ميزانية الدولة للعام 2013م والتي يناقشها البرلمان هذه الأيام، قد حملت الكثير من البنود التي تشكل ضغطاً حقيقياً على المواطن، وذلك لأن نسبة العجز فيها بلغت أكثر من عشرة ملايين جنيه سوداني في ظل إرتفاع الصرف على الدفاع ، وعلى الأمن دون تحقيق إيرادات حقيقية تغطي ذلك العجز، ولعل الصرف على الدفاع إلى جانب بنود وأسباب أخرى كثيرة كانت هي سبباً في تعميم البرنامج الثلاثي للإصلاح الإقتصادي الذي أعقب خروج بترول دولة الجنوب وتدمير آبار النفط في هجليج وغيرها من البنود.. الميزانية المشار إليها الآن كما ذكر وزير المالية إنها تعتمد على موارد حقيقية فصلها في التقليل من الإعفاءات الضريبية ومحاصرة عمليات التهرب الضريبي، وأضاف إليها هذه المرة تحصيل رسم إتحادي على ترخيص المركبات ومراجعة رسوم الخدمات، الملاحظ إلى هذه البنود التي وصفها الوزير بأنها موارد حقيقية يجدها موارد سهلة ومضمونة وحقيقية، لأن تحصيلها يتم مباشرة من المواطن سواءً أكان هذا المواطن مستثمراً أو مواطناً عادياًَ مستهلكاً لذلك تظل موارد حقيقية، ولكن في تقديري هناك موارد أخرى حقيقية يمكن أن تساهم في دعم الميزانية تحتاج فقط لإرادة سياسية ولقرارات جريئة، ولآليات تنفيذ فاعلة وأعني بذلك شيئين: الأول هو التجنيب الحكومي لموارد الدولة والذي تقوم به بعض الوزارات ذات النفوذ، ولعل القصة التي رواها وزير المالية نفسه لها مدلول سياسي وإقتصادي مهم، حيث ذكر إن شرطي المرور استوقفه وأخذ منه مبلغاً من المال مخالفة بأورنيك ليس له علاقة بأرنيك 15 الذي يورد لوزارة المالية، ومع ذلك لم يعترض الوزير وهو يعلم أن هذا مال مجنب، والشئ الثاني هو الشركات الحكومية التي تستنزف الكثير من أموال الدولة دون أن تضخ المال في الخزينة العامة، الأمر الذي يبعد وزارة المالية تماماً عن سيطرتها على المال العام في هذا الجانب، ليس بالطبع هاتين القضيتين التجنيب والشركات الحكومية، وإنما هناك أشياء أخرى كثيرة يمكن أن تساعد الدولة في تحقيق إيرادات دون اللجوء إلى الحلول السهلة التي ضحيتها المواطن مباشرة، فالحديث الذي كتبنا عنه قبل يومين أن الولايات قد أطلقت يدها في إستيعاب الدستوريين الذين تعفيهم الخرطوم يمثل موضوع في غاية الأهمية، ويشير إلى أمرين الأول هزيمة الولايات لسياسة الدولة الكلية والثاني إضعاف قرار التقليل من الإنفاق الحكومي. حسناً فعل البرلمان الآن بفرضه لرسوم ترخيص العربات والزيادة التي تتراوح ما بين خمسين إلى مائتي وخمسين جنيه، ولعل وزارة المالية عندما أقرتها تريد بها تعويض الدعم الذي تقدمه للمحروقات من خزينة الدولة، فلا فرق كبير في زيادة رسوم ترخيص المركبات أو زيادة أسعار المحروقات، فجميعها ستؤدي إلى إرتفاع أسعار الخدمات التي تقدم بواسطة وسائل النقل خاصة كانت أم عامة. تقدم وزارة المالية هذا المقترح ويرفض وزيرها، كما جاء على لسان إتحاد نقابات عمال السودان، يرفض بشدة أي حديث عن زيادة لمرتبات العاملين بالدولة دون أن تزيد وزارة المالية أسعار بعض السلع الإستراتيجية، الأمر الذي نراه يناقض تماماً مبدأ تخفيف العبء عن المواطن وحتى الزيادة المفترضة في المرتبات لا أظن إنها ستفي بالغرض، لأن أي حديث عن زيادة المرتبات في الدولة سيضاعف أسعار السلع عشر مرات. وآلية السوق معلوم من يتحكم فيها في ظل غياب السلطات الرقابية والأجهزة الحكومية الأخرى، وما تجربة إرتفاع سعر السكر خلال الفترة الماضية إلا نموذجاً لإنفلات السوق وسطوة التجار والسماسرة في ظل غياب الرقابة والمحاسبة يجب على وزارة المالية ألا تبحث عن الحلول السهلة وتترك ما ظاهر بالضرورة.