عدم ردها على "رسالة الواتساب" مثلما عودتني دائما كان دليلا على اشتداد الباس وانفجار الأوضاع فى الفاشر الجريحة الصامدة ، لم تتأخر يوما فى اجابتها عن سؤالي وهي تبتدر الرد بقولها، "عليكم السلام اهلا اخوي محمد".. قبل أن تجيبني بشأن معلومة أو خبر من ارض المعركة، كان تفعل ذلك مع " صحيفة الكرامة" وتحرص على أن تكون الفاشر حاضرة وسط الصفحات.. المرة الأخيرة لم تكن اختي الشهيدة المراسل الحربي رقيب اول اسيا الخليفة قبلة فى موعد تواصلها المعهود بما جعلني أشعر بقلق مضاعف على "الفاشر ابوزكريا"، فحينما سكتت اسيا تلاشى اليقين ، وصرت اتحسب لاسوأ الاحتمالات ، كانت تبث فينا الطمانينة رغم أنها تعيش فى قلب المأساة وتمضي حياتها وسط النار والركام ، يحاصرها الموت من الاتجاهات الثمانية. ولطالما تساءلت عن سر هذه الفراسة والبسالة التى تستعصي حتى على الرجال فى مناطق العمليات الساخنة، كانت اسيا هي الصوت الذى يربط افئدتنا واسماعنا بالفاشر، شعبها وجيشها ومعاناتها تحت الحصار الذى طال، وسرعان ما تحولت إلى أحدى العلامات البارزة فى مسار معارك الكرامة، لم تغب يوما عن رصد يوميات الحرب، أو تختبئ خلف مسؤولياتها الكبيرة وهي أرملة لشهيد، تربي ابناءه وبناته، ولم يستغرقها يوما التفكير فى ولديها فلذى كبدها وهما فى خطوط النار، عاشت راكزة وثابتة كالجبال تنقل للعالم أجمع بالصوت والصورة وقائع المعارك التى لم يصمت أزيزها يوما. كنا نستشعر في طبقات صوتها الذى لم يبهت أو يتحشرج أو يرتجف يوما أوضاع المدينة الصابرة تحت الموت والجوع والحصار، الشهيدة اسيا الخليفة مثلت الثابت وسط متغيرات يومية لم تسلبها القدرة على الرسوخ فى ذاكرة الفراسة والمعارك . هي ام مثالية، ومقاتلة شرسة، وإعلامية متمكنة ، معلمة وشاعرة وكادحة صابرة تمضي لأداء رسالتها باخلاص وثبات، عاشت اسيا وطنية من طراز نادر ، ينهض فى جيناتها حب السودان، وتدمن معزة الفاشر، وتعشق جيش الوطن ، كانت سيدة للكلمة والمايكرفون، جرى فى دمائها حب المهنة واستطاعت أن تمثل مدرسة فى الإعلام الذى يزاوج بين حداثة المنهج والمحتوى وعراقة التوجيه المعنوي، فوصلت رسائلها إلى الجيش والمواطنين فى أن واحد، ومثلت لوحدها كتيبة مقاتلة ومتقدمة ، تحارب الشائعات وترفع المعنويات وتوضح الحقائق وتنقل الوقائع بثبات واطمئنان خلق جسرا من المحبة بينها والشعب السوداني الذى كان يبحث عن صوتها فى كل حين لتضعه فى الصورة وتضئ فى دواخله عتمة الشائعات وتهزمها بنور الحقائق التى ظلت ملازمة لتجربتها فى الاعلام الحربي.. ليس بغريب أن يبحث عنها الجنجويد بمجرد وصولهم الفاشر فقد كانت رمزا فى معارك المدينة، وقد طالبوا بها لكن استبسال جنود الفرقة السادسة منعهم من الوصول إليها حتى لقوا الله جميعا تتقدمهم اسيا قبلة وقد ظلت تنافح عن أرضها وعرضها حتى ارتقت روحها الطاهرة.. اشد ما يوجعني أن اسيا لن تحضر تحرير الفاشر الذى حلمت به كثيرا لكن روحها ستظل ملهمة لجحافل المقاتلين فى صيحتهم ياخيل الله اركبي، سيظل حلم اسيا دينا واجب السداد، فقد كانت تتوق لليوم الذى يفك فيه حصار الفاشر وتعود كامل اراضي دارفور لسيادة الجيش وحضن الوطن العزيز.. الا رحم الله اختي اسيا الخليفة قبلة وجعل البركة فى ذريتها والهم الها وذويها وأسرتها الصغيرة الصبر وحسن العزاء وانا لله وانا اليه راجعون…