إن الأنا حاضرة في كل عمل سيريالي أو فني حقيقي، بشكل عام، وإذا ما قال لك الفنان أو الكاتب إنني أخرج من عملي ساعة أخلص منه، فهو يجرد العمل أو الفن من خاصيته الإنسانية ومن محتواه الفني. وإذا كان الحضور في السابق يقوم على داخل النص أو اللوحة فهو اليوم يحضر بقوة خارجهما ويناقش ويدافع ويؤكد أيضاً، وليس مجرد مراقب أو من يتخذ شكل الانحياز. ولكن هذا لا يعني أن الرؤية التي سوف يطلقها الفنان هي نهائية أو الحقيقة، إذ ستظل مجرد صورة للممكنات الأخرى التي يمكن أن يأتي بها أي إنسان أو مستقبل آخر، وليس لأي فنان أو كاتب أن يدعي أنه يمتلك حقيقة نصه أو عمله الفني. وإذا كان السرياليون يهتمون بالمضمون على حساب الشكل ولكن بصورة غامضة ومريبة، فإن الفن الجديد يفعل ذلك الشيء نفسه، هو يمارس وعياً كبيراً بالواقع ومشكلاته، ويقترب منها ويتحرر من الأوهام والظنون، ولكن بتوظيف اللاوعي الفاعل عبر قنوات الوعي، إذ لا بد من تمرير ما وراء المدركات لتصبح مدركات وملموسات في حيز الأنا، ومن ثم النص المتجلي أمامنا الذي فيه من الانفعال والغرابة والكثير من المساحات القابلة لإعادة التشكيل والإدراك والوعي المعاد في تفسيره وإنتاجه. إن السريالية القديمة قد انتهت. لكن الجديدة هي روح عصر آني يقوم على رؤية التوحش والغياب الكبير للمعنى والفكر الإنساني الذي يفقد اليوم خصائص قوته الكلاسيكية في الانتصار للحقائق الكبيرة. إنها فنون جديدة تعمل على نفي الوعي تماماً وتعزيز اللاوعي ولكن بنمط يستحضر صورة عالم بات متشعباً ومتسعاً من حيث مصادر اللاوعي نفسها، وبات فيه ضابط الوعي أكثر تشتتاً ليمكن القول مرات إن المساحة الفاصلة بين الوعي واللاوعي لم تعد موجودة في الأساس، وهذا هو مربط الفرس في أن تكون سيريالياً جديداً.