أهلنا بديرية كردفان لهم عشق تاريخي للشعيرية، وينصب الناس شباكاً من الحكاوي للبديرية مع الشعيرية، حتى أن بعضها صار من الأقوال المأثورة، ومن تلك الأقوال في حق شيلة العروس «الشيلة كان ما فيها شعيرية، الشيلة تتقبل».. بمعنى تعاد إلى أهلها والعرس يتبطل «أي يُلغى»، ويُحكى أن واحدة من بنات البديرية تزوجها أحد الأثرياء وأقام لها حفلاً ضخماً في النادي السوري بالأُبيض شارك فيه نجوم الغناء الكردفاني في العصر الذهبي لفرقة فنون كردفان، إبراهيم موسى أبا، عبد الرحمن عبد الله، عبد القادر سالم، صديق عباس، وأم بلينة السنوسي، فتاح و حيدر، وبرغم أن الحفلة كانت رائعة لم تشهد المدينة مثلها إلا أن العروس كان يبدو عليها عدم الرضا، وظلت حالة عدم الرضا هذه ملازمة لها طوال الحفل، وفي الليلة التي قضاها العروسان في فندق كردفان، وكذلك طوال الرحلة من الأبيض إلى الخرطوم في درجة النوم بقطار الغرب التي حجزها لهم ميرغني بتوصية من ناظر المحطة العم الشيخ أحمد سلامة، وفي كل مرة يسألها العريس ردها ثابت «ما في حاجة» ولما وصلّا العاصمة ونزلا في الفندق الكبير أصرّ العريس إصراراً شديداً على معرفة سبب زعل العروس قبل شراب الليمون فكان ردها «سمعت تحت تحت ناس إيا قالوا الشيلة ما فيها شعيرية». ويحكى عن واحد من بلدياتنا من بديرية كردفان جاء زائراً العاصمة المثلثة لأول مرة، فأخذه قريب له ليعرفه على معالم الخرطوم، فلما مرّا بجوار القصر وشاهدا الحرس الجمهوري بزيهم المميز سأل بلدياتنا قريبه عن هذا المبنى وهؤلاء الرجال. فقال له هذا القصر وهؤلاء الحرس الجمهوري فرد بلدياتنا معلقاً «راحاتهم تلاقي شعيريتهم زيتها للكوع». ويُحكى أن أحد وجهاء الأقاليم جاء في معية والي الولاية لمبايعة السيد رئيس الجمهورية وعكس قضايا ولايتهم، وكانت علاقة هذا الوجيه بالفقه ضعيفة، فلما جاء وقت صلاة الظُهر وهم في القصر الجمهوري صلوا الظهر والعصر جمعاً وقصراً فسأل الوجيه عن هذه الصلاة فقالوا له إنها «صلاة القصر»، فكان تعليقه «والله ناس القصر ديل مرتاحين حتى الله عامل ليهم صلاة خاصة». ولما حدثت مفاصلة الإسلاميين بعد أحداث الرابع من رمضان الشهيرة أطلق الناس على المُعسكر الذي والى الدكتور الترابي جماعة المنشية، والذين وقفوا مع الرئيس البشير أسموهم مجموعة القصر، وكان الشعبيون يتهمون القصريين بأنهم ذهبوا هناك حيث المطايب والمنافع. تداعت إلى خاطري كل هذه الحكاوي وأن أشاهد قبل أيام سيارة الزبالة تدخل القصر الجمهوري من البوابة الجنوبية بالقُرب من مسجد القصر وأقول بدون تهويل أنني لم أر سيارة أقبح من تلك تسير في شوارع العاصمة منذ سنوات، وهي نيسان موديل بداية السبعينيات وعليها كل بؤس السنين والعذاب وهي لا تصلح أن تسير في الشوارع، ناهيك عن دخول القصر، وأشك أن تكون مرخصة؛ لأن هذه السيارة التي رأيتها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجتاز أي اختبار، فتخيلوا معي لو أن دخول هذه السيارة إلى القصر الجمهوري صادف سفير دولة جاء لتقديم أوراق اعتماده. وأضع قضية سيارة الزبالة هذه بين يدي أخي وصديقي وزميلي في الدراسة الجامعية وكيل القصر الجمهوري الأخ الدكتور جبريل عبد اللطيف أحمد، ولا أدري كيف لم تستوقف هذه السيارة «الزبالة» الأخ جبريل، وجبريل رجل يهتم بالتفاصيل وحريص، ولقد عايشت ذلك معه عندما كنت سكرتيراً لرابطة الطُلاب السودانيين في كفر الشيخ وكان هو رئيس الرابطة، ومعلومة العلاقة الوطيدة بين الرئيس والسكرتير وأشهد أني سمعت عن جبريل خيراً في كل المواقع التي عمل فيها لا سيما وزارة الزراعة في ولاية نهر النيل التي يقول الناس هناك أنه أفضل من مر على هذه الوزارة؛ لأن بصماته لازالت باقية.