مجلس رابطة مدينة الثورة الرياضية يقرر تجميد نشاط نادي الهدايا ببورتسودان    أمم إفريقيا أول خطوات ليفربول لإبعاد صلاح    دراعة للأدب والطاعة    تحكيم سوداني لمباراة بيراميدز المصري وريفرز يونايتد النيجيري بقيادة شانتير    المعركة ليست عن الأشخاص... إنها عن رمزية الجيش وبقاء الدولة    الأهلي ممثلاً رسمياً لاتحاد كوستي في منافسة كأس السودان القومي    السودان..مقاطع فيديو تقود إلى اعتقال فتاة    شاهد بالفيديو.. "كازقيل" كاكي أخضر.. الجيش يواصل التقدم في كردفان ويستعيد منطقتين من مليشيا الدعم السريع    شاهد.. "القروش بتخلي البني آدم سمح".. جمهور مواقع التواصل بالسودان يواصل سخريته من المذيعة تسابيح خاطر بنشر صور قديمة لها قبل ظهورها في الإعلام    والي الجزيرة يكشف عن خطة إسكان جديدة لأسر الشهداء    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تنفجر غضباً في وجه رجل كبير في السن بسبب سيارتها الفارهة والجمهور يدافع عنها    الخلية الأمنية تقبض على معدات متطورة لتزوير العملة بحي المعمورة بالخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. بعد أن سألها على الهواء مباشرة "انتي مرتبطة؟".. الفنان المصري سعد الصغير يعرض على "مونيكا" الزواج والمطربة السودانية ترد عليه (انت عايز تأكل بس)    شاهد بالصور والفيديو.. بأزياء مثيرة للجدل.. زوجة فنان الثورة السودانية تشعل مواقع التواصل في أول ظهور لها على السوشيال ميديا والجمهور يسخر: (دي القروية الكنت بتغني ليها؟)    شاهد بالفيديو.. الفنان المصري سعد الصغير يثير غضب السودانيين أثناء ترحيبه بالفنانة "مونيكا": (أنا أعرف أن السوداني لازم يبقى أسود أو أسمر لكن من السودان وبيضاء أزاي مش عارف!!)    خسارة مصر أمام أوزبكستان تدق ناقوس الخطر    عامر حسن عباس يكتب: الامارات تسعى لإجبار دولة جنوب السودان لدخول الحرب .    ضربة روسية قوية بصواريخ كينجال على مواقع عسكرية حساسة في أوكرانيا    من هوانها علي الدنيا والناس أن هذه المليشي المتشيخ لايعرف عن خبرها شيئاً .. ولايعرف إن كانت متزوجة أم لا !!    الالعاب الإلكترونية… مستقبل الشباب في العصر الرقمي    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    تعادل الإمارات والعراق يؤجل حسم بطاقة المونديال إلى موقعة البصرة    إظلام جديد في السودان    تحذير من استخدام الآلات في حفر آبار السايفون ومزوالة نشاط كمائن الطوب    روبيو يدعو إلى وقف إمدادات الأسلحة لقوات الدعم السريع السودانية    نجم ريال مدريد يدافع عن لامين يامال: يعاملونه مثل فينيسيوس    لافروف: أوروبا تتأهب لحرب كبرى ضد روسيا    المنتخب الوطني يتدرب بمجمع السلطان قابوس والسفير السوداني يشّرف المران    اتحاد أصحاب العمل يقترح إنشاء صندوق لتحريك عجلة الاقتصاد    غرق مركب يُودي بحياة 42 مهاجراً بينهم 29 سودانياً    أردوغان يعلن العثور على الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    والي الخرطوم يعلن عن تمديد فترة تخفيض رسوم ترخيص المركبات ورخص القيادة بنسبة 50٪ لمدة أسبوع كامل بالمجمع    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    شاهد الفيديو الذي هز مواقع التواصل السودانية.. معلم بولاية الجزيرة يتحرش بتلميذة عمرها 13 عام وأسرة الطالبة تضبط الواقعة بنصب كمين له بوضع كاميرا تراقب ما يحدث    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جاك ديريدا وسيرة اللامنتمي …… د. إسماعيل مهنانة
نشر في حريات يوم 26 - 12 - 2014


الهويّة والسّرد وتجربة التخوم
يصعب القول أن حياة جاك ديريدا كانت انعكاسا لفكره، أو فكره انعكاسا لحياته، فالواضح أن الرجل وفكره يقفان كوجهين لمرآة «آليس». بقدر ما كانت حياته متشظية بين الانتماءات والتخوم وسرديات الهويات، بقدر ما جاءت فلسفته تفكيكا لدوغمائية الانتماء والوطن والهوية الواحدة.
د. إسماعيل مهنانة
ينتمي ديريدا إلى ذلك الجيل العجيب من «الأقدام السّوداء» ممن وُلدوا وترعرعوا في الجزائر ليجدوا أنفسهم بغتة في مهب أقدار التاريخ التي تسوقهم إلى باريس يصنعون مجدها الثقافي، ومنهم ألبير كامي، لوي ألتوسير، جان فرانسوا ليوتار..الخ.وبقيت الجزائر محفورة في نصوصهم كخلفية حنينية حالمة بكل ما تحمله ذكرى الطفولة من زخم وحضور.
لم يكن ديريدا فرنسيّا تماما، ولا يهوديّا مكتمل الأسطورة، ولا جزائريّا مُخترَعا على وجه المستقبل، ولم ينخرط في حركة6819انخراطا كلّيا. في «آلجي نهاية الحرب الرّمادية»، طُردَ الطالب المشاغب «ليفي»من ثانوية بن عكنون، اشتغل مساعدا لأبيه كسائق شاحنة ثم هاجر لإكمال دراسته. في باريس لم يتحمل أعمدة السّوربون والكوليج دي فرانس ذكاء فيلسوف يهوديّ ملتبس الانتماء بينهم فطردوه إلى جامعة ييل/امريكا. عاد «جاكي» يمتطي شهرة أمريكية، ويرفع مطرقة نتشوية حادّة، عاش على تقويض حنين خفيّ يجهل مصدره، ومات مخلفا عشرات الكتب (و120 غليونا): ليس إلا الرماد أثرا لعبور الصوت الحي في نفق الكينونة. في الذّاكرة ندبة اسمها «آلجي» وهو يروي: « كان هناك على وجه التقريب من صغار الجزائريين ما يساوي عدد التلاميذ الفرنسيين «المؤصلين» لكن في معظم الحالات كان الجزائريون لا يتابعون الدراسة؛ لا في المدرسة الثانوية ولا في الجامعات وهنا تكون الحالات أندر بكثير» (ماذا عن غد؟ ص 200)
تقوم تفكيكية ديريدا على مطاردة ميتافيزيقا المركزيّات والتقوقع الشوفيني ومخدّر الانتماء لكي تفتح الوجود الإنساني على حساسية جديدة من «الغرابة المقلقة» لمنفى الكينونة والقيّم الكونية التي تؤسس لنزعة إنسانية محضة. تحيل «استراتيجية التفكيك» كل الذّاتيات المُتنازعة التي تحكم عصرنا إلى سلسلة علامات، متوالية من الدوال مقطوعة الارتباط بمدلولها. كما يشتغل التفكيك على مراجعة «سرديات الأصول» ونصوص الهوية وأساطير الغيتوهات المجتمعية وإعادتها إلى حدودها التاريخية وشرطها الأدبي. فالتقسيمات الدوغمائية للجماعات البشرية إلى: ساميّة/ آرية، أفارقة/ أروبيين، عرب/يهود، تغدو في قراءات ديريدا الثاقبة مجرّد سردِ أدبي تمّ ترسيمه إيديولوجيا وسيّاسيّا، ويمكن لاستراتيجية التفكيك أن تكشف بسهولة عن تناقضه وتهافته وعنصريته.
ليس المنفى في المكان والوطن إلا ظلاّ لمنفى أنطولوجيّ أضحى قدر الإنسان المعاصر، لم يحاول ديريدا التشبّث بأي بيتٍ وجودي، بقدر ما عاش وفيّا لفلسفته في التعدد والاختلاف وحياة التخوم، فقد عاش في مدن كثيرة وأحبّها، وكتب بلُغاتٍ عديدة، (الفرنسية، الإنجليزية، الاسبانية) واشتغل على نصوصٍ كثيرة ومتنوّعة.. وهو المعنى العميق لإتيقا الضيافة التي تبشّر بها فلسفته. لقد ظلّت نصوصه وكتاباته مستعصية عن كل تصيف، أو تنميط صحفي اختزالي ولم تكن وفيّة إلا لنفسها بوصفها كتابةً. الكتابة سجلّ الكينونة، يقول ديريدا.
تفكيك السرد وتخوم النص
يحتلّ الاشتغال على تفكيك السرديات الكبرى والصغرى مكانة مركزية في المتن الديريدي، فالسرد هو إحدى أهم وأكبر مصادر الشرعية لكل الممارسات السياسية والأخلاقية في عصرنا. رغم ما قطعته الحداثة الغربية من أشواط تقدمية في مسائل الحقوق الفردية والجامعية، لا تزال سرديّات الهوية والأصل والمركز تلقي بظلّها على الكثير من السلوكات والاعتقادات والكتابة خاصّة، لهذا اشتغل جاك ديريدا على تفكيك السرديات واعطاء النموذج التفكيكي في تشتيت سطوة هذه المركزيات.
يتقوّم الموقف الفلسفي الأساسي لديريدا على التموقع في استراتيجة تفكيك محايثة للنصوص الفاعلة تاريخيا والتي تتحكم في سلوك ومصائر البشر بشكل مستمرّ وتكراري، فالموقف الأخلاقي المبطن لكل تفكيك ينطلق من واقع أن النصوص تتسم بسمة الإنجاز بعدا أساسيا في كل النصوص، وخاصة الكبرى منها، ولا توجد نصوص معزولة عن الفعل السياسي والثقافي ولا فعل معزول عن نص خلفي.
تبقى الخلفية الأنطولوجية التي تنطلق منها استراتيجيات ديريدا محورا ثرّا للتفكير وهي نتيجة مباشرة لقراءته المبكّرة لهيدغر، حيث أنزل الكينونة محل النص. فالتجلّي التاريخي للوجود يتزّمن في النصوص الكثيرة التي تغدو، بعد التفكيك، نصّا واحدا للذاكرة الإنسانية. وهنا يمكن القبض على تزمّن الدازاين الهيدغري داخل فعل الكتابة والقراءة، فالكتابة بما هي فعل تزمين للصّوت الحي تُثبّت الحضور في تاريخ الكينونة غراماطولوجيا، كما أن القراءة تعيدُ نفخ الصوت الحي في جسد النصوص الميتة. إن استراتيجية ديريدا في تفكيك هذا الحضور تقوم على مرتكزات نذكرها كالآتي:
إن أولى مرتكزات هذا التموقع هو تفكيك الحدود الابستمولوجية الكلاسيكية بين «النص الفلسفي» والنص الأدبي»، وهي حدود تمركز ميتافيزيقي رسّخها التقليد الفلسفي منذ أورغانون أرسطو الذي فصل فصلا قاطعا بين «النص البرهاني» الذي يقوم على الاستنتاج المنطقي الدّقيق، وبين «النص الخطابي» الذي يحاجج بمنطق الإقناع والأسلوبية مع تراتبية تضع الأول فوق الثاني، المنطقي فوق الخطابي، الفلسفي فوق الأدبي، الشعري فوق النثري، «فالمرجع بالنسبة للحقيقة مقرر سلفا بالمعنى ولكن المعنى متعلق بالكتابة البدئية بوصفه اختلافا متواصلا للدلالات، ولهذا فإن (الغراماتولوجيا) ترى أن ليس هناك شيء قبل اللغة أو بعدها. فمفاهيم الحقيقة والعقلانية ما هي إلا من نتائج المجاز والاستعارة» وقد بقيت التراتبيات متوارثة بين الفلاسفة إلى غاية نيتشه الذي دشّن طريق التموقع في تفكيك هذه التراتبية بأسلوبه في التفلسف بالمطرقة، وهذا ما يفصّله ديريدا في كتاب»المهماز».1
ثاني مرتكزات التموقع هو تفكيك الحدود بين الأجناس الأدبية. فقد ظلت تراتبية التجنيس تمارس هيمنتها على النص الأدبي منذ اليونان، يحلل ديريدا ذلك في تفكيكه ل «اعترافات» روسو التي تقدّم نفسها بوصفها شهادة تاريخية للإنسانية تختلف وتتميّز عن السرد الروائي بما تحمله من «صدق» البوح، مقابل ما يقوم عليه السّرد الروائي من خيال بعيد عن واقعية السيرة الذّاتية، لكشف ديريدا أن روسو في اعترافاته يُمسرح الذّات/ذاته كبطل روائي لا يختلف عن أبطال القرن الثامن عشر من «فيرتر» غوته. وهكذا فكلّ كاتب يمسرح في الحقيقة ذاته بطريقة ما في نصّه وعلى التفكيك أن يكشف تلك الطريقة ويستحضر أثرها، وهو ما ينطبق على ديريدا نفسه كما قالت له هيلين سيكسو:»إن استئناف الكلام هذا هو مَسرحةٌ théâtralisation لما قمت باخراجه في البدء. أنك تضاعف فعل المسرحةِ. أنتَ ممثلُ لذلك الذي أنتَ عليه كمؤلف. تضاعف نفسك -بكل المعاني».
وكذلك يواصل ديريدا تفكيك الحدود بين الشّعر والنثر، بين القصّة والرواية، بين المسرح والرواية، من خلال الاشتغال على نصوص موريس بلانشو، جيمس جويس، أرطو ، روسين وجورج باطاي.
ثالث مرتكزات التموقع الديريدي، هو تفكيك الحدود بين السّرد التاريخي والسّرد الأدبي، خاصة داخل النصوص الدينية.يدعو ديريدا إلى النظر والتعاطي الفلسفي مع القصص الديني الذي تقدّمه الديانات التوحيدية الثلاث بوصفه أدبا لا سردا تاريخيا، ومعظم الروايات التي يعتمدها المؤرخون كُتبت وتواترت بلغة أدبية لإشباع ذائقة جمالية ما. إن المؤرّخ مهما كان وفيّا لمعطياته الأركيولوجية والأرشيفية أو الذاكرة الشفوية، فإنه في فعل كتابة التاريخ سرعان ما ينزلق إلى ترتيب الأحداث داخل الحبكة السردية للزمن. كما أن الروائي مهما سبح في نسج عوالمه السردية يجد نفسه يترك وثيقة، نص، سردية، وشهادة أدبية عن عصره ومعطياته.
رابع مرتكزات تفكيك السّرد هو تفكيك فرضية الصّوت الواحد المتكلّم داخل الحكاية أو القصة أو الرواية أوي نصّ آخر مهما ادّعى ذلك، فالكاتبُ أيّا كان، وهي يكتبُ نصّه يطرحُ ذاته كوسيط صوتي تعبرُ من خلاله أصوات كل الذين قرأهم ونسيهم أو يحاول تذكّرهم، ووينفضح ذلك مباشرة على نصّه المكتوب. في الكتابة يستجمع الكاتب كل قواه لاختيار الكلمة المناسبة ويلقي بها إلى النص مُلقيا ذاته في اختياره كإمكانية وجودية صرفة، الكتابة فعل وجود.في نص غير المسبوق عن أرتو Artaud، يقول أن»الكلام المبهور" La Parole soufflée، بما ينطوي عليه الانبهار من معنى مزدوج : كلام مبهور/معطى من قبل واحد آخر وكلام مخطوف ومختلس. كلانا يدع نفسه يؤخذ بطيران الكلمة : فعل إطلاق الكلام هذا الذي يشبه انقذاف العصفور أو النفثةِ: ترك الشيء الذي كان قد عبرَ ينطلقُ. كيوغرافيلو-صوف chorégraphilo-sophe، فرقة إنشاد، كورس، أنك تجعل النص يرقص رقصة الفالس، يستدير، يتزحلق ويرقص الراب حتى متناسقاً مع درجة فكرك الدقيق للغاية والمُباغت أيضاً. تحليق نصوص…»
المرتكز الخامس لاستراتيجية ديريدا هو تفكيكه الحدود بين الكتابة والترجمة، فكل كاتب هو مترجم بالضرورة وكل مُترجم كاتب مبدع لنص أصيل أيضا، تحتل الترجمة مكانة مركزية في تفكيك نصوص الكينونة وإحالته إلى نص واحد كبير هو نص الانسانية، فالوضع البيوغرافي لديريدا نفسه يضعه مترجما بين كل هذه التخوم اللغوية والانطولوجية للهوية، كونه ينحدر من ارض تسمى الجزائر لم تعد أرضه/لغته، يكتب بلغة فرنسية ليست لغته الأم، وينتمي إلى طائفة يهودية لا يستعمل لغتها.. ثم يسافر إلى أمريكا لكي يدرّس بلغة عالمية هي الانجليزية يتقنها وليست لغته. هذا ما يضعه في موضع المترجم بين كل هذه اللغات مهما كان وفيّا للكتابة بلغة واحدة. «أنا أطالب بهذا الانقسام المقتلع للجذور، فأنا لا أعتبره شرا مطلقا، نعم فيه معاناة لكنه يساعد على الانعتاق»**2
ولمسألة الترجمة أبعادٌ تفكيكية كثيرة خاصة فيما يتعلّق بتفكيك الهويات الناجزة والنصوص التأسيسية المتحكمة في الواقع، بحيث يكشف التفكيك الديريدي أنه لا توجد أية نصوص منغلقة على لغة أحادية مهمّا ادّعت ذلك، أو جعلته احد أبعاد هوّيتها، فكل النصوص الإنسانية والمقدّسة منفتحة على لغات كثيرة، وتضع بالتالي قائلها أو كاتبها أو جامعها في موضع المترجم، كما أن النصوص كلّها تُخفي في طيّاتها نصوص أخرى، قد تكون من لغات أخرى، مثل الأساطير في تماثل البنيوي فكل أسطورة تُخفي وتتم وتعيد أسطورة أخرى قد تكون لشعب آخر.
المراجع:
1 – جاك ديريدا، المهماز، ترجمة عزيز توما، دار الحوار، دمشق، 2010
2 **جاك ديريدا إليزابيث رودينسكو/ ماذا عن غد؟ تر: سلمان حرفوش: ض دار كنعان، دمشق، 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.