بعد الطفرة الكبيرة في مجال تكنولوجيا المعلومات اتجه العالم الى الاستفادة من التقنيات المتاحة واعتمادها منهجا متطورا للمعاملات، وذلك من خلال استبدال جميع المعاملات الحكومية الورقية إلى معاملات تتم عبر شبكة الإنترنت يستطيع فيها الشخص عبر الحاسب الآلي المخدوم بشبكة معلوماتية الدخول إلى موقع الجهة الحكومية التي يقصدها والاستفادة من المعلومات الموجودة فيها، وإجراء عملية تقديم المعاملة التي يحتاجها بما اصطلح عليه بمفهوم «الحكومة الالكترونية». صفوف تحت أشعة الشمس في كل منافذ الخدمة داخل المؤسسات المختلفة، فالمواطن السوداني لم يحظ بعد بأن يجد ما يريده من الخدمات العامة عبر جواله الخاص او حاسوبه الشخصي، ولطالما طرقت مسامعه بأن هنالك ما يعرف بالحكومة الالكترونية التي ستذهب عنه رهق الوقف والذهاب والعودة الى الوقوف أمام النوافذ، وستوفر عليه جزءاً كبيراً من وقته، ولكن اين هي؟ فهو لم يلمسها بعد ومازال يعاني الدوران وسط المؤسسات، ولكي تضح الصورة امام الجميع توجهنا الى مركز المعلومات لنقف على صحة ما ورد عن اسناد المشروع لمؤسسات لم تمض في الامر كما يجب ان يكون، وكيف اختيرت وهل كانت هنالك تجاوزات لتمنح هذه المؤسسات من دون غيرها هذا المشروع؟ واين الحكومة الالكترونية من المواطنين هل هي قريبة ام انها مازالت تحبو؟ وكادت ان تتوه خطانا داخل برج الاتصالات الذي احكمت أقفاله، ولا يستطيع احد الحركة فيه دون بطاقة، ويصعب التنقل من طابق الى آخر، وأخيراً تمكنا من الصعود الى الطابق الثالث حيث مكتب المدير العام لمركز المعلومات، المهندس مبارك محمد أحمد، ولحظة دخولنا هناك كان الهدوء يسود المكان، وبالفعل بدأ حوارنا حول الحكومة الالكترونية التي ينتظرها المواطن ليغادر نقطة الصفوف والبقاء أياماً داخل أروقة المؤسسة للحصول على ما يريد، وبدأنا نسأله بكل وضوح عن تأخر التنفيذ والشركات المنفذة، وهل كانت هنالك تجاوزات في إسناد تنفيذ بعض مراحل الحكومة الالكترونية؟ فاجاب على كل تساؤلاتنا. وبدأ بتوضيح الجوانب غير الواضحة لدى الكثيرين قائلاً: عندما نتحدث عن الحكومة الالكترونية، نتحدث عن عدد من المستويات، ولا بد من ان ينشر الاشخاص معلوماتهم على الانترنت، أي ان تكون لديهم مواقع. واضاف انه قبل ثلاثة اعوام من الآن لم يكن للولايات وجود على الانترنت الا ثلاث ولايات فقط، والآن كلها موجودة على الانترنت، ولكن هنالك ضعف في الوحدات الحكومية والولايات عند النزول لمستوى المحليات، ومن ثم اتاحة الفرصة للتواصل مع الجمهور، وفتح نوافذ ومرحلة ثالثة وهي البداية في التفاعل بينه وبين المستخدم، والاهم من ذلك ان يطلب المواطن خدمة تشارك فيها عدد من الجهات والوحدت، وقد يكون بعضها غير حكومي. وعندما قلنا له إن الحكومة الالكترونية هي ابعد ما يكون عن المواطن وهي غير ملموسة لديه الآن، ومازال المواطن يقف في الصفوف للحصول على تأشيرة خروج او استخراج وثيقة سفر، وايضا الكهرباء ودفع فواتير المياه والقائمة تطول، قال إن الحكومة الالكترونية هي واقع ملموس، وتمضي وفقاً لتدريج معين، ليقف الأمر عند مرحلة التجويد والتطوير، والخدمات مقسمة الى ثلاثة محاور أساسية، خدمة حكومة لحكومة، وخدمة حكومة لرجال الاعمال، وخدمة حكومة لمواطن. وحين قلنا له إن الحكومة الالكترونية هي الآن محض تاريخ، فالعالم والوطن العربي يتجهان الآن الى حكومة الموبايل، اجابني قائلاً: نحن نريد ان نقفز الى حكومة الموبايل مباشرة، ومن يعجز عن تقديم الخدمة عن طريق الموبايل اعتقد انه الفشل بعينه، والآن هنالك «25» مليون مشترك لدى شركات الاتصالات، وهذا رقم مقدر من المواطنين السودانيين ويعتبر قاعدة متينة. ونحن نتناقش حول الجهل الالكتروني المنتشر في السودان، قلنا له كيف تتعاملون مع الكم الهائل في الارياف وهم بعيدون الى حد ما؟ فاجاب بسرعة قائلاً: ليس هنالك حكومة الكترونية من دون تعريف المواطن الكترونيا، والآن لا يوجد شخص لا يملك هاتفاً جوالاً، فالبنية التحتية للاتصالات قوية جداً، وقد بدأ العمل بالفعل من الرقم الوطني، وكان النجاح في التطبيق عالياً، وفي ولاية الخرطوم وضحت ملامحه تماماً، وفي الولايات نحتاج لمزيد من التركيز، فعمل الاجراء من نافذة الكترونية يوفر حوالى25 إلى 35% من الزمن. وعلى الرغم مما ذكره المدير العام لمركز المعلومات إلا أن الحكومة تمضي ببطء شديد في طريقها الى المواطن، وربما يرجع ذلك إلى الشركات التي تنفذ المشروع او الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن الحكومة الالكترونية، وكانت الاجابة على هذه التساؤلات التي طرحناها مباشرة على مدير عام المركز، أن قال لنا إن آثار الحصار العالمي على الحكومة الالكترونية كبيرة جداً، وكان يمكننا تجاوز كل ذلك بنظم عالمية، ولكن نحن محرومون منها، ليعود ويقرُّ بعد ذلك بالتأخير، ونفى أن يكون هنالك بطء في التنفيذ من قبل الجهات ذات الصلة بالمشروع. ويدخلنا ذلك في الحديث عن الطريقة التي تم بها اختيار الشركات التي تسهم في تنفيذ أجزاء من الحكومة الالكترونية إن كان ذلك عبر عطاءات أو أسند لها الامر بشكل مباشر. وكانت مواقع الكترونية قد اشارت الي هذه العطاءات وذكرت ان تنفيذ مشروع الحكومة الالكترونية قد قفز من 8000 مليون دولار الي 979.048.990 مليون دولار . ونشرت صحيفة «ألوان» بتاريخ 23 أغسطس 2007م خبر توقيع مذكرة اتفاق بين المركز القومي للمعلومات بمجلس الوزراء وشركة هواوي للتدريب على الحكومة الالكترونية. وكان رد المدير العام بأن كل ما يستحق العطاء تم طرحه ، وأعلن ذلك في الصحف، ولكن هنالك اشياء صغيرة لا تستحق ان تطرح في عطاءات، واضاف قائلاً: ليس هنالك مشروع اسمه الحكومة الالكترونية انما هي مكونات صغيرة، وعن هذه الوثائق التي أوردتها بعض المواقع الالكترونية قال لنا: ما القضية او المشكلة التي طرحتها، وفي الآخر كل هذه الشركات تقدمت لتنفذ المشروع عن طريق عطاات، وهناك منح تأتي من دول بعينها وتمر بجهات عديدة، وقبل ذلك قال لنا إن المستندات المنشورة تعود لعام 2006م، وهو استلم العمل في 2008م، ولست الجهة التي تثبت او تنفي صحة هذه المستندات. وقبل أن نغادر مكتبه المطل على النيل، قطع المهندس مبارك بأن هناك خدمات على بعد اسابيع فقط من المواطنين، والآن تمت تغطية قطاعات الكترونيا بينها التعليم، الاقتصاد والمال والثروة الحيوانية ومؤسسات أخرى، والآن يتم التجريب في اربع ولايات هي: الجزيرة، شمال كردفان، نهر النيل والنيل الابيض، وتبقى مشكلة الدفع الكتروني قيد البحث لحين ايجاد الحل. ودخلنا الي مركز البيانات المركزي ، وهناك اخبرنا المهندسون الموجودون داخله انهم يستضيفون عدداً كبيراً من المؤسسات ويقومون بتخزين بيناتها بسعات مختلفة وفقاً لتقدير مركز المعلومات . ويقول الخبير الالكتروني المهندس محمد عمر، إن السودان احوج ما يكون للحكومة الالكترونية على الرغم من أن العالم تجاوزها وانتقل الى حكومة الموبايل وهي أكثر تقدماً من الحكومة الالكترونية ولكن جزءاً كبيراً من البيانات تعتمد على الحكومة الالكترونية، وهي مرحلة لا بد من المرور بها، وتأخرها لا يحسب على المواطنين، وآن الأوان لنتقدم الصفوف في الوطن العربي، فهو الآن يتقدم علينا في هذه النواحي.