جاء السودان ضمن عشر دول صنفت كأسوأ الأماكن للأمهات في العالم في التقرير الصادر عن منظمة «أنقذوا الأطفال» ، والذي يرتب أفضل وأسوأ الأماكن للأمهات حول العالم ،وصنف التقرير الذي يحتوى على نتائج مؤشر سنوي خاص بتنمية الامهات وتنشئة الاطفال ،والصادر الشهر الماضي النرويج واستراليا وايسلندا والسويد كافضل الاماكن رفاهية للنساء والاطفال بينما تزيلت القائمة كلاً من افغانستان وارتريا وغينيا الاستوائية واليمن والكونغوالديمقراطية واليمن ومالي والسودان . . ويبحث المؤشر السنوي في رفاهية النساء والأطفال في 160 دولة ويتضمن التعليم والفرص الاقتصادية والرعاية الصحية وألقت قائمة عام 2010 التي ضمت 43 من الدول المتقدمة و117 من دول العالم النامي الضوء على حقيقة ان نحو 350 ألف امرأة يمتن خلال الحمل أو الولادة كل عام وأن تسعة ملايين طفل تقريباً يموتون قبل بلوغهم سن الخامسة. وقالت منظمة «أنقذوا الأطفال» الأوضاع بالنسبة للأمهات وأطفالهن في الدول ال10 الأخيرة قاسية. تموت واحدة من بين كل 23 اماً في المتوسط لأسباب متعلقة بالحمل، ويموت طفل من بين كل ستة أطفال قبل سن الخامسة ويعاني طفل من بين كل ثلاثة أطفال سوء التغذية». وجاءت الولاياتالمتحدة في المركز 28 بالقائمة متراجعة مركزا واحدا عن العام الماضي. وحسب مؤشرات صندوق الاممالمتحدة للطفولة (يونسيف) فان معدلات وفيات الاطفال تزداد طرديا مع زيادة مستويات الفقر فى اوساط الاسر فى ظل انتشار الامراض ومحدودية فرص الحصول على مياه الشرب النقية والصرف الصحي ،وألمحت المنظمة في اكثر من مناسبة الى ان السودان لن يتمكن من بلوغ اهداف الانمائية الالفية بحلول عام 2015. وتقول المنظمة ان الفقر لايعني الحرمان المادي فقط ولكنه يضم الى جانب ذلك انعدام السكن الملائم وعدم القدرة على الحصول على العلاج و انتشارالبطالة وتفشي الجهل،اما وفيات الامهات التي اكد الممثل القطري السابق للصندوق بالسودان نيلس كاسبيرج ارتفاعها الى 26ألف وفاة سنويا قفزت من 509 عام 1999م الى1107 عام 2006م، وحسب تقرير حالة سكان السودان لعام 2007م فإن الحالة الاقتصادية والاجتماعية المتردية فى مناطق النزاع المسلح قادت الى تفشي الامراض والانتشار الواسع للفقر والبطالة والامية وضعف النظام الصحي، كل ذلك قاد بدوره الى ارتفاع معدل وفيات الامهات. وقال التقرير على الرغم من الجهود المبذولة التى بذلتها الحكومة لتحسين صحة الام فإن وفيات الامهات لم تسجل أي تراجع ملموس فقد سجلت ولايات غرب الاستوائية والبحيرات اعلى معدل وفيات بلغ 2327و2243 لكل الف حالة ولادة حية بينما بلغ ادنى 94 و161 فى ولايات نهر النيل والشمالية مقابل 311 لولاية الخرطوم و1414 والقضارف 609 والجزيرة 355 والنيل الابيض 366 وولاية سنار 320 والنيل الازرق 515 فى حين سجلت شمال كردفان 213 حالة وجنوب كردفان 503 وشمال دارفور 346 وجنوب دارفور 1.581 وغرب دارفور 1.056. وأوضحت بيانات المسح السوداني لصحة الاسرة لعام 2006م تصدر الصداع (42.3)% للمضاعفات الرئيسية لعملية الولادة بجانب الحمى (42) وألم البطن (30.5) وألم التبول (22) وتورم القدمين (18.6) اضافة لضيق التنفس (18.4) وارتفاع ضغط الدم (17.2) والنزيف (13.2)والتشنجات (11.6)ويرقان (11.5) وبين المسح ان مضاعفات الحمل كانت اقل للنساء ذوات المستوى التعليمي الاعلى، وربط المسح مضاعفات الحمل بالحالة الاقتصادية للمرأة فمضاعفات الحمل للنساء فى الاسر ذات الدخل المنخفض اكثر مقارنة مع النساء للاسر ذات الدخل الاعلى. وحسب تعريف منظمة الصحة العالمية، فإن وفيات الأمهات تعرف على انها الوفاة التي تحدث لامرأة اثناء حملها، او خلال 42 يوماً بعد انتهاء الحمل، بغض النظر عن فترة او مكان الحمل، او اي سبب ناتج عن الحمل ذاته، أو من جراء تفاقم سبب آخر بسبب الحمل، او نتيجة العناية الطبية التي تتلقاها المرأة اثناء الحمل، مع استثناء الوفيات الناتجة عن الحوادث وعن الاسباب العرضية، وهو ماذهب اليه اختصاصي النساء والتوليد ومدير مركز الخصوبة واطفال الانابيب د. محمد أحمد عبد القادر أونسة فى حديثه معي عن اسباب هذه الوفيات والتى ارجعها لاسباب طبية واخرى اجتماعية واقتصادية محلية، وقال ما اعنيه بالاولى وهي الطبية انها هي نفسها التى تحدث لجميع النساء في جميع مناطق العالم، ولكن بسبب اختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية تنجو منها امهات العالم الاول بينما تنتهي بعدد كبير من الأمهات هنا بالوفاة ماضيا بالقول، توجد مجموعة من الأسباب الطبية، يحتل سلم هذه القائمة النزيف الحاد بنسبة 35% كما (أكدتها وزارة الصحة)، يليه تسمم الحمل بنسبة 12%، ثم تعسر الولادة بنسبة 8%، هذا بجانب اسباب طبية اخرى كسوء الرعاية الصحية والتى تشمل الكشف الدوري المنتظم لتفادي الانيمياء وارتفاع ضغط الدم. واعتبر اونسة ان سوء الرعاية هو الآخر يشمل التشخيص الخاطئ والعلاج الخاطئ وعدم تقدير خطورة الحالة بشكل رئيسي ويرى انها اسباب تتعلق بمهارات المشرفين على الولادة سواء كانوا من القابلات اوالاطباء. واضاف «فى كثير من الاحيان لوحظ وجود حالات واضحة من الاهمال الطبي، وسوء التدبير بسبب غياب الكفاءة وعدم توفر الاختصاصيين الاكفاء خصوصا فى المناطق الطرفية والتى تشكل فيها القابلات عنصرا مهما يمكن ان يسوق هو الآخر بسوء تقديره الى مضاعفة نسبة الوفيات، هذا اضافة الى اسباب اخرى تتعلق بنقص الخدمات الطبية المساعدة كالمختبرات المعملية والمعينات اللوجستية فى غرف العمليات كالشاش والقطن والبنج والدم وغيرها . وفى رده على سؤالى حول اكثر النساء عرضة للوفاة رد قائلا ان اصحاب الولادات المتكررة من خمس والى اعلى تعتبر اكثر عرضة لمشاكل الضغط والسكري وحالات النزيف والتهابات الجلطة وبالتالى تكون معرضة للوفاة اكثر من غيرها. وعن الاسباب الاجتماعية التى اشار اليها د. اونسة تقول منظمة اليونسيف ان الحرب الاهلية والانقسام السياسي الحاد الذي سبق اتفاقية السلام ترك الجزء الجنوبي من البلاد يفتقر بصورة تكاد تكون كاملة إلى الرعاية الصحية الطارئة اثناء الولادة، ومستويات متدنية من استعمال موانع الحمل، كما ان الإشراف الطبي عند الولادة لا تتجاوز نسبته 5% بالإضافة إلى النسبة العالية من الزواج المبكر وحمل المراهقات وهو ما اتفقت فيه المنظمة مع ما ذهب اليه تقرير صندوق الاممالمتحدة للسكان الذي صنف جنوب السودان كأسوأ منطقة في معدلات وفيات الامهات فى العالم ، حيث بلغت النسبة 037ر2 وفاة لكل 100 ألف حالة بمعنى أن أكثر من امرأة واحدة من بين خمسين تموت أثناء الولادة، مشيرا الى ان مسح الامومة الصادر فى 2006م اوضح ان دارفور تشكل منطقة الانتشار الاعلى للناسور البولي فى السودان وهو ما اقرته مدير ادارة الصحة الانجابية بوزارة الصحة الاتحادية د. ليمياء التجانى فى حديث سابق لها معي عن ان الولايات المرتبطة بالنزاع والصراعات المسلحة مثل الولاياتالجنوبية ، دارفور هي الاعلى فى معدل الوفيات وقالت ليمياء بأن نتائج الاحصاءات التي أجرتها الوزارة كشفت أن وضعنا أسوأ مما كنا نتخيله ،وأن وفيات الأمهات والأطفال مرتفعة أكثر من المعدلات التي كنا نتعامل معها . وترى لمياء ان هذه النسب عالية جداً- مقارنة بوجود استراتيجيات وخطط خمسية واضحة وخريطة طريق، معتبرة ان الأمر لا يزال يحتاج الى الوسائل والإمكانات. وعن الوزارات الولائية اعتبرت لمياء أنها تفتقد الى القدرات ما يجعلها تعتمد على الوزارة الاتحادية هذا الى جانب مشكلة الكوادر الطبية «القابلات» والتى اشارت الى ان تغطيتها فى القرى لايتجاوز ال 49% واعتبرت لمياء أن موازنة الوزارة ضعيفة ودعت المنظمات الدولية بتخصيص دعم اكثر للسودان نظرا لاوضاعه. وما عضد قول مدير الصحة الانجابية عن الوزارات الولائية ما اعلنته اليونسيف العام الماضي عن ضعف ومحدودية البنية التحتية الاساسية للصحة والتي تسببت فيها بشكل اساسي النزاعات التى استمرت لعقود من الزمن مماجعل نصيب الفرد من الاعتمادات المالية المخصصة لقطاع الصحة يتراوح مابين 10-22 دولار. واعتبرت اليونسيف ان النساء فى تلك المناطق لازلن يعانين من صعوبات صحية مزمنة نتيجة لسوء التغذية وضعف الرعاية الصحية، مبينة أن النسبة المرتفعة لوفيات الأمهات تعود إلى ضعف مستوى الرعاية الصحية المقدمة لهن في فترة ما قبل الولادة ولغياب نظام التحويل الطبي وضعف الرعاية الطارئة أثناء الولادة والغياب شبه الكامل لبرنامج تنظيم الأسرة ،وهذا لاينحصر فقط فى الولاياتالجنوبية ودارفور وانما يشمل ايضا معسكرات النازحين فقد أوضحت دراسة تطبيقية اجريت عام 2002 على عدد من معسكرات النازحين بولاية الخرطوم أن نسبة النساء الحوامل اللائى تلقين كشفاً شبه دوري لا تتعدى 7% فقط ، من إجمالي النساء الحوامل ولا تختلف هذه النسبة المتدنية عن نسبة الأمهات اللائى يراجعن مراكز الرعاية الصحية الأولية بعد الولادة ، حيث لا تزيد النسبة عن 8.5% من إجمالي النساء اللائى أنجبن أطفالاً خلال السنة التي سبقت الدراسة. وترى الدراسة ان هذه النسبة المتدنية تؤدي لمشاكل الحمل وتزيد من معدلات وفيات الأمهات. اما فيما يتعلق بالنساء اللائى تلقين الرعاية الصحية، فقد اكدت الدراسة ان معظمهن لم يذهبن لمراكز الرعاية الصحية الأولية أو للمستشفيات، إما لعدم توافرها في المنطقة المجاورة أو لبعد تلك المرافق الصحية عن مناطق سكن النازحين او للعامل المادي حيث تتلقى النساء الحوامل والمرضعات تلك الرعاية الصحية من الزائرات الصحيات ومن الخدمات الصحية التي تقدمها بعض المنظمات الخيرية والإنسانية العاملة في المنطقة.