الأحد 13 مارس 2011م…. تزلزل كياني كله، وتمنيت أن لوخسفت بيّ الأرض، حتى لا أكون شاهدة على هذا الموقف الفظيع الذي أرتجفت له الأبدان وبلغت القلوب الحناجر!!!. فقد سبق وأن رأيت الكثير من الغرائب والعجائب التي حدثت من مسئولين فى سجن كوبر!!!!، ولكن ما حدث أمامي الآن، قد فاق حد كل وصف وخيال!!!!!، وجعلني أشعر أنه قد طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، وأنه ليس في الإمكان أسوأ مما حدث وكان!!!!، وأن ليس بعد الكفر ذنب!!!!!. دخلت السجن لزيارة أبوذر، كعادتي، وتوجهت للاستقبال، لأسلمهم الموبايل والبطاقة الشخصية، وكان هنالك أناس أمامي ينتظرون!!!!!، وأثناء ذلك، سمعت شيخاً مسناً، وقوراً، يقول للملازم شرطة (المسئول والمشرف على الزيارة، وهو في أواخر الخمسينيات من العمر)، إنه يرغب في إدخال هذا المصحف لأبنه المسجون!!!!. رد عليه الملازم شرطة، إنه لا يسمح بإدخال هذا المصحف للسجن!!!!!!!. أصابني الذهول والدهشة لما سمعته!!!!!!. ثم ثارت ثائرة الشيخ المسن، وقال متسائلاً، للملازم شرطة، كيف يعقل أن يرفض إدخال كتاب الله سبحانه وتعالى؟؟؟؟!!!!!. أعترض الملازم شرطة على حديث الرجل المسن، وقال له بغضب وانفعال، إن هذه هي القوانين!!!!!!. واصل الشيخ المسن، حديثه بصوت مملوء بالأسى والحزن، في محاولة إقناع مستميتة، وقال: إن هذا هو كتاب الله، ومن غير المعقول رفض إدخاله!!!!!، وما كان من الملازم شرطة إلا أن ثار غضبه، وقذف بالمصحف بعيدأ حتى سقط أرضاً!!!!!!. أحسست بأن قلبي قد انخلع، ووقع من بين أضلعي!!!!!، وسمعت من يقول: يا راجل، حرام عليك!!!!!!!، وصدرت همهمات خافتة، تفصح عن اعتراض على مسلك وتصرف الملازم!!!!!. نظرت للشيخ الوقور، وشعرت أنه كمن أصابته صاعقة، فقد جحظت عيناه، ولهثت أنفاسه، وأرتجف بدنه، وصار يصفق بيديه، ويهز برأسه!!!!!!. انتبهت إلى صوت الملازم شرطة، وهو يقول بلهجة آمرة، في تحدٍ سافر ولؤم: اتفضل شيل مصحفك ده، وأمشي لينا من هنا!!!. لم يتمالك الشيخ الوقور نفسه، وصرخ قائلاً: حسبي الله ونعم الوكيل، فيّك!!!!!، كيف تقذف بكتاب الله المقدس بهذه الطريقة!!!!!!!، وانحنى الشيخ المسن أرضاً والتقط المصحف ثم مسح عنه غبار الأرض بكم جلبابه، وقرب المصحف إليه وأحتضنه بكل عطف وحنو، حتى أغرورقت عيناه بالدموع وهو ممسكاً بالمصحف!!!!!!، لم يملك الشيخ المسن سوى أن يهمهم بكلام غير مسموع وبصوت خافت، وكأنه يعتذر لمصحفه عما بدر من الملازم شرطة من تصرف!!!!!!. شعر الشيخ باليأس الشديد والإحباط، وبدأ يهم بمغادرة السجن، وفجأةً، التفت موجهاً حديثه للملازم شرطة وقد خنقته العبّرة: أسأل الله المنتقم الجبّار، أن ينتقم منّك في الدنيا قبل الآخرة، اللهم دمر أعداءك، وزلزل الأرض تحت أقدامهم!!!!!. لم أستطيع أن أتمالك نفسي، وشعرت أنه أوشك أن يغشى عليّ!!!!!، وأحسست بالرجفة تسري من أعلى رأسي إلى أخمص قدمي!!!!!!، وسمعت كل من كانوا حولي يهمهمون بكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) و (حسبنا الله ونعم الوكيل)!!!!!!!. نظرت إلى الملازم شرطة، وتمنيت في دواخلي أن يبادر ويعتذر للشيخ الوقور ولجمع الواقفين عما بدر منّه من إساءات!!!!!!، ولكني، رأيت الشرر يتطاير من عينيه، وكان مازال يتفوه بكلمات بذيئة، ويمعن في التحدي والإذلال لجمع الواقفين، الذين ساءهم ما حدث، وعلت وجوههم أمارات الأستياء والأسى والإحباط الشديد!!!!!!!. حبست أنفاسي طويلاً، من هيبة الموقف، وتسمرت مكاني، وتحولت بنظراتي للشيخ المسن الوقور الذي ذهب مغادراً السجن، حاملاً مصحفه بيده والدموع تملأ عينيه!!!!!!، غادر وهو حسيراً، كئيباً ونظرات وجهه تنبئ وتشئ وكأنه قد فقد لتوه، عزيزاً لديه!!!!!!!!. أحسست أنه يبكي على ضياع القيم والتدني الأخلاقي، ويتحسر على الواقع الذي صدمه مكلوماً، بالتجرد من المبادئ والمُثل والعادات والأخلاق الطيبة!!!!!، فبعد أن خبّر الشيح الوقور قيماً مشتركة بين الناس، كانت تجمعهم وتؤطرهم، ويعرفون من أين تبدأ وأين تنتهي!!!!. أصبح يواجه خللاً واختلالاً في معادلة القيّم وموازينها، ويجابه بما لا يستطيع أن يجد له تفسيراً، ولسان حاله يقول: من أين أتى هؤلاء!!!!. وكان ذلك، مدعاة للحسرة والحزن والبكاء دون توقف!!!!. شعرت بالهم، والغم، والحزن، والكمد، والكرب، والأسف، والترح، والشجن والكآبة، وصرت أردد مثلما ردد من حولي “لا حول ولا قوة إلا بالله” و “حسبي الله ونعم الوكيل”.