لملم أطرافه و(طقطق) للكمساري على عجالة حتى ينزل من الحافلة ليس لأنه قد فوّت على نفسه المحطة، ولا لأنه غير خط سيره بسبب محادثة تلقاها... ربما لأنه انزعج من الهمسات والهمهمات ومعها نظرة عين –تحت تحت- التي كانت تدور بين شباب في المقاعد الخلفية. أحاديث من نوع (عليك الله عاين الزول الفرحان دا ما دام عامل فيها مهم كده بركب مع عامة الشعب مالو؟!). العبارة أحرجت الرجل وجعلته يستأجر (أمجاداً) عله يهرب من العيون والنظرات الغريبة داخل المركبة العامة نظرات كانت تستهجن أن يستقل (الحافلة) وهو في كامل أناقته ب (البدلة والكرفتة). مهن ملزمة (من الطبيعي أن ألبس بدلة كاملة فأنا محامٍ) هكذا أشار بيده وهز برأسه وعلامات التذمر تكسو ملامحه... سائق الأمجاد التي يستقلها الرجل شاركه الحديث قائلاً: (عادي ياجماعة) وأضاف أن هناك طلبة جامعات خاصة وموظفي بنوك يحرصون على ارتداء هذا النوع من اللبس ربما ليس من أجل (الأناقة) مستدركاً إنها (متطلبات مهنة). وللخروج قليلاً بالمحامي من غضبته مازحناه (كدي خلينا من لابس شنو... أسة إنت بتعرف تربط الكرفتة ولابيربطوها ليك؟!). وفيما يبدو أننا قد انتزعنا منه ذلك الانزعاج وهو يضحك لم يخف علينا أن (ناس البيت) هم من يتولون مهمة ربط (الكرفتة) له... عبير صالح طالبة جامعية تقول إن ارتداء الكرفتة يعطيها إيحاء بالرسميات ليس إلا. العمامة الأشهر حسن التوم في الأربعين من عمره يمتلك أحد محال بيع الأدوات الكهربائية بالخرطوم لم يكن بعيداً عن رأي المحامي الشاب في أنه (لايعرف كيف يرتديها؟!!). التوم لايقصد هنا (الكرفتة) ولكنه كان ينظر إلى عمامة موضوعة باهتمام وتركيز عالٍ في مكتبه. وهو يقول: (حكاية زول ما بيعرف يربط العمة... والله يا بتي إلا يربطوها لي)... عمنا التوم يرجع في حديثه إلى تميز بعض العمامات بطريقة ربطها... عمامة (السادة الميرغنية) و(عمامة آل المهدي)... وعمامة الفنان كمال ترباس الذي أدخلته في موسوعة أطول عمامة في السودان ولأكثر من (40عاماً). الفنان التشكيلي راشد دياب تلحظه يحرص على تطقيم العمة والشال والجلابية مدللاً على بصمته الفنية برونق خاص وحضور بهيج. ليست عملية محمد الحاج موظف حكومي يشير إلى أنه ليس ضد الزي البلدي مستدركاً أن ارتداء العمامة ليس عملياً... مضيفاً أن اللفة الخاصة بها (متعبة) وتحتاج كذلك لتعديل بين الوقت والآخر. وبهذا يعلل عدم ارتدائه لها خلاف المناسبات الإجتماعية المهمة.