محمد الحسن أحمد يبدو أن القرن الأفريقي على وشك الاشتعال في حروب لن توفر أية دولة فيه، وقد تمتد الى دول أخرى مما قد يدخل القارة بأسرها في متاهات وحروب قد تعرف بداياتها ولكن يصعب التكهن بنهاياتها. فحرب دارفور الممتدة منذ ثلاث سنوات أخذت انعكاساتها تتعدى حدود تشاد الى النيجر التي قررت فجأة طرد نحو «150» ألف عربي ظلوا يعيشون على حدودها مع تشاد منذ أكثر من عشرين عاماً بعد أن هجروا تشاد نتيجة لحروبها السابقة. والصومال المفتت أصلاً أخذت حروبه الداخلية تنعكس على كل دول الجوار المحيطة به سواء بتدخلها المباشر أو غير المباشر فيها، أو ادارة حروبها بالوكالة على أرض الصومال المشتعلة أصلاً، أو نتيجة لأطماعها المتجذرة في جزء من أرض الصومال. وفوق هذا وذاك يقترب سوء العلاقات الأثيوبية الاريترية من العودة الى اشعال حرب جديدة بين البلدين بسبب النزاع الحدودي الذي أدى الى الحرب السابقة مضافاً اليه مستجدات حرب الصومال وتدخلات الطرفين فيها بصور شتى. والمفاجأة في كل هذه الحروب والمستجدات هو دخول النيجر على الخط واعلانها بلا مقدمات طرد مائة وخمسين ألف عربي من قبائل المحاميد المنتشرة في تشاد والسودان أيضاً، والذين يعيشون في ولاية ديفا شرق البلاد. وقد أعلن والي ديفا انه (حان الوقت بأن يحزم العرب أمتعتهم وأن يعودوا الى بلادهم تشاد). بينما قال زعماء المحاميد: ان قرار حكومة النيجر يأتي على خلفية سياسية بسبب تدهور علاقاتها مع السودان، وتجدد الهجمات التي يشنها المتمردون في تشاد، ولكن السلطات المحلية في النيجر لم تفصح عن المبررات الحقيقية وراء قرارها المفاجئ. ورفض الزعماء العرب لقبائل المحاميد القرار وأعلنوا أنهم سيقاومونه وسيستخدمون حقهم في اللجوء الى القضاء لانصافهم ومنع الحكومة من تنفيذ قرارها الجائر. وقالت مصادر مسؤولة في الجامعة العربية ل (الشرق الأوسط) ان الجامعة ليست معنية بالقرار المفاجئ الذي اتخذته حكومة النيجر مشيرة الى أن الاتحاد الأفريقي هو الجهة التي يتعين عليها الاتصال بحكومة النيجر للاستفسار عن مبررات هذا القرار ومحاولة تجنيب القبائل العربية المقيمة هناك أي طرد أو تهديد بالترحيل! وفي ذات السياق تردد أن الزعيم الليبي معمر القذافي يسعى للتوسط لدى رئيس النيجر الذي يتمتع بعلاقات وطيدة معه لحثه على التراجع عن تنفيذ قراره بطرد السكان العرب. وأياً كان الأمر فإن تفاعلات موقف النيجر ما زالت في بداياتها، لكن يخشى أن يتطور الى ان يتحول الى صراع عربي - أفريقي على مستوى القارة، ولهذا يجب الاحاطة به وتطويقه وهو ما زال في المهد. ولا ينبغي للجامعة العربية ان تنأى بنفسها عن هذا الأمر البالغ الحيوية في مدار العلاقات العربية - الأفريقية المتداخلة أصلاً. أما على صعيد الأجواء بين السودان وتشاد فقد عاد اليها التوتر من جديد بسبب الاتهامات المتبادلة من الجانبين حول دعم المتمردين هنا وهناك، وتبدو تشاد هي الأكثر تورطاً بمساندتها للهجمات التي شنت ضد الجيش، ومع ذلك سارعت بتقديم شكوى ضد السودان لمجلس الأمن الأفريقي. ولابد أن يكون القرار الصادر من النيجر بترحيل العرب الى تشاد سبباً في ازعاج الحكومة التشادية التي تخشى من اختلال توازن الأعراق فيها إذا قدر لعرب النيجر الهجرة مرة أخرى الى تشاد، فضلاً عن خطر التهديد الذي قد يمتد ليشمل حروباً عربية أفريقية في القارة! وبين أثيوبيا واريتريا زادت حدة التوتر الى درجة تنذر باشعال الحرب مرة أخرى في أية لحظة بعد ان أعلن رئيس الوزراء الأثيوبي عن حشد عشرة آلاف جندي أريتري على الحدود مع اثيوبيا، وقال إن أثيوبيا لن ترد إلا إذا تعرضت للهجوم، لكنه أضاف ان الحكومة الاريترية هي المورد الرئيسي للأسلحة والمدرب للمجاهدين وسيكون من السذاجة افتراض ان الانتهاك الحالي للمنطقة الأمنية التي ترعاها الأممالمتحدة هو مجرد صدفة. وفي محاولة للربط بين الحربين بين اثيوبيا واريتريا، وبين الصومال واريتريا في مواجهة بلاده اعتبر زيناوي في تصريحات أكثر حدة: ان بلاده في حالة حرب من الناحية الفنية مع الاسلاميين في الصومال لكونهم أعلنوا الجهاد ضدها مشيراً الى ما وصفهم بالعناصر الجهادية بأنهم يسعون الى الجهاد ضد اثيوبيا كل أسبوعين تقريباً، وكذلك نحن من الناحية التقنية في حالة حرب، معترفاً بدعم اثيوبيا للحكومة المؤقتة في الصومال في نفس الوقت توسع المحاكم الاسلامية من بسط سلطاتها على المزيد من المدن الصومالية وتضيق الخناق على الحكومة التي تبدو شبه محاصرة في بيداوة التي تهدد أحياناً باجتياحها وأحياناً تلوح بالمهادنة ريثما تعقد الجولة الثالثة من مفاوضات الطرفين في الخرطوم والمقرر ان تبدأ غداً الثلاثاء. وإذا كانت مسألة قسمة السلطة تشكل عقبة كبرى في المصالحة بين الطرفين فإن مسألة نشر قوات من الاتحاد الأفريقي لبسط وحفظ السلام تعتبر أكبر العقبات لكون اتحاد المحاكم الاسلامية يرفضها رفضاً لا مساومة فيه، بينما مجلس السلم والأمن الأفريقي أقرها، وقد تولى قيادتها لدولة يوغندا التي تكفلت بارسال أربعة آلاف جندي مع الكلفة المالية لمدى ستة أشهر بانتظار رفع مجلس الأمن الدولي لحظر السلاح المفروض على الصومال. من طرف آخر ترعى الجامعة العربية المفاوضات السلمية بين المحاكم والحكومة المؤقتة ولكن هذه الرعاية لا تبدو انها متناغمة مع ما يقوم به الاتحاد الأفريقي من ميل أكيد الى جانب الحكومة المؤقتة دون اعتبار للمحاكم التي على ما يبدو هي القوة الأساسية التي تتحكم على الأرض في معظم المدن. وهناك بالطبع تخوف دولي من سيطرة المحاكم الاسلامية على الصومال ومن ان يصبح الصومال قلعة للارهابيين على شاكلة جماعة القاعدة، ولهذا لوحت الولاياتالمتحدة بزيادة عدد القوات الأمريكية في القرن الأفريقي لمنع تحول المنطقة الى «ملاذ آمن» للارهابيين. في ضوء كل هذه المستجدات والتداعيات ونذر الحروب الآتية فإن القرن الأفريقي كله مرشح لحريق كبير قد تمتد ألسنته الى ما بعده