كل شئ هاديء وعادي في منزل الشيخ حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض، الذي اعتقلته السلطات مساء أمس الأول، فحركة الناس بالبيت طبيعية للغاية ، ربما لتعودهم علي الاعتقالات التي طالت الرجل في ظل الحكومات العسكرية التي تعاقبت علي حكم البلاد، ورغم قلق الاسرة علي صحة عميدها الذي يزحف نحو الثمانين عاما الا أنهم تعودوا علي غياب والدهم سواء كان مسافرا داخل أو خارج البلاد أو محتجزا بالسجن ... وحينما هممت بدخول المنزل في ضاحية المنشية وجدت موقفا خاصا بالسيارات تقف أمام المنزل ووفود الزوار لا تكاد تنقطع والضيوف يتوافدون ويتدافعون ويتدفقون اما للسلام والتحية أو لتفقد حال الاسرة والسؤال عن آخر اخبار الشيخ.. الصالون .. قصة ديوان مفتوح : دخولنا للمنزل يمر عبر عدة مراحل اولها الساحة المفتوحة علي الشارع الأسفلت ثم المدخل للصالون الفسيح حيث يتواجد العديد من الزوار من بينهم حواريو الشيخ وتلاميذه ومريدوه بجانب بعض المشايخ، ويتوزع عدد من الصحفيين والاعلاميين في انتظار ومتابعة ما تسفر عنه الاحداث، وبالقرب منهم شاشة التلفزيون، والجميع يستمع باهتمام لقناة «الجزيرة» ... المنزل مفتوح لاستقبال الجميع بدون بروتوكولات ولكن ربما لا يعلم البعض ان هذا الصالون شهد واحتضن لقاءات ناقشت الكثير من القضايا والملفات المهمة وكان مقرا لكثير من الاحداث ارتبطت بالحركة الاسلامية بل وبمصير البلاد بأكملها ... أصداء الاعتقال وتداعياته على الأسرة : *نجل الشيخ الاكبر«صديق» انشغل غالب الوقت في التحدث بالهاتف وكانت كل المكالمات تنصب حول اسباب ومبررات اعتقال الترابي وما ترتب علي الاعتقال، بينما يكتفي ابنه الاصغر«عمر» برد التحية علي زوار البيت بافضل منها، في وقت كان فيه نجله عصام يمشي حافي القدمين يستقبل أناسا ويودع آخرين، ومظهر الحزن باد علي وجهه يحاول ان يخفيه بابتسامة وهو يصافح رواد المنزل... ومجموعة من الشباب تقوم بواجب الضيافة واكرام الزائرين ... «الصحافة» وفي سبيل تمليك الرأي العام السوداني ظروف وملابسات الاعتقال وتأثيره علي عائلة الدكتور حسن الترابي والتداعيات التي خلفها حبس الرجل وخفايا وأسرار ما تم ليلة أول أمس، زارت منزل الشيخ حسن بالمنشية ووقفت ميدانيا ومن داخل البيت العريق علي أدق التفاصيل عبر هذا التحقيق المصور ... كريمته أسماء قالت انها لم تكن تتوقع اعتقالا يطال والدها الشيخ باعتبار ان الوقت ما كان مناسبا لذلك ، فالحكومة كان امامها برامج محددة ليس من بينها باي حال من الاحوال قضية الاعتقال، علي رأسها التشكيل الوزاري، وتنصيب الرئيس البشير وغيرها من القضايا الملحة علي الساحة، لكن وضح- ولازال الحديث لأسماء- أن أول خطوة أعقبت الانتخابات كانت هي اعتقال الشيخ.. وتقول لي اسماء انهم في منزل الشيخ تعودوا علي الاعتقال الذي كان يطال الشيخ من الحين لاخر، ورغم ان الوالد ذكر في لقاء صحفي اجري معه مؤخرا انه يتوقع اعتقالا ، الا انهم في البيت ماكانوا يتوقعون ذلك.. وتحكي محدثتي ان الأسرة كلها تجمعت وانتظرت مع الشيخ حتى اعد حقيبته التى وضع فيها كمية من الملابس وحذاء خفيفا وبعض الادوية مع الحرص الشديد علي وضع المصحف الشريف الذي ما كان يفارق يده الا قليلا. وتقول ، ان الشيخ الذي كان يتوقع اعتقالا طويل المدي رغم قول ضباط الأمن أن الأمر لن يتعدى مسألة التحقيق معه واعادته الي منزله في اقرب وقت، كان مشغولا بان يطلب من افراد اسرته الهدوء وعدم القلق عليه.. وتبدو أسماء شدية القلق علي صحة والدها المسن والذي عاد من المعتقل في المرة الماضية بمرض ارتفاع ضغط الدم ، وتقول ان والدها الذي قارب الثمانين من عمره ماعادت صحته تتحمل ظروف المعتقل والسجن.. *ردهات المنزل الكبير كانت تزدحم بالزائرين الذين كانوا يطمئنون علي أفراد أسرة الشيخ ، قالت لي سلمى الابنة الكبري لشيخ حسن ان اغلبهم جاء بعد سماعه لخبر اعتقال الترابي، أما الذين لم تسمح لهم ظروفهم بالمجئ في الليل فقد جاءوا في الصباح الباكر وهاهي زيارتهم تتكرر.. وتضيف كريمة الدكتور الترابي، ان آخر معلوماتهم عن الوالد انه كان في الأمن السياسي ببحري وبعدها انقطعت الاخبار فلم يبق امامهم غير وسائل الاعلام والقنوات الفضائية يتابعونها في قلق واهتمام عسى ولعل يجد جديد في الامر.. عصام يروي الكثير: أما نجله عصام فقد قال ل«الصحافة» ان حادثة الاعتقال كانت مفاجأة بالنسبة له كما انه لم يكن أبدا يتوقع حدوث أي اعتقالات في هذا الوقت بالذات، ولكن الأمر الغريب كما يروي عصام الترابي ان سيدة كانت برفقة زوجها بالمنزل تحدثت عن تقرير صحفي ورد في أحد المواقع الالكترونية توقع القاء القبض علي والدهم.. ويواصل عصام حديثه قائلا: كان ذلك في الساعة الحادية عشرة مساء، وتم الاعتقال في الحادية عشرة والنصف .. ويعتبر عصام ان الاعتقال نكسة مقارنة مع الجو العام الذي تعيش فيه البلاد، وان الوقت لم يكن مواتيا لهذا الاجراء !! ويقول ان الاعتقال يغيّب جانبا اجتماعيا مهما للأسرة التي تعود الابناء علي المرور في وقت مبكر بغرفة الوالد لالقاء تحية الصباح عليه، وتناول الشاي معه ومتابعة حركته والاشراف على طعامه وشرابه في هذه السن، كما أن المنزل لا ينقطع عن استقبال الزوار والوفود في الصباح وخلال ساعات النهار بصورة يومية ، تتخللها حلقات النقاش والتداول حول القضايا العامة التي تهم البلاد وتنتهي في المساء بجلسات فكرية وفقهية. ويشير عصام الي انه لا حظ ان اباه وفي الفترة الاخيرة بدأ يغيّر من برنامجه بالالتفات كثيرا الي الكتابة والانكباب علي الاطلاع والقراءة والمذاكرة في أمهات الكتب والمصنفات، والذهاب للمزرعة بمنطقة أم دوم من أجل التدوين والكتابة لاكمال مشروعه الفكري ، ممثلا في كتابه« التفسير التوحيدي للقرآن» و الذي شارف علي نهاياته حيث يقضي قرابة ال10 ساعات ما بين المنزل والمزرعة، بينما يخصص القليل من وقته للذهاب لمكتبه في دار المؤتمر الشعبي. ولعل أكثر ما يخشاه عصام في هذا الوقت بالذات هو خوفه من تدهور صحة والده حيث أن جسد الشيخ الثمانيني لا يحتمل صعوبة ظروف المعتقل، فالترابي حسب عصام في عمر متأخر علي الحبس والاعتقال وبما حدث فان الحكومة تدفع به نحو الموت وذلك لأن الحبس يؤثر علي صحته سلبا..لاسيما والترابي يتوقع اعتقالا طويل الامد. ويروي عصام كيف أن والده كان مشغولا في لحظات اعتقاله بكيفية وصول بعض الكتب المهمة بالنسبة اليه في حبسه، خاصة وانه ينوي اكمال مشروع كتابه في أقرب وقت.. أين السيدة وصال ؟ *حسنا..قد يسأل سائل عن السيدة وصال المهدي قرينة الشيخ الترابي، واين هي من دائرة هذا الحدث والذي يعنيها شخصيا بالدرجة الاولى كرفيقة عمر ودرب للرجل في المكابدة والجهاد والصبر علي نوائب الدهر ؟!! التفت يمنة ويسرة أبحث عن حفيدة الامام المهدي، وكان أغرب ما رأيته هو أن السيدة وصال تنكفئ علي سرير بالقرب منا وهي نائمة وفوقها صورة كبيرة معلقة علي الحائط فيها الترابي يتحدث بهاتفه الجوال وهو يضحك !! حينما أبصرت «أسماء» اتجاه نظراتي قالت لي في أسى:مسكينة أمي منذ أمس لم تذق طعما للنوم، ويبدو ان ارهاقها الشديد وما تعاني منه دفعها لوضع رأسها علي وسادة لترتاح قليلا، ولا أظن أن ذلك ممكن. الاحفاد يلعبون : أما أحفاد الشيخ فهم مجتمعون في ساحة المنزل الفسيحة يلعبون علي«النجيلة» ومن فوقهم العصافير تشدو وتزقزق علي الاشجار المخضرة...وتتوزع هنا وهناك ألعابهم الحديثة من المرجيحة وحتى العربات والمزلجانات يتسابقون في براءة وتلقائية ولسان حالهم يردد«لما ترجع بالسلامة وترجع أفراحنا الجميلة».. لكن أمانيهم تصطدم بما قاله خالهم عصام الترابي ، ان الأب يعد نفسه لرحلة طويلة المدى لايعرف متى تنتهي ...