ضبط عدد 12 سبيكة ذهبية وأربعة كيلو من الذهب المشغول وتوقف متهم يستغل عربة دفار محملة بمنهوبات المواطنين بجسر عطبرة    والي النيل الأبيض يزور نادي الرابطة كوستي ويتبرع لتشييّد مباني النادي    حميدان التركي يعود إلى أرض الوطن بعد سنوات من الاحتجاز في الولايات المتحدة    الكشف عن المرشحين للفوز بجائزة الكرة الذهبية 2025    اعفاءات من رسوم السكن والتسجيل بالداخليات لأبناء الشهداء والمشاركين في معركة الكرامة    لجنة أمن ولاية الخرطوم تشيد باستجابة قادة التشكيلات العسكرية لإخلائها من المظاهر العسكرية    عزيمة وصمود .. كيف صمدت "الفاشر" في مواجهة الهجوم والحصار؟    مناوي يُعفي ثلاثة من كبار معاونيه دفعة واحدة    نادي الشروق الأبيض يتعاقد مع الثنائي تاج الاصفياء ورماح    فترة الوالي.. وفهم المريخاب الخاطئ..!!    شاهد بالفيديو.. بالموسيقى والأهازيج جماهير الهلال السوداني تخرج في استقبال مدرب الفريق الجديد بمطار بورتسودان    شاهد بالفيديو.. جمهور مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان يسخر من الفنان محمد بشير بعد إحيائه حفل "ختان" بالعاصمة المصرية القاهرة    بالصور.. تعرف على معلومات هامة عن مدرب الهلال السوداني الجديد.. مسيرة متقلبة وامرأة مثيرة للجدل وفيروس أنهى مسيرته كلاعب.. خسر نهائي أبطال آسيا مع الهلال السعودي والترجي التونسي آخر محطاته التدريبية    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    شاهد بالصورة والفيديو.. سيدة سودانية تطلق "الزغاريد" وتبكي فرحاً بعد عودتها من مصر إلى منزلها ببحري    حادث مرورى بص سفرى وشاحنة يؤدى الى وفاة وإصابة عدد(36) مواطن    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس يصل مطار القاهرة الدولي    يؤدي إلى أزمة نفسية.. إليك ما يجب معرفته عن "ذهان الذكاء الاصطناعي"    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور يوليو حرارة على الأرض    عمر بخيت مديراً فنياً لنادي الفلاح عطبرة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    التفاصيل الكاملة لإيقاف الرحلات الجوية بين الإمارات وبورتسودان    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وداعا .. شيختي مريم جميلة! محمد وقيع الله (1 من3)

أخيرا رحلت عن دنيانا المفكرة الإسلامية العالمية، وكبرى المفكرات الإسلاميات طرا، الأستاذة مريم جميلة، رحمها الله تعالى.
صبية إسرائيلية نيو يوركية، عافت ما ألْفت عليها من ضلال، وفكر ديني علماني ممسوخ، فطفقت على حداثة سنها تبحث عن بديل.
انتمى أبواها إسميا إلى الملة اليهودية، بينا بقيا على ممارسة الحياة على النهج الاجتماعي العلماني.
ثم شاءا أن يطعما عقائد الدين اليهودي النظرية، بفكر فلسفي وضعي مادي.
ثم انتهى بهما الجهد إلى هجر ديانتهما، رغم تلوثها البادي، وانتحال النصرانية دينا، لأنها بدت في أنظارهما أكثر تلوثا وتشربا وانفعالا بتراث الفكر الوضعي العلماني!
شهدت الصبية كل هذا الزيف، الذي لم ينطل عليها، وأجمعت أمرها على أن تكافحه، وأن تبحث عن بديل أصيل.
وهكذا كتب عليها أن تخوض، منذ الريعان، أُتُّون صراع فكري وجودي، كان أعظم من إمكاناتها وأدواتها في البحث والتقصي والتحليل.
وربما لهذا انتهى أمرها إلى قريب من اليأس والقنوط في الوصول إلى سبيل ذي نور هادي، وأصيبت بشبه انهيار عصبي، بدأت بعده رحلة طويلة بحثا عن شفاء.
وقد وصفه حالتها المتفرده هذه البروفسوران الكبيران جون فول وجون سبوسيتو بأنها حالة طفلة غير عادية:" سارت بها توجهاتها الفكرية والدينية مسارا مناقضا لتوجهات الثقافة التي نشأت فيها ".
النور الهادي
ولكن ما لبث سبيل الإسلام أن انفسح أمامها رويدا رويدا لدى مطالعتها كتب المستشرقين بمكتبة نيو يورك العامة.
وقد قرأت هذه المجاميع الضخمة من الكتب بوعي حصافة وحذق، حيث انتبهت إلى سوء مقاصدهم، وعجبت من إصرارهم على نقد هذا الدين بالذات، والتطاول عليه، والعمل على الغض من قدره.
مع التهاون وغض النظر، في الوقت نفسه، عن مثالب غيره من الأديان الشرقية، والتعاطف معها في بعض الأحيان.
واستغربت استخدام العلماء الذين يدعون الموضوعية والحياد والتجرد، لمنهجين مختلفين في دراسة موضوع واحد، هو موضوع الدين.
فزاد إصرارها على تقصي موضوع الدين الإسلامي، وبحثه في مصادر أخرى قد تكون أقرب إلى القسط والحق.
ضد إصلاح الدين
وراسلت عددا من الشباب من ذراري المسلمين، الذين تعلموا في الغرب ولوثتهم ثقافته، وغدوا ينظرون إلى دينهم نظرة استعلائية، نقدية، انتقائية، و(جَعَلُواْ الْقُرْآنَ عِضِينَ).
وهو النهج المعوج نفسه، الذي كانت قد أخذته على أسرتها، وعلى قومها من بني إسرائيل، الذين سموا بالإصلاحيين، الذين راموا إصلاح الديانة اليهودية، لتماشي الثقافة العلمانية وتنسجم معها، ولم يعملوا على إصلاح ذواتهم لتنسجم مع الدين.
وقد ذكرت مريم جميلة خبر هذه الذرية الإسلامية المتفلتة، في مقدمة كتابها الذي احتوى مراسلاتها مع شيخ الإسلام الإمام المودودي، قائلة:" ولم أستمر فى مراسلة كثير من هؤلاء أصدقاء القلم طويلا، لأنى ضجرت منهم بسرعة وبمرارة لطريقة معيشتهم الغربية ولا مبالاتهم بل عداوتهم للإيمان بالإسلام وثقافته، فى بعض الأحيان، مع أفكارهم الطفولية ".
وقررت من ثم أن تخاطب علماء الإسلام أولي الشأن في ذلك الزمان، وفي مقدمتهم الدكتور فاضل الجمالى، مندوب العراق السابق بالأمم المتحدة، والدكتور محمود حب الله، رئيس المركز الإسلامى بواشنطون، والإمام الشيخ محمد بشير الإبراهيمى، كبير علماء الجزائر، والدكتور محمد البابى من علماء الأزهر الشريف، والإمام محمد حميد الله الحيدرأبادي، الذي كان مقيما بباريس، والدكتور معروف الدواليبى، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة دمشق، ورئيس الوزراء السابق بسوريا، والدكتور سعيد رمضان رئيس المركز الإسلامى بجنيف.
مراسلة شيخ الإسلام
وتعرفت على الإمام المودودي، بعد أن اطلعت على مقالة ممتازة، للأستاذ مظهر الدين صديقى، بعنوان (الإسلام الطريق المستقيم)، ومقالة أخرى في مجلة (The Muslim Digest) انطوتا على إشارات إلى المودودي، تصور اتجاهه الفكري العام، فبادرت بالاتصال بالمجلة، لتزودها بعنوان الإمام في باكستان لتراسله وتتبادل معه الأفكار.
وفي هذا تقول مريم جميلة: سطرت خطابى الأول، وأنا لا أتوقع أكثر من رد مختصر، لتبادل العواطف والأفكار المشتركة. وبذلك لم أكن أتوقع أن تكون هذه المراسلات سيكون لها تأثير على الفترة الأكثر أهمية فى تاريخ حياتى.
لم يكن مولانا المودودى فى حاجة لحثى على تبنى الإسلام، حيث أنى كنت فعلا على أبواب التحول إليه، وربما أتخذ الخطوة النهائية حتى قبل أن تكتمل معرفتى به.
وكذلك فلم يمارس مولانا المودودى أى ضغط على للدخول فى الإسلام، فقد كنت أكتب مقالات دفاعا عن الإسلام، وذلك قبل سنة من تعارفنا وتبادل الرسائل.
كما أن المفاهيم الأساسية للإسلام تبلورت فى ذهنى بحزم، قبل تخاطبنا المشترك. على الرغم من ذلك، فنتيجة لهذه المراسلات، فقد اكتسبت زيادة واسعة فى المعلومات، مما أثر على كتاباتى، وأثر ذلك على عمقها ونضجها.
ولقارئ هذه المراسلات أن يرجعها إلى مناخها التاريخى ففى أمريكا، كان جون كيندى هو رئيس الولايات المتحدة، وقد وصلت الولايات المتحدة إلى مستوى لم يسبق له مثيل من القوة السياسية والرخاء الإقتصادى.
وقد بدأت الحرب الباردة بين روسيا أيام خورتشوف فى الاضمحلال.
وكان الرئيس فى باكستان هو أيوب خان الذى كان يحكم بلا منافسة، ولكى يدعم ديكتاتوريته، فقد فرض الأحكام العرفية، ومنع كل الأحزاب بما فى ذلك الجماعة الإسلامية.
وحتى فإن العلماء الأتقياء لم يتجاسروا على انتقاد السلطة العليا وتطبيقها للقوانين العائلية غير الإسلامية، ضد رغبة الغالبية العظمى من الشعب.
وبعد ثلاث سنوات ونصف من المعاناة النفسية غير المثمرة، وسنتين من العلاج بالمستشفى، فقد كنت أتحول من فترة طويلة من المراهقة الحزينة المليئة بالوحدة والإحباط.
وقد كنت أبحث عن نفسى ومكانى الصحيح فى هذه الحياة.
فقد كان من رحمة الله سبحانه وتعالى ورأفته بعباده، أن أعطانى فى هذه الفترة مولانا أبا الأعلى المودودى.
وأعطانى الفرصة لحياة مفيدة وغنية وأرضية مثمرة التى يمكنى أن أبنى عليها حياتى وأنميها وأنجزها إلى الأفضل.
وداعا .. شيختي مريم جميلة!
محمد وقيع الله
(2 من3)
كم يبدو مشوقا لهواة متابعة تاريخ الفكر أن مريم جميلة، تبنت خطا وخطابا فكريا محددا واضحا، حتى من قبل إسلامها، ثم ظلت ترابط وتثابر عليه، بعد أن أسلمت، بل دامت عليه إلى آخر عهدها بالحياة.
الدفاع عن الإسلام بلا اعتذار
هذا الخط هو خط الدفاع عن الإسلام، وحمايته من محاولات التمييع والطمس والتذويب والمواءمة - على حسابه - بينه وبين الأفكار العلمانية والقومية.
ويشهد لثباتة جميلة على هذا الخط سائر كتبها ومقالاتها.
وأذكر أن آخر مقال قرأته لها، قبل بضع سنوات، كان في رد عادِية المحافظين الجدد التي استشرت على الإسلام عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م.
والوثيقة التي أوحت إلينا بهذه الملاحظة هي الرسالة الأولى التي بعثت بها شيختنا مريم جميلة إلى شيخها الإمام المودودي في ديسمبر من عام 1960م، حيث أخبرته بالظروف التي قادتها إلى التعرف به، كما دلته على خطها الفكري.
وفيها قالت: أثناء السنة الماضية، أردت أن أكرس نفسى للصراع ضد الفلسفة العلمانية المادية، والقومية التي ما زالت منتشرة جدا في العالمِ اليوم وتهدد لَيس فقط بقاء الإسلام لكن الجنس البشري بالكامل.
وبهذا الهدف فى وجدانى، فقد سبق لى أن حررت عدة مقالات، نشرت ستة منها فى (ملخص المسلم The Muslim Digest) وكذلك فى The Islamic Review of Working.
مقالتي الأولى كان عنوانها (نقد كتاب الإسلام فى التاريخ الحديث) A Critique of Islam in Modern History للبروفسور وليفرد كانتويل سميث، مدير المعهد الإسلامى بجامعة ماكغيل بمونتريال، وتدحض المقالة نقطة بنقطة حججه بأن العلمانية والتغريب يتفقان مع الإسلام، وأن الإصلاحات التى قام بها كمال أتاتورك فى تركيا تعطى مثالا جيدا للبلاد الإسلامية الأخرى لتطبقه.
ومقالتى الثانية بعنوان (القومية وخطورتها على التضامن الإسلامى) تبين كيف أن المفهوم الحديث للقومية لا يتفق بل ويتعارض مع مفهوم الأمة العالمية والأخوة فى الإسلام.
ومقالتى الثالثة التى ظهرت فى عدد يونيو 1960م من The Islamic Review وكذلك فى عدد أغسطس من The Muslim Digest تفند ما ذكره آصف أ. فيضى، وكيل جامعة كشمير، من مناقشات عن تغريب الإسلام وتحديثه وتحريره إلى الدرجة التى يصبح فيها لا شئ، ولكنه مفرغ من قيمه الأخلاقية ولا تأثير له فى تشكيل المجتمع وثقافته.
وحررت عدة مقالات أخرى تدحض كلام عالم الإجتماع التركى ضياء غولب، الذى حاول أن يخدع قراءه ليؤمنوا بالقومية والعلمانية، وأنها متوافقة مع الإسلام. كمال أتاتورك استقى إلهاماته مباشرة منه، السير السيد أحمد خان الذى اتخذ إلهه العلم والفلسفة الأوروبية.
وعلى عبد الرازق الذى نشر كتابه (الإسلام وأصول الحكم) بعد سقوط الخلافة الإسلامية، حاول أن يظهر بأن الخلافة لم تكن قط مرتبطة بالإسلام، وبذلك يجب الفصل بين الدين والسياسة.
والرئيس الحبيب بورقيبة، الذى هاجم فى العام الماضى الصيام فى شهر رمضان، واعتبره من المعوقات للنمو الإقتصادى فى تونس.
والدكتور طه حسين بمصر ومؤلف كتاب (مستقبل الثقافة فى مصر)، الذي يردد بأن مصر هى جزء من أوروبا، ولهذا يجب العمل على التغريب الشامل والعلمانية بصفتهما من الضروريات.
وهؤلاء المحسوبون على الإسلام، هم أخطر بكثير من أعدائه الخارجيين، لأنهم يهاجمون الإسلام من جذوره. وبنشر مقالاتى أردت أن أبصر قرائى من المسلمين لهذه الحقيقة.
من أكون؟
وبعد أن قامت الكاتبة النيويوركية بالتأصيل الفلسفي المناسب للشجون الفكرية، التي نثرتها بين يدي الإمام، عادت فعرفته بنفسها قائلة: ربما تتساءل من أكون فأنا امرأة أمريكية، أبلغ من العمر ستا وعشرين عاما، وقد تطور اهتمامي بالإسلام، وبت أعتقد بأنه المنقذ الوحيد للبشرية، حتى أنى صرت أفكر فى اعتناقه.
وتبقى مشكلتى الكبرى أنى لا أجد أحدا من المسلمين حولى في نيويورك حيث أعيش وأشعر لذلك بالوحدة القاتلة.
لذلك حينما رأيت مقالتك فى The Muslim Digest سارعت بالكتابة إلى محررها ألتمس منه أن يزودني بعنوانك أملا فى أن تراسلنى.
فأرجو إذن أن تزودنى بنماذج من مقالاتك، وبالأخص إحدى رسالاتك التى نشرتها قبل سنوات بعنوان (منهاج الإنقلاب الإسلامي).
وبما أن كلانا يرنو نحو الأهداف نفسها، فأرجو أن أسعد بالإتصال بك ومحاولة مساعدتك فى تطلعاتك.
ثم ذيلت رسالتها باسمها القديم: مارجريت ماركوس.
أنت مسلمة تنقصك الشهادة!
وقد اهتم المودودي أشد الاهتمام برسالة الفتاة النيويوركية، وسطر ردا عليها وإن ببعض التأخير، ملتمسا لنفسه عذرا في أنه كان يؤدي مهمة كلفه بها الملك سعود بن عبد العزيز، رحمه الله، للتخطيط لتأسيس الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وقد استغرقت منه تلك المهمة شهرا كاملا.
وقد حيا المودودي الآنسة مرغريت ماركوس بتحية الإسلام، رغم أنها لم تكن أعلنت إسلامها بعد.
وأبدى غبطته بأفكارها، وخاطبها قائلا: أنا متأكد بأنك مسلمة، لأن الشخص الذى يؤمن بواحدانية الله، وبأن محمد رسول الله الخاتم، ويؤمن بأن القرآن هو كلمة الله ويؤمن بالآخرة، هو فى الواقع مسلم أصيل سواء ولد فى بيت يهودى، أو نصراني، أو بيت من بيوت من عبدة الأصنام.
إن أفكارك تحمل الشهادة على حقيقة اعتقادك بالأمور أعلاه.
وبناء على ذلك، أعتبرك مسلمة وأختا لى فى الإيمان.
وفي ديننا لا يوجد تعميد ولا تؤدى طقوس ما أمام كاهن، من أجل الدخول فى الإسلام.
وعليه فإذا كنت مقتنعة بحقيقة الإسلام، فأنت لست فى حاجة أكثر من تلفظي عبارة : أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ومن ثم تتخذي أحد الأسماء الإسلامية (كعائشة أو فاطمة مثلا) وتشهري اسمك الجديد وديانتك الجديدة، وذلك حتى يعلم العالم الإسلامى الكبير بأنك أصبحت عضوا فى الأخوة الإسلامية العظيمة.
ومن ثم تبدأين فى أداء الصلوات الخمس المفروضة يوميا وتتبعين تعاليم الإسلام الأخرى بجدية. أجدك تماما على عتبة الإسلام وخطوة واحدة قوية منك إلى الأمام ستلحقك بقطار المؤمنين به.
وداعا .. شيختي مريم جميلة!
محمد وقيع الله
(3 من3)
أسلمت مريم جميلة بيسر وتلقائية، على إثر تلقيها رسالة الإمام المودودي، إذ لم يكن شيئ في الإسلام غريبا عن فطرتها السوية.
ومن ثم شرعت يراعتها لتبيان أصول الدين الحنيف وشرح فروعه، والشروع في الدعوة إليه والدفاع عنه.
وهي المهمة التي لازمتها حتر فارقت دنيانا أخيرا.
ونشرت عشرات الكتب القيمة التي من أهمها: الإسلام في مواجهة أهل الكتاب: في الماضي والحاضر، والإسلام والمستشرقون، وهل الحضارة الغربية حضارة كونية؟ والإيلام والمجتمع الغربي، والحضارة الغربية تدين نفسها، والإسلام بين النظرية والتطبيق، وغيرها من المؤلفات النافعة.
موضوعاتها الأثيرة
ولم يكن غريبا أن أبرز سمة في الموضوعات التي شغلت جميلة نفسها بها قطعها التام مع موجة الحداثة بما أنها قطع مع الماضي (التراث الديني بشكل خاص).
فهي ليست ضد التحديث والتقدم، ولكنها ضد فكرة البناء على أنقاض الماضي، بعد هدمه، أو على مكان الماضي بعد جرف ركامه وإزاحته.
إنها ضد (الإنسانوية) أي الفكرة / العقيدة التي تجعل من الإنسان مركزا للكون، وتستبعد الإله، وتستنكف من الخضوع لعالم القيم النهائية المطلقة.
فالقيم كل القيم تعتبر لدى المفكرين الحداثيين قيما نسبية، وكل إنسان يضع قيمه الخاصة، ويكون دينه الخاص.
وهذا ما وقفت ضده مريم جميلة من قبل أن اعتنقت الإسلام، وأبدت اشمئزازها من انحلال جوهر الديانة اليهودية، لدى من أطلقت عليهم لقب اليهود الإصلاحيين.
وقد هالها عقب إسلامها أن ترى الأثر التخريبي للحداثيين في العالم الإسلامي، فشنت حملات نقدية قوية ضد زعيم الحداثيين في العالم العربي والإسلامي الدكتور طه حسين الذي اتجه بكتابه (في الشعر الجاهلي) لنسف مرجعية القرآن الكريم.
ولم توفر من حملاتها السير أحمد خان، في الهند، ومصطفى كمال أتاتورك، وضياء غولب، في تركيا، وقاسم أمين، وعلي عبد الرازق، في مصر، وشيخها الروحي، وشيخنا الأستاذ محمد أسد، الذي كان كتابه العظيم (الطريق إلى الإسلام) من معالم هدايتها إلى نهج الدين الحق.
وقد اتهمت هؤلاء جميعا، خلا شيخنا محمد أسد، بأنهم ذيول للبعثات التبشيرية والاستشراق الإمبريالي، التي انبعث لنهش تراث المسلمين والعبث به.
وفي منحى مخالف أشادت بالجهود الأصيلة المبرورة، التي بذلها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي لإيقاظ المسلمين وإنهاضهم، وإصلاحهم بالدين، لا إصلاح الدين بهم.
فقد بدا نهج شيخ الإسلام مطابقا لفهم جميلة للموضوع.
فالمشكل يكمن في المسلمين لا في الإسلام، كما يقول الإصلاحيون الاعتذاريون المتفسخون الفاسدون الذين يظنون بالدين الظنون.
وقد أبدت جميلة شجاعة كبرى حين أبدت اعتراضها القوي على بعض أفكار شيخ الإسلام عن التصوف، حيث رأت أن الشيخ لم يميز بين أنواعه الكثيرة، التي تتراوح بين التصوف السني المعتدل، والتصوف الحلولي الشاطح.
وقالت ليس من العدل حمل أنواع التصوف كلها على النوع الأخير.
وهكذا أبدت نقدها الاعتراضي جهرة، ولم يثنها خوف ولا تردد، من إبداء رأيها القوي.
التحرش بالحضارة الغربية
ولشدة نقد جميلة لنمط التقدم الحداثي، على النموذج الغربي، فقد أطلق عليها خصومها الحانقون أوصافا عديدة، ساخرة، هدفت إلى الحط منها، أو تدميرها.
وذلك من مثل ما كتبته عنها الصحفية الأمريكية، لورين آدامز، بصحيفة (نيو يورك تايمز)، وقد وصفتها بأنها امرأة غريبة الأطوار إلى الحد الأقصى.
وقد كتبت عنها الكاتبة الأمريكية، ديبرا بيكر، التي اشتهرت بكاتبة السير الغيْرية للكتاب المذهلين ذوي العجائب، كتابا بعنوان (الصابئة: قصة المنفى والتطرف).
وقد قيل إنها أعجب السير التي سطرتها تلك الكاتبة، وإن سير الكتاب العجائبيين الغابرين، الذين كتبت عنهم فيما مضى، أصبحت لاشيئ بالنسبة لسيرة مريم جميلة!
وقد وصفت جميلة من قبل بعض خصومها، بأنها شديدة التحرش بالحضارة الغربية ومُثلها، وأنها اتخذت لحياتها مهنة، ثابرت عليها طوال حياتها، تمثلت في شجب أسلوب الحياة الأمريكي.
وقالوا إنها قامت بتشويه صورة أمريكا في الخارج أكثر من أي شخص آخر.
وزعموا أنها كانت أقوى من مثلوا علاقات الشد والتوتر من جانب الطرف الإسلامي مع الطرف الغربي.
وقالوا إنها ظلت تناضل ضد حقوق المرأة، وإنها مَرَدَت على اختزال دور المرأة في أن تكون زوجا وأما، ولكنها لم تكرس نفسها لهذا الدور بالكامل، إذ كانت كاتبة غزيرة الإنتاج، مما ينبئ أنها لم تكن متفرغة تفرغا كافيا لمهام الزوجية والأمومة.
خاتمة
ولاشك أن خصومها الحانقين كانوا ينطلقون من شعور قوي بالصدمة من تحولات هذه المرأة الفولاذية المفكرة القوية، ذات النزعة الاستقلالية، وذات الاعتزاز الذي لا يخفى بالهوية الإسلامية.
والتي أصبحت كتاباتها عونا لبعض المثقفين المسلمين، للتعرف على خصائص ثقافتهم الذاتية والتمسك بها.
ولكن مهما أشدنا بشيختنا مريم جميلة ، وبينا قدرها العلي، ومجدنا شأنها البي، فلابد أن نعود لنقر بأن أثرها لم يكن عميقا كما ينبغي.
لأنها آثرت خط التشدد الفكري القريب من خط الجماعة الإسلامية الباكستانية، وهو خط مثالي بعيد نسبيا عن الواقع المعيش.
وكما كان حظ تلك الجماعة في الإصلاح والتحول الاجتماعي والسياسي متواضعا، فكذلك كان حظ مريم جميلة في التأثير على المجتمع الإسلامي.
لكن يقر لها أنها كانت من الوجهة الفكرية النظرية المحضة أصيلة قوية صلبة (وربما متشددة أيضا!).
لاسيما في نقدها العميق لأسس الحضارة الغربية، ومبادئها، وإبراز مساوئها، والتبصير بمساربها الخفية، التي دخلت بها في أرض الإسلام.
ويلاحظ أن كتب أستاذتنا الشيخة جميلة لم تحظ كتب بترجمات وافية إلى اللغات الحية.
ولم تتعهدها دار نشر وتوزيع عالمية قوية، فقد عهدت بكتبها إلى دار نشر محلية متواضعة في لاهور، يملكها زوجها الأستاذ محمد يوسف خان، فانحصر أثرها في أوساط ثقافية محدودة.
وهذا خطأ نرجو أن يتداركه أولادها المباركون، فيعهدون بكتب أمهم المبرورة، إلى دور نشر أمريكية بارعة تتولى نشرها في آفاق الدنيا.
وحينها سيشفع لكتبها أسلوبها الإنجليزي الجميل المنيف، وفكرها اللوذعي الحصيف، وعواطفها الحارقة المتأججة بين السطور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.