ارتفاع طلبات التنازل عن الجنسية هل الوطنية في المحك؟! خط عريض (مُجلجل)، ذاك الذي صدرت به الزميلة (التيار) أول أمس (الأحد)، يقول: ارتفاع طلبات التنازل عن الجنسية السودانية. أما التفاصيل فقد تكفَّل ب(كشفها) رئيس هيئة الجوازات والسجل المدني بوزارة الداخلية الفريق عوض النيل ضحية، مؤكداً تنامي طلبات إسقاط الجنسية من قِبَل مواطنين سودانيين في الخارج، أما إذا سألت عن عدد من توكَّلوا على الله وأقدموا على هذه الخطوة الخطيرة، فيُجيبك سعادة اللواء أنَّ الجهات المختصة تتسلم نحو (20) طلباً شهرياً للتنازل عن الجنسية السودانية. الخرطوم: محمود مدني //////////////// *يحق لرئيس الجمهورية قبول أو رفض طلب التنازل عن الجنسية في حال تقدّم أي سوداني كامل الأهلية بهذا الطلب. *الفريق شرطة صلاح الشيخ: العدد المحدد ب(20) طلباً في الشهر للتنازل عن الجنسية ليس بكبير ولا يدعُو للقلق. *إسقاط الجنسية أو سحبها لا يترتب عليه إعفاء للشخص الذي تنازل عنها إذا كان عليه التزام أو واجب فيما يتعلق بشيء قام به أو أغفل القيام به. *المحلل السياسي محمد إبراهيم: الأسباب التي تقود إلى هذه الخطوة تتمثل في التدهور الذي شهدته بلادنا في الفترة الأخيرة والذي أسهم في تراجع الوطنية لدى البعض. ==================================== رحلة محفوفة بالموت!! أول سؤال يتبادر إلى الذهن إزاء هذا الموضوع هو: لو خُيَّرتَ بين التنازل عن الجنسية السودانية مقابل الحصول على جنسية أخرى هل تقبل بذلك؟ تقدَّمنا بهذا الاستفهام لشابٍ قال إنَّ جواز سفره في إحدى سفارات الدول الأوروبية دون أن يشير إليها، أمّا محمد عبد الرحمن فقال ل(السوداني): "سأجيبُ على سؤالكم بسؤال مقابل: لماذا يفكِّر الناس خصوصاً الشباب في قطع الفيافي والوديان بل البحار والمحيطات تاركين الأهل والعشيرة؟ بل إن الكثيرين يضحّون بأنفسهم لأنهم يسافرون إلى الجماهيرية الليبية بالصحراء ومنها يركبون البحر وصولاً إلى إيطاليا وهي بالتأكيد رحلة ليست محفوفة بالمخاطر فحسب؛ بل بالموت المُحقق أيضاً، ولذا من يدفع حياته ثمناً لهدفٍ ما لا أعتقد أنه من أجل هذا الهدف سيتردد في التنازل عن جنسيته". وبسؤالنا له: هل سيقدِّم طلباً للتنازل عن الجنسية السودانية حال وصوله إلى إحدى الدول الأوربية قال: "بعد أن أصل إلى هناك بالسلامة فعندها لكل حادث حديث". (.....) في هذه الحالة يُرفض الطلب ويقول أحمد عبد الجليل كبوش (المحامي) ل(السوداني) إنَّ قانون الجنسية السوداني لسنة 1994م قد تناول المسائل المتعلقة بالجنسية حيث أوضحت المادة (10) أنه يحق لرئيس الجمهورية قبول أو رفض طلب التنازل عن الجنسية في حال تقدّم أي سوداني كامل الأهلية بهذا الطلب. لكن بحسب كبوش فإنَّ المسألة خاضعة لعدة شروط هي: أولاً: أن لا يكون السودان داخلاً في حرب، لأنه في هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية رفض طلب التنازل، وسبب ذلك حتى لا تضعف الروح المعنوية لدى الجنود وعامة الشعب، وكذلك خِشية التخابر والتجسس لتلك الدولة التي يريد حمل جنسيتها. ثانياً: إذا التحق مُقدِّم طلب التنازل بخدمة أي دولة أجنبية أو استمر في تلك الخدمة مُخالفاً بذلك أي حكم صريح وأي قانون يجرم ذلك الفعل. وباستثناء هذين الشرطين فإنَّ أيَّ شخص يتقدّم بطلب تنازل عن الجنسية يُمنح. ما بعد سقوط الجنسية إذا افترضنا أنَّ شخصاً ما تقدَّم بطلب التنازل عن جنسيته، وقُبِل طلبه فما هي الخطوة التالية؟ الإجابة حسبما قال بها ل(السوداني) أحمد عبد الجليل كبوش (المحامي) هي أنه وبعد قبول إقرار سحب الجنسية لا بد من نشر ذلك بالجريدة الرسمية التي تصدر من ديوان النائب العام ويوضح بها اسم وعنوان الشخص الذي سُحبت منه الجنسية. ويسري تاريخ الإسقاط اعتباراً من تاريخ قبول الطلب، وبعد ذلك يعامل المتنازل معاملة الأجنبي حسبما نصت على ذلك المادة (16) من القانون المذكور آنفاً. ومضى كبوش بحديثه وصولاً إلى نقطة مهمة لجهة تعلُّقها بأسرة مُقدِّم طلب التنازل عن الجنسية حيث قال: إذا كان مقدم الطلب لديه أبناء قُصَّر لا تسقط عنهم الجنسية بسبب تنازل أبيهم عن الجنسية السودانية، لأن قوانين بعض الدول قد لا تعطي الجنسية إلا للمولدين بها أو للذين يكونون تبعاً لرعاياها، وحتى لا يصبح هؤلاء القُصَّر دون أية هوية، لذا فالقانون حافظ على حقوق هؤلاء القُصَّر. ولكي لا تظهر حالات لأشخاص لا يحملون جنسيات، فجميع التشريعات الدولية الحديثة تحارب مثل هذه الأشياء. وأوضح كبوش أن مسألة إسقاط الجنسية أو سحبها لا يترتب عليها إعفاء للشخص الذي تنازل عنها إذا كان عليه التزام أو واجب فيما يتعلق بشيء قام به أو أغفل القيام به. بمعنى إذا كان عليه التزام تجاه شخص أو واجب يفرضه عليه القانون السوداني مثلاً (الضرائب)، أو ارتكب أي فعل مخالف للقانون قبل أن يصدر قرار إسقاط الجنسية منه، فإن قرار الإسقاط لا يُعفيه من المسؤولية. ظاهرة متبادلة ولأنه لم يتسنَّ لنا الوصول إلى الجهات المختصة لجأنا إلى الخبير الشرطي الفريق شرطة صلاح الشيخ، فابتدر حديثه ل(السوداني) بالقول: "إن العدد المحدد ب(20) طلباً في الشهر للتنازل عن جنسياتهم ليس بكبير ولا يدعُو للقلق. بل في اعتقادي أنها ظاهرة جيدة لأن مثل هؤلاء يكسبون خبرات من تلك الدول الأوروبية وفيما بعد قد يعودون إلى السودان وتنتفع منهم الدولة"، مشيراً إلى أن هناك دولاً مثل تونس والمغرب معظم سكانها يحملون جنسيات أوروبية وقد انتفعت منهم دولهم. وتابع (الشخص السوداني لا يتنازل عن جذوره السودانية). واستدل الفريق صلاح بقصة بعض السودانيين بسويسرا وهم يأكلون (ملاح التقلية) ويضيف: (نحن لدينا جار سوداني أباً عن جد بالديوم الشرقية يحمل الجنسية الفرنسية وهو طبيب وفي كل إجازة يأتي لزيارة أهله، وبالمقابل لدينا أشخاص يحملون الجنسية السودانية مثل الصومال وإثيوبيا وكان لدينا بالشرطة كمدان اسمه (أحمد ورسي) وهو من أصول صومالية)، منوِّهاً إلى أن الذين يحملون جنسيات أوروبية من السودانيين يساعدون أهليهم، وخير مثال لذلك بعض أبناء الديم الذين يحملون جنسيات ألمانية، حيث أسهموا بشكل كبير جداً في رفع الوضع الاقتصادي لذويهم. (المعايش جبَّارة!!) ويقول المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي محمد إبراهيم ل(السوداني) إن تقديم (20) شخصاً طلبات لتنازل عن الجنسية السودانية شهرياً، يعتبر أمراً سلبياً جداً وينمُّ عن تراجع كبير في الوطنية وكذلك فيه تشويه لصورة السودان ككل، وفيه تحريض للأجيال السابقة بأن أمر التخلي عن الجنسية السودانية أمر عادي جداً. متسائلاً: كيف لشخص أن يتنازل عن مسقط رأسه بهذه السهولة؟ ويضيف قائلاً: "لو نظرنا إليهم سنجد أن معظمهم من ذوي الكفاءات والخبرات وهذا يعد خسارة فادحة". وعن الأسباب التي تقود إلى هذه الخطوة قال إنها تتمثل في التدهور الذي شهدته بلادنا في الفترة الأخيرة مما أسهم كثيراً في تراجع الوطنية لدى البعض. وعندما ذكَّرناه ببعض لاعبي كرة القدم الذين يحملون جنسيات دول أوروبية مثل زين الدين زيدان صاحب الأصول الجزائرية والذي نال الجنسية الفرنسية قال محمد إبراهيم: "لكن علينا أن نلاحظ أن كل مقدمي طلبات التنازلات عن الجنسية السودانية ليسوا لاعبي كرة قدم ولو كانوا كذلك لقلنا حسناً"، منوِّهاً إلى أن معدلات ظاهرة الهجرة قد كثرت في خلال الفترة 2008م -2014م. وأشار إلى أن حل هذه الظاهرة يكمن في إزالة الأسباب الحقيقية المؤدية لها سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، وإلا فإنَّ طلبات التنازل ستشهد تزايداً. وأخيراً جداً نقول قد يحمل الشخص جنسيتين لبلدين مختلفين الأول هو الوطن (الأصلي) وهو بمثابة (الأب). أما الثاني فهو البلد الذي يقيم فيه الشخص، لكنه يظل معتزاً بجذوره الأصلية، وعن الوطن البديل يقول الروائي الأريتري حجي جابر في إحدى رواياته: (إنَّ الوطن البديل قد يبقيك حياً، لكنه لا يمنحك الحياة! والوطن البديل مثل زوجة الأب، مهما كانت حنونة لا تنسَى أنك من امرأة أخرى).