قرار تشكيل اللجنة البرلمانية، نزل برداً وسلاماً على بعض المُراقبين الاقتصاديين الذين تحدّثوا ل (السوداني) على أمل أن يَحدث اختراقاً في ملف الإنفاق الحكومي الشّائك، غير أنّه يضع رئيس اللجنة المَعنية علي عبد الرسول أمام تحدٍ كبيرٍ، خَاصّةً أنّ الرجل نفسه أقرّ من داخل قبة البرلمان إبان توليه حقيبة وزارة المالية، بظهور عقبات كبيرة تحُول دُون خَفض الإنفاق الحكومي من بينها امتلاك كثير من الوزارات والمُؤسّسات لمجالس تزيد من أعباء المُوازنة، واسترسل شاكياً في إحدى جلسات المجلس من عدم استجابة الولايات لخفض الإنفاق الحكومي، وقال إنّ الولايات لديها مُطالبات بتحويل أموال التنمية لمُرتباتها، وأضاف أنّ خفض الإنفاق بالولايات يحتاج لتدخلات من الجهاز التنفيذي، مقراً بوجود مشاكل تعترض الديون الداخلية، بجانب عجز الميزان التجاري. بعيداً عن الشعارات: ورهن في ذات السياق، الاقتصادي د. هيثم فتحي نجاح عملية ترشيد الإنفاق الحكومي بالسودان بتحديد أهداف واضحة ودقيقة للبرامج الحكومية سواء كانت أهدافاً طويلة أم متوسطة الأجل، وتحديد الأولويات في ظل محدودية الموارد. وذهب في قوله ل (السوداني) إلى أنّ الحكومة يتعيّن عليها في خفضها للإنفاق تحديد المشاريع والبرامج وفق سُلّم للأولويات حسب درجة إشباعها لحاجات المُواطنين الأكثر أولوية وإلحاحاً، لأنّ ترشيد النفقات العامّة لا يتحقّق برفع الشعارات وتكوين اللجان، وإنّما هو سلوكٌ مدروسٌ مبنيٌّ على مبادئ وقواعد مضبوطة تتطلّب تسخير أفضل الآليات والتقنيات التي أفرزتها التجارب، مُشترطاً على الحكومة والبرلمان قياس برامج الإنفاق العام، وتقييم مدى كفاءة وفعالية أداء الوحدات والأجهزة الحكومية عند قيامها بتنفيذ البرامج والمَشاريع المُوكلة إليها وحُسن تصرف الحكومة في إنفاق الأموال وضبط النفقات وإحكام الرقابة عليها والوصول بالتبذير والإسراف إلى الحد الأدنى وتلافي النفقات غير الضرورية وزيادة الكفاية الإنتاجية لقطاعات الاقتصاد ومُحاولة الاستفادة القُصوى من الموارد الاقتصادية والبشرية المتوفرة للدولة. ودعا فتحي إلى أهمية أن تضع الحكومة في الاعتبار في إطار سعيها لضبط الإنفاق الحكومي مُكافحة الفساد والحد من الهدر في المال العام، وأن يسعى القائمون على ضبط النفقات لتحقيقها من أجل تحقيق كفاءة أعلى. تزايدٌ مُستمرٌ: وأشار الوزير الأسبق، المُحلِّل الاقتصادي بروفيسور الكندي يوسف ل (السوداني) للتزايد المُستمر في الإنفاق الحكومي والتناول الكثيف له على الصعيدين المحلي والخارجي بالدول النامية، وقال إنّ الإنفاق الحكومي البذخي والتفاخري يُؤدِّي الى هدر الموارد والتي يدفعها الشعب، ذاهباً لفرضية أن تتوجّه الحكومة بشكل جدي لتقليل صرفها وتبني تَوصيات اللجان كَافّة التي تكون لهذا الغرض وإنفاذ المُعالجات المُقترحة والتركيز بشكلٍ أكبر في إنفاقها على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقضايا الإنتاج ومعاش الناس. اعترافات وزارية: وزراء ووكلاء سابقون بوزارة المالية أقروا بصعوبة خفض الإنفاق ودفعوا بمبرِّرات كثيرة على ذلك، أولهم وزير المالية علي محمود كما أشرنا، والوزير الأسبق بدر الدين محمود والذي أكّد في برنامج مؤتمر إذاعي سابق بأنّ تخفيض الصرف الحكومي غير مُمكنٍ، مُقدِّماً في ذلك دفوعاته بأنّ أكثر من (40%) من المصروفات تذهب لصالح المُرتبات، (20%) لصالح الأمن والدفاع، (20%) لصالح التحويلات الجارية للولايات و(20%) لصالح التعليم والصحة. وذهب الوكيل الأسبق للوزارة، أمين الأمانة الاقتصادية بالمؤتمر الوطني د. حسن أحمد طه في ذات المَنحى بإقراره مُسبقاً ل (السوداني) بحدوث نمو مُتصاعدٍ في الإنفاق الحكومي خلال الفترة الماضية بحوالي (9) أضعاف.