصبح فى حدود 250 جنيهاً، جاءت الزيادة مخيبة للآمال، اذ لم تتجاوز العشرة جنيهات، مما عمق الشعور بالاستياء لدى المعاشيين. وفى ظل هذه الظروف يبدو جليا للناظر لاوضاع البلاد، أن البرنامج الاقتصادى الثلاثى الاسعافى الممتد من العام الحالى وحتى عام 2014 فى حالة من الخجل لتفاقم الاوضاع خلال العام الاول بما يشير الى انها قد لا تتحسن فى العامين االثانى والثالث.. وهو البرنامج الذى وصفه رئيس كتلة نواب المؤتمر الوطنى بالمبرلمان د. غازى صلاح الدين بأنه «ألغاز»، فى اشارة واضحة الى ان البرنامج لم يحدد حلولا واقعية، وساندته فى ذلك تصريحات مماثلة للمبعوث الصينى للسودان الذى قال ايضا ان الحلول المقدمة من الحكومة لمعالجة الاوضاع الاقتصادية تصلح للمدى الطويل وليس للمدى القصير، فاصلاح شأن القطاعين الزراعى والصناعى لا يتم بين يوم وليلة، ولكن يحتاج الى فترة زمنية واجراءات اقتصادية ومالية، اهمها على الاطلاق توفير التمويلات متوسطة وطويلة الاجل من المصارف وبتوجيه من البنك المركزي. إذن يبقى السؤال الكبير الذى يحتاج الى اجابة هو: ما هى الخيارات المتاحة امام وزارة المالية لمعالجة ما يستجد من صعوبات امام الموازنة فتعمد لتعديلها؟ ولعل ما استجد أخيراً هو عودة الوجه القبيح للحرب بين دولتى السودان فى هجليج وجنوب كردفان والنيل الازرق، وتهدد دولة الجنوب بضم منطقة أبيى الى قائمة العمليات العسكرية، وما هو معلوم بداهة أن أية حرب تحتاج للصرف عليها لتوفير السلاح والتعيينات واهمها الوقود، فمن أين يتسنى للمالية توفير التمويل اللازم لذلك؟ الاجابة على هذا السؤال تعيدنا الى الجدل الذى لازم اجازة موازنة الدولة، حيث طرح وزير المالية مقترحاً برفع الدعم الكامل عن المحروقات الذى يكلف الدولة مبلغاً يقترب من ستة مليارات جنيه ورفضه نواب البرلمان بشدة اول الامر، ولكن مع اتضاح الرؤية وافقوا على رفع تدريجى للدعم، وهو مقترح غريب القصد منه الامتصاص التدريجى لآثار الغضب الشعبى على القرار، ودون معالجة لارتفاع الاسعار الملازم لهذه الخطوة.. إذن سيتقدم علي محمود وزير المالية بهذا المقترح لاجازته فى المجلس الوطني، خاصة اذا علمنا ان احد البدائل المطروحة لعائدات البترول وهو التوسع فى التنقيب عن الذهب لم يحقق المطلوب، فالبرغم من تأكيدات الوزير بأن التنقيب عن الذهب وصل لى اثنى عشر طناً منذ مطلع العام الحالى، الا ان ذلك لم ينعكس على اسعار سعر الصرف الذى اخترق حاجز الستة جنيهات للدولار فى اتجاه تصاعدى، اما الحديث عن خفض الانفاق الحكومى وضوابط الاستيراد والتصدير فيأتى من باب اتباع المعالجات التى نصت عليها المؤسسات الدولية، ولكنها فى حالة دولة نامية كالسودان قد لا تكون قابلة للتطبيق، خاصة مع تورم حكومة القاعدة العريضة وضعف الصادرات وعدم توفر الدولار للاستيراد أصلاً، ناهيك عن تخفيض الاستيراد.. والسؤال الثانى الذى يحتاج الى اجابة هو: ما هى المقترحات الاخرى التى تحملها جعبة وزارة المالية لمقابلة المرحلة الراهنة ؟ ولعل المتابع لمسيرة الوزارة يلحظ لديها استسهال الحلول التى عادة ما تكون محفوظة، وقد قال رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطنى الزبير أحمد حسن عندما كان يتقلد أمانة الاقتصاد بالمؤتمر الوطنى قبل عام عندما سئل عن معالجات الاوضاع، قال إنه سيتم فرض ضرائب انتقائية على قطاعات بعينها، وقد صدق الرجل، فرفعت ضريبة القيمة المضافة على قطاع الاتصالات من عشرين بالمئة الى ثلاثين بالمئة، وعليه ربما تطرح الوزارة رفع ضريبة القيمة المضافة على قطاعات اخرى أو تعديل نسبتها أسوة ببعض الدول الأوروبية مع اختلاف الاوضاع بيننا وبينهم. لعل الشيء المؤسف فى هذه المعالجات أنها ستذهب لتمويل الحرب فى وقت كان يجب أن توجه لتمويل تنمية القطاعات المنتجة، وبالعدم دعم الأجور التى لم تتم زيادتها بعد مئة جنيه السيد رئيس الجمهورية. كيَّة أخيرة: أمين أمانة الاقتصاد بالمؤتمر الوطنى محافظ بنك السودان السابق د. صابر محمد الحسن، تحدث قبل اكثر من عام عن هذه المرحلة، وطالب بالتعامل مع المسألة بكامل الشفافية وتنوير المواطنين عن المرحلة بكافة تداعياتها.. وتحدث المسؤولون الحكوميون عن المرحلة وقالوا لا توجد مشكلات، ولكنهم لم يتمتعوا بالشفافية اللازمة ليقولوا للمواطنين إنه «إلى أن ينصلح الحال وما معروف متى.. أكلوا من سنامكم.. والماعندو سنام يتكل على رب الأنام».