قبيل عرض أجندة الاجتماع، تقدم نائب رئيس حزب الأمة فضل الله برمة ناصر بتنويه، طالباً من قادة تحالف قوى الإجماع الوطني الإنصات إليه؛ فأخرج الرجل ورقة صغيرة، وبدأ تلاوة ما تحتوي عليه، وبعد أن فرغ منها، أعلن عن اعتذار رئيس حزبه عن حضور اجتماع قادة التحالف، وفوراً استأذن للخروج بمعية القيادي عبد الجليل الباشا. تلك الحكاية طغت على ما دار في أضابير الاجتماع، وخرجت بعض صحف الأمس بمانشيتات متباينة: خروج، انسحاب، اعتذار الأمة في المضي مع تحالف قوى الإجماع الوطني. الانسحاب والاعتذار وبالعودة إلى رسالة برمة ناصر التي قدمها للمجتمعين، نيابة عن رئيس حزبه الصادق المهدي، الذي كان من المقرر أن يحضر اجتماع رؤساء التحالف، وتضمنت الرسالة في طياتها ثلاث نقاط أساسية في مقدمتها، ما أورده عن طلب سابق لحزبه يدعو فيه إلى تنظيم ورشة لإعادة هيكلة التحالف، لأن التحالف - بحسب رؤية حزبه - جسم مترهل يحتاج إلى إعادة هيكلة، فيما أشارت النقطة الثانية في الرسالة إلى مقاطعة تحالف قوى الإجماع الوطني، لدعوة التوقيع على الميثاق الجديد، الذي دعا إليه حزب الأمة بالإضافة إلى تغييب حزب الأمة عن اجتماعيْن عقدهما التحالف، وبناءً على ذلك، قال برمه للمجتمعين، إن رئيس حزبه قرر عدم حضور الاجتماع معتذراً لهم، وفوراً خرج القياديّان بحزب الأمة عن الاجتماع. النقاط التي ذكرها برمة تحمل في طياتها الكثير من علامات الاستفهام بين مكونات المعارضة، وتشير إلى مدى عمق الأزمة بين أحزاب التحالف من جانب، وحزب الأمة من جانب آخر، لكن رئيسة حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق)، نفت ما ورد في بعض الصحف، وقالت إنه عارٍ من الصحة، لا سيما الحديث عن أقوال لرؤساء الأحزاب بعد انسحاب الأمة من الاجتماع، وأكدت هالة أنها كانت موجودة داخل الاجتماع منذ بدايته حتى النهاية، وقالت ل(السوداني): "إن برمة ناصر قدم حيثيات عن عدم حضور رئيس حزب الأمة الصادق المهدي لاجتماع قادة قوى التحالف"، وأكدت على أن برمة ناصر طرح أسباب عدم الحضور فقط، ولم يتعرض من قريب أو بعيد، ووضع بعض الملاحظات المختصرة، وغادر الاجتماع، فيما واصل بقية قادة التحالف اجتماعهم، لكن برمة ناصر في ذكر ذات النقاط التي وردت أعلاه في حديثه لجريدة (الشرق الأوسط)، وقال إن حزبه لم ينسحب من التحالف المعارض، وإنما انسحب من اجتماع رؤساء الأحزاب بناءً على توصية من الهيئة التنسيقية لحزبه، التي قررت مقاطعة رئيس حزبه الصادق المهدي لاجتماع رؤساء الأحزاب. وفي ذات السياق قال نائب رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة محمد المهدي حسن ل(السوداني): "إن حزبه اعتذر عن الجلسة"، واستطرد موضحاً أن دعوة حضور الاجتماع وجهت إلى رئيس الحزب الذي اعتذر عن الحضور، بناءً على قرار أصدره مجلس التنسيق، وعدّ حسن ما حدث عبارة عن لفت نظر لقادة تحالف قوى الإجماع الوطني حول طريقة عمل التحالف وأدائه، مشيراً إلى أن حزبه تحدث عن ضرورة إعادة النظر في طريقة عمل التحالف وهيكلتها وتفعيلها وتوسيعها، وطلب ورشة لطرح القضايا ليضطلع التحالف بدوره، ويقود حركة الاحتجاجات بالشارع. ونفى حسن خروج حزبه من التحالف، وأضاف: "لم ننسحب ولم نجمد فقط أردنا لفت النظر". الوقت مبكر غير أن الضبابية ما زالت تكتنف موقف حزب الأمة من المضي في التحالف، وتشير عدة مؤشرات إلى تباعد الشقة بين الطرفيْن؛ فرئيس حزب الأمة الصادق المهدي دمغ التحالف بالعديد من الصفات منذ وقت مبكر، وفي المقابل ينعت التحالف حزب الأمة برمادية موقفه في القضايا الراهنة وإسقاط النظام. وتؤكد المؤشرات أن تحالف المعارضة بصدد الدخول في احتمالات انقسام وشيك، ينبئ بخروج حزب الأمة منه، بدلاً عن الاستمرارية، وتعزز تلك الفرضية ما ورد في جريدة الميدان (النسخة الإلكترونية) لسان حال الحزب الشيوعي السوداني، الذي احتضنت داره ذات الاجتماع الأخير، وقالت الميدان في افتتاحيتها: "إن حزب الأمة القومي اختار أن ينسحب من تحالف قوى الإجماع الوطني في هذا الوقت الدقيق والحساس، في زمن المقاومة المتصاعدة والممهورة بالدم بأسباب واهية، إلا أن القصد من الموقف إضعاف قوى المعارضة ولصالح بناء تحالفاته لتحقيق ما أطلق عليه النظام الجديد. ذلك خيار حزب الأمة، لكننا نختار وننحاز لخيار شعب السودان، الذي واجه الموت في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وفي مناطق السدود وفي قلب العاصمة، في سبيل أن ينال حريته، وفي سبيل تأسيس دولة المواطنة الديمقراطية". ما ورد أعلاه يؤكد انسحاب حزب الأمة من تحالف المعارضة، ويؤكد توقعات حدوث انقسام في جسم التحالف، وقد يقول قائل إن الانقسام ظل موجودا بين الطرفيْن، لعدة أسباب أبرزها: الخلافات حول آليات التغيير. فحزب الأمة يدعو إلى التوقيع على ميثاق لإقامة النظام الجديد، بينما اتفقت بقية أحزاب التحالف على إسقاط النظام عبر هبة شعبية وإقامة نظام بديل، لذا يشير الكثير من المراقبين، إلى أن موقف الأمة أشبه بعملية التصالح مع النظام، بدلاً عن التغيير الجذري وإسقاط النظام، فقد تلكأ حزب الأمة في إعلان موقف واضح، على الرغم من محاولة قادة التحالف جرّه لموقف مماثل ونقطة مشتركة للاتفاق حول إسقاط النظام، بل أكد موقف المهدي حينما دعا أنصاره في ليلة مشهودة بميدان المولد، للتوقيع فيها، فتوقع الكثيرون منهم أن يعلن الاعتصام وبداية إسقاط النظام، إلا أنه انتهى إلى الدعوات لتوقيع مذكرات مليونية، كما إن حديث رئيس الجمهورية المشير عمر البشير في مؤتمره الصحفي الأخير، عن اتفاق بينهم وحزب الأمة، جاهز للتنفيذ، مما يؤكد عدم رغبة المهدي في إسقاط النظام، ويشير إلى رغبة المهدي في إصلاح النظام، بدلاً عن تغييره، وذات دعوة الإصلاح تتفق مع دعوات مجموعة الإصلاحيين بقيادة غازي صلاح الدين، التي تنشد إصلاح حزبها، وقد أكد المهدي استعداده للتنسيق مع مجموعة غازي صلاح الدين وود إبراهيم، كما صرح المهدي أخيراً؛ ويبدو أن حزب الأمة فعلياً في طريقة إلى النزول من قطار التحالف وتركه، لكن نائب رئيس المكتب السياسي محمد المهدي حسن حينما طرحت عليه السؤال عن حال عدم اكتراث التحالف للفت نظرهم، ما هي خياراتهم؟ أجاب الحسن بأنه ما زال الوقت مبكرا للرد على السؤال وطرح الخيارات القادمة، ووفقاً لكل ما ورد فإن التحالف أصبح في مفترق طرق بين مكوناته من جهة وحزب الأمة من جهة أخرى، والأيام وحدها ربما ترسم الخارطة القادمة.