المريخ يختار ملعب بنينا لمبارياته الافريقية    تجمع قدامي لاعبي المريخ يصدر بيانا مهما    بالصور.. تعرف على معلومات هامة عن مدرب الهلال السوداني الجديد.. مسيرة متقلبة وامرأة مثيرة للجدل وفيروس أنهى مسيرته كلاعب.. خسر نهائي أبطال آسيا مع الهلال السعودي والترجي التونسي آخر محطاته التدريبية    شاهد بالفيديو.. بالموسيقى والأهازيج جماهير الهلال السوداني تخرج في استقبال مدرب الفريق الجديد بمطار بورتسودان    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    شاهد بالصورة والفيديو.. سيدة سودانية تطلق "الزغاريد" وتبكي فرحاً بعد عودتها من مصر إلى منزلها ببحري    حادث مرورى بص سفرى وشاحنة يؤدى الى وفاة وإصابة عدد(36) مواطن    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس يصل مطار القاهرة الدولي    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور يوليو حرارة على الأرض    يؤدي إلى أزمة نفسية.. إليك ما يجب معرفته عن "ذهان الذكاء الاصطناعي"    عمر بخيت مديراً فنياً لنادي الفلاح عطبرة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    لماذا اختار الأميركيون هيروشيما بالذات بعد قرار قصف اليابان؟    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    البرهان يتفقد مقر متحف السودان القومي    التفاصيل الكاملة لإيقاف الرحلات الجوية بين الإمارات وبورتسودان    بيان من سلطة الطيران المدني بالسودان حول تعليق الرحلات الجوية بين السودان والإمارات    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدل حول الحركة القومية و إشكالياتها .. بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
نشر في سودانيل يوم 07 - 02 - 2018

أرسل إلي الأستاذ محمد بشير " عبد العزيز حسين الصاوي" ورقة الحوار الذي جرى بينه و بين الأستاذ أحمد محمود " حوار حول الحركة القومية" حيث تقول الورقة في مقدمتها " أولا هل فقد الأستاذ الصاوي الإيمان بكافة الأشكال التنظيمية الحزبية بما فيها تنظيم البعث السوداني؟ ثانيا هل كان ظهور حزب البعث لضرورة تاريخية تطلبتها مرحلة الستينات، أم هو كان فقط نتاج لفعل مثقفين يبحثون عن دور لهم؟ الثالث إذا كانت الديمقراطية مستحيلة كما ذكر الأستاذ الصاوي إذن فما هو الحل؟ الرابع أليس الأفضل للبعث في السودان الارتباط بالاحزاب القومية من أجل الاستفادة من التجربة الحزبية العربية في تطوير ذاته بدلا من الدوران حول الأحزاب السودانية فارغة المحتوى" إن الصاوي المشغول بقضية الاستنارة في السودان التي تعتبر القاعدة التي يؤسس عليها مشروع النهضة، و الاستنارة رغم إنها مشروعا فكريا، إذا كان مشروعا فردانيا أو مشروعا حزبيا، يحتاج إلي بيئة ديمقراطية تسمح بالجدل الفكري بين النخب المختلفة فكريا، لكي يحدث تلاقحا للأفكار يؤدي لوعي وسط المجتمع في طبقاته المختلفة، لذلك تجد إن الصاوي يربط الاستنارة بقضية الديمراطية، و يحاول البحث عن العوامل التي تساعد علي ذلك، فنجده يشير إلي إن الإصلاح التعليمي في السودان هو العامل الأساسي لكي ينجح مشروع الاستنار، و تأسيس قناعة اجتماعية بجدوى الديمقراطية. و هنا سوف أتناول بعض القضايا التي اعتقد تحتاج إلي إضاءة في الحوار، و هي مساهمة بهدف توسيع دائرة الحوار، خاصة إن تجربة البعث و نظم حكمه تتطلب إعادة القراءة بمنهج نقدي، بعيدا عن العواطف التي تسيطر علي كثير من النخب البعثية.
قناعة الصاوي بمشروعه جعله يقول في الحوار "الاحزاب مكون رئيسي للانظمة الديموقراطيه لانها أداة تفعيل الارادة السياسية للمواطنين. النقطة التي اثيرها بهذا الصدد في كتاباتي المتواضعه هي ان الارضية اللازمة لنموها في السودان بما يجعل هذا الدور ممكنا، قد تصحرت تماما لسببين رئيسيين الاول هو هشاشة هذه الارضية ابتداء نتيجة لان السودان لم يمر بعصر تنوير يحرر الفرد من تأثير ارتباطاته الاوليه بما يجعل منه خامة صالحة لبناء حياة حزبية سليمه" إذا رجعنا تاريخيا لحركة الوعي السياسي في السودان في آطارها الحداثي، نجدها قد بدأت بتأسيس التعليم الحديث الذي كان صناعة استعمارية، و رغم هذه الصفة، لكنها كانت البداية الحقيقية لعملية الحداثة في السودان و التفكير العقلاني، الذي سمح للنخب الجديدة في ذلك الوقت أن تطلع علي حركة الأفكار في العالم، إن كان ذلك من خلال نهل من مصادر غربية، اتاحها لهم تعلم اللغة الانجليزية بقيام التعليم الحديث، أو المتابعة و المشاركة الفاعلة لبعض النخب السودانية للجدل الفكري و السياسي الذي كان دائرا في المجتمع المصري، و هذا خلق وعي عند النخب الجديدة ساعدها علي فكرة تأسيس نادي الخريجين عام 1918م، كبؤرة وعي في البلاد، ثم مؤتمر الخريجين عام 1937م، كنقلة نوعية للتفاعل السياسي و الثقافي بين النخب السودانية الجديدة، الذي انتقل بها إلي مرحلة متقدمة في تطوير آلياتها الاجتماعية و السياسية في تأسيس أحزابها، و في تلك الفترة بدأت النخب السودانية في المجال الثقافي تطور آدواتها و تطرح العديد من الأسئلة، التي تتعلق بقضية الاستنارة، في مجلتي الفجر و النهضة. و كتب عرفات محمد عبد الله في العدد 6 من مجلة الفجر 1934م، يقول عن القومية السودانية " القومية تدعونا إلي الاتحاد و إلي الائتلاف فيما يكون دعامة قومية لشعب دارج في سلم الحياة، و لكن ترانا في تفرق عظيم، و نختلف في أبسط الأمور و نركب هام بعضنا، كأننا من اجناس متباينة رحماك ربي علي أمة تلاشت في الخصومة" أليس هذا تعاني منه البلاد رغم مرور 74 عاما، فالنخب كانت بالفعل تؤسس لاستنارة في حدود وعيها في تلك الفترة. و أيضا كتب في ذات مجلة الفجر العدد 9عام 1934م، أحمد يوسف هاشم يقول " أرفع ما تسمو إليه نفوسنا ثقافة و أدب قومي خاص، نطبعهما بطابعنا، و نميزهما بكل مافي حياتنا من مميزات حتى لفحات الهجير، و نعرف بهما في كل أمة و مكان و بلدة و قطر" هذا يؤكد أن مشروع الاستنارة كان قد وضع لبناته، قبل خروج الاستعمار، و لكن النخب قد أهملته بعد الاستقلال، و اعتقدت إن الوصول للسلطة هو الذي يجعلها تحقق ما كانت تطمح إليه. و رغم إن بدايات مشروع الاستنارة كانت تدعو لأمة سودانية تتكامل فيها أركان الأمة التي تتطلع لبناء الحداثة و التطور. لكن كانت قضية القومية العربية جزءا من الصراع الثقافي الدائر بين النخب في تلك الفترة، بين المناداة بالسودان كقطر لديه خصوصياته أو علاقته بالدول العربية، هذا الصراع الثقافي هو الذي خلق أرضية لحركة القوميين العرب في السودان، و حتى الثقافة العربية خرجت من طابعها القديم، حيث أكتسبت التجربة حوارا حول قضية الهوية التي تنازعتها العروبة و الأفريقانية.
حول السؤال المتعلق لماذا حزب البعث السوداني؟ و هو نتاج خلاف فكري حدث داخل حزب البعث " العراق- للتعريف" حول قضية الحرية و الديمقراطية، و هي القضايا التي أختفت من الممارسة في العمل الحزبي التنظيمي، رغم إنها واحدة من الأركان الأساسية لشعار البعث، لكن في التجربتين قد سقط " العراقية – السورية" يقول عنها الصاوي في الحوار " البعث السوداني" كان محاولة باسلة للتقدم بالاتجاه الصحيح مستلهما تاريخ البعث المشرقي التنويري الليبرالي الديموقراطي العلماني في عملية تجديد مستمره. ولكن المهمه كانت اكثر تعقيدا في حالته لان الحمولة الجمودية مضاعفة لديه بحكم مخلفات ارتباطه السابق بالمرحلة السلطوية للنموذج البعثي التي صاغتها قيادة صدام حسين مفارقة لمرحلة النشوء. لا ازال مرتبطا وجدانيا وعاطفيا بالبعث السوداني ولكن الامانة تقتضي القول بأن محاولاتي للدفع لاستكمال شوط التجديد الديموقراطي توقفت بأعطاء قيادة الحزب، لاسيما الراحل محمد علي جادين، الاولوية لوحدة البعثيين، والانغماس في العمل السياسي المعارض، العقيم الرائج الان . هو شخصيه مدهشه في قدرته علي التأثير في محيطه وكسب الحب والاحترام مما يفسر تميز وخصوصية دوره القيادي وشكلنا معا ثنائيا ازعم بأنه ساهم كثيرا في المحاولة الجريئة لانقاذ البعث، ولكن الجميع مدينون للحقيقة كما يرونها أولا ...قد اكون مخطئا في مجمل التحليل للازمة العامة ومترتباتها.... والموضوع مفتوح للنقاش برمته" في حوارت عديدة كنت قد أجريتها مع الراحل محمد علي جادين حول " البعث السوداني" كان يعتقد لابد من التمييز بين البعث في التجربة العرقية المليئة بالأخطاء، و خاصة غياب قضيتي الحرية و الديمقراطية، و بين مشروعنا العقلاني الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بقضية الحرية و الديمقراطية، و أي نقد للتجربة الصدامية في الحكم تقود لإدانة التجربة، و النتيجة غياب النظام اليوم، و أيضا في حوار جمعني مع الراحلين جادين و الدكتور محمد المهدي، كان يقول الآخير إن الخروج جاء متآخرا، فكانت هناك فرصة في أوائل السبعينات، كانت تهدف لتحقيق ذات القضية، و لكن كان لجادين تبريره في ذلك، باعتبار إن الصراع حول القضية كان مفتوحا داخل التنظيم. إن قضية البعث السوداني، أستطاع الصاوي و جادين أن يقدماها من خلال أطروحات فكرية حول الديمقراطية صدرت في كتاب عن الديمقراطية لكل منهما، الأمر الذي يؤكد أن الصراع الذي كانت نتيجته " تأسيس حزب البعث السوداني" كان صراعا فكريا عجزت القيادات في حزب البعث مواصلته بفكر مفتوح، و تخندقت أمام شعارات و رايات أهملتها تجربة حكم البعث في كل من العراق و سوريا، مما يؤكد أنها مجرد شعار فشلت النخب التي ماتزال تتمسك بالبعث من تبرير عدم تنزيل الشعار للواقع، لكن جاءت مغادرة الصاوي لحزب "البعث السوداني" يقول عنها الصاوي إن مشغوليته في البحث عن قضايا فكرية تتعلق بقضايا الاستنارة و الديمقراطية لا تمنحه فسحة من الوقت لكي يمارس العمل السياسي اليومي، لذلك يجب عليه إفساح المجال لآخرين لديهم الوقت الذي يمكن استثماره في العمل السياسي اليومي و التنظيمي. و هو حديث مقنع باعتبار إن النظر للعمل السياسي من بعد يساعد المفكر في تأدية مهامه. و في ذات الوقت فضل جادين إن يبق في حزب البعث السوداني أيضا من خلال رؤية أخرى أن تجارب العملية تكسب صاحبها خبرة و رؤية دقيقة في متابعته للأحداث عن قرب.
في الإجابة علي السؤال موجه للصاوي: اذا كانت الديمقراطية مستحيلة في الواقع السوداني و كما ذكرت انت فما هو الحل؟ يجاوب الصاوي و يقول في مسودة الحوار "العنوان الكامل للكتاب الذي وردت فيه هذه العباره هو " الديموقراطية المستحيلة ، معا نحو عصر تنوير سوداني " والشق الفرعي من العنوان هو الذي يجيب علي السؤال. التجربة الاوروبية تدلنا علي الشرط الواجب توفره لكي تنجح الصيغة الديموقراطية وهو انعتاق الفرد من الانساق الاجتماعية والثقافية الموروثة بدرجة تجعل من قدرته علي ممارسة حرية الاختيار المادة الوحيدة الصالحة لبناء الصرح الديموقراطي عليها. في اوروبا تولد هذا الشرط عبر مايسمي " عصر التنوير " الذي هو في الواقع نتاج تراكمات تنويرية حضارية عربية واسلامية وهندية وصينية الخ.. الخ..هو النسخة النهائية من سعي البشرية لانتاج النظام السياسي الافضل من غيره لانه يبقي المجال مفتوحا لتحسينه الي درجة إمكانية إستبداله بغيره. وعصر تنويرنا السوداني يتجه لنفس الغايه ولكنه غير اوروبي بمعني أساسي لانه يشق طريقه الخاص الي توفير شرط الانعتاق في ظروف تاريخية زمانية ومكانية مختلفة إذا لم تلتزم الجهود المبذولة لتأسيس نظام ديموقراطي في السودان كبديل للنظام الراهن، باستراتيجية تتضمن في صلبها توفير هذا الشرط، فأن الديموقراطية ستبقي مستحيلة كما بقيت حتي الان، لأن هذا الالتزام ظل مفقودا في الجهود التي انتجت اكتوبر 64 وابريل 85" الملاحظ في التجربة السياسية السودانية إن كان ذلك في انظمة الحكم التي مرت علي السودان، أو في التجربة الحزبية السودانية إن الغائب الأساسي هي الديمقراطية. و معروف عبر التجربة التاريخية للديمقراطية إنها لا تنمو في المجتمعات من خلال مجهودات نظرية، و لا هي نمت في أوروبا نفسها من خلال مجهودات التنوير بعيدا عن التفاعل مع الواقع، أولا استطاعت النخب الأوروبية في عصر النهضة أن ينتزعوا حريتهم من خلال الصراع الذي خاضوه داخل الكنيسة، و كان مارتن لوثر و رفاقه جزءا من هذا الواقع الكنسي بكل تفاصيل المأساوية، و لكنهم تمردوا عليه و قدموا أطروحاتهم متحدين هذا الواقع و كسر القيود التي كان تكبل الحرية، لكي يفسحوا الطريق لمشروع التنوير، و الثاني أن أطروحات مارتن لوثر و الأسئلة التي قدمها عجزت الكنيسة أن تجيب عليها، هذا العجز جعلها تتوارى، الأمر الذي وسع دائرة الحرية في أن تتقدم عناصر جديدة. في السودان إن مأساة المجتمع هي النخب نفسها التي كانت ترفع راية التنوير قبل الاستقلال، فإذا كانت الأحزاب السياسية يسارية و يمينية تعاني من الثقافة الديمقراطية، و تعتبر ترف مثقفين فمن أين تنمو جذورها في المجتمع. كما إن النخب التي كانت تشتغل بالفكر قبل الاستقلال و كونت الجمعيات الأدبية، هجرت مشروعها بعد الاستقلال و فضلت ألعمل السياسي المجرد، الذي يقول عنه مهدى عامل جدل النضال اليومي.
و في سؤال آخر يقول: أليس الأفضل للبعث في السودان الارتباط بلأحزاب القومية من أجل الاستفادة من التجربة الحزبية العربية في تطوير ذاته بدلا من الدوران حول الأحزاب السودانية فارغة المحتوى؟ يجيب الصاوي بالقول "جهودي في محاولة إنجاح صيغة حزب البعث السوداني تنقيبا عن مقومات نشوء البعث خلال الأربعينات الغنية بالمحتوى الديمقراطي فكرا و تطبيقا، تنطوي علي الإجابة بالنفي للافتراض الذي يقوم عليه السؤال" و يضيف قائلا في ذلك "من حق الاخرين طبعا الانتماء الي احزاب يعتبرونها قوميه لذلك ،بهذا المعني، هي موجودة ولكن قناعتي المتواضعة ان المعني الحقيقي لوجود حزب قومي او غير قومي هو مدي ديموقراطيته فكرا وتنظيما وسلوكا لانه بغير ذلك يفقد مبرر وجوده الوحيد وهو كونه وسيلة او أداة تفعيل ألارادة السياسية للفرد العادي، كما أشرت سابقا... وبالنسبة للاحزاب القومية العلامة الرئيسية الاولي والاوليه لامكانية تطورها بهذا الاتجاه هو المدي الذي تذهب اليه في ممارسة النقد الذاتي. هو مدي عظيم وكبير، عظم وكبر المسئولية التي تحملتها في تشكيل الحياة السياسية والفكرية والدولتية العربية لفترة تجاوزت العقود الثلاثة من الزمان ولاتزال تلقي بظلالها علي الحاضر" إذا كانت كل الأحزاب السودانية قد تأثرت بالتجربة المصرية، و البعض استلف آطاره التنظيمي و الفكري منها، إذا أي تجربة سياسية حزبية عربية كانت ناجحة كان يجب أن يتأثر بها السودان. إشكالية النخب السودانية التي تفتحت عيونهم علي الفكر القومي، تأخذهم العاطفة لكل تجربة قومية حتى إذا كانت تعاني من سلبيات قد اقعدتها. إن أغلبية التجارب السياسية العربية و خاصة الأحزاب القومية و اليسارية كانت تواجه إشكالية الديمقراطية. يقول عن ذلك الدكتور عصمت سيف الدولة المنظر للناصرية في كتابه " نظرية الثورة العربية الجزء الثاني" صفحة 191 عن قضية الديمقراطية في الفكر القومي العربي يقول فيها " لم تدرس الديمقراطية بعد دراسة كافية في الفكر القومي التقدمي الذي يتضمن في داخله كافة المدارس الفكرية المختلفة في شأن الديمقراطية، و علي وجه خاص ليس ثمة في الفكر القومي التقدمي الذي نعرفه بيان للعلاقة بين القومية و الديمقراطية. و قد نستطيع أن ندرك أن تيار الفكر القومي السائد في الوطن العربي، أذ يدعو بالحاح إلي ( الثورة) العربية من أجل قيام دولة الوحدة، لا يجد مكانا في الحديث عن الثورة للحديث عن الديمقراطية" و تعليقا علي عصمت سيف الدولة، تأجلت قضية الديمقراطية في كل النظم القومية و التقدمية في المنطقة العربية بترير اتفق فيه الجميع، إن الديمقراطية لا يمكن أن تنجح إلا إذا تهيأت لها الظروف الاجتماعية و السياسية التي تساعدها علي النمو، كما أن التحديات التي تواجهها الأمة العربية من قبل الامبريالية أيضا تمنع الدخول في التجربة الديمقراطية. هذا التبرير كان يؤمن السبيل المريح للشمولية، و في نفس الوقت يفسح المجال للعناصر الانتهازية و الوصولية التي تحكمت في هذه التجارب و قادت لسقوطها، و في الأحزاب البعثية في دول الهامش أدت للتكلسها، و صعود قيادات فاقدة للأهلية مهمتها أن تسبح بأسم القائد العظيم مادام يوفر لها سبل معيشتها.
يؤكد الدكتور برهان غليون في كتابه " بيان من أجل الديمقراطية" صفحة 121 يقول " و لا يمكن للدولة أن تستقل و تتحول إلي أداة لتنظيم الصراع الاجتماعي و تمثيله و توحيد الأمة و أن تصبح ديمقراطية بالفعل إلا عندما يصبح من الممكن أن تسود المصالح المادية للاغلبية، أي أن ينهار الطابع القهري للسلطة و سيطرة الاقلية المالكة عليها و يحل محله الأعتراف المتبادلة بسلطة الأغلبية السياسية" و هنا تنتفي عملية الرابط الجدلي بين مكونات شعار البعث " الوحدة و الاشتراكية و الديمقراطية" لآن تجارب حكم البعث كانت تريدها أن ترتب علي أسس مرحلية مرتبطة بأولويات. و مادامت أولويات لا مكانة لمسألة الربط الجدلي التي كانت شعار و ليس اجتهادا فكريا يجعلها بالفعل في حوار جدلي. فالتجارب البعثية في الحكم أهملت قضيتي الحرية و الديمقراطية حتى داخل التنظيم، فهل ذلك يعود للعقليات العسكرية التي سادت التجارب؟ أم إن الطبقة الوسطى كانت أضعف من أن تقدم أطروحات فكرية لكي تحدث بها صراعا داخل تنظيماتها السياسية لكي تحسم الصراع لصالح الديمقراطية؟ و الملاحظ أيضا رغم أن حزب البعث في أدبياته كان ضد الانقلابات العسكرية لكن كل نظم حكمه جاءت عبر انقلابات عسكرية. و من هنا فرض العقل العسكري وجوده داخل تجربة البعث، و هي القضية التي لم يتناولها الصاوي و جادين في أطروحاتهم الفكرية.
و تعقيبا علي السؤال، الأحزاب السودانية بالفعل فارغة المحتوي، و ضعيفة في إنتاجها الفكري و الثقافي، لكن الأحزاب القومية ليست أفضل حالا منها، تجاربها في الحكم تجارب غير ديمقراطية، مارست فيها أنتهاكات لحقوق الإنسان و صلت لتصفيات جسدية، و أي محاولة لربط الأحزاب الناشئة بالتجارب القومية قد تدخلها في " نضال البعث" و هو كتاب سجل فيه كل الانشقاقات و الانقسامات التي تعرض لها البعث، و هي تؤكد أحقية التمرد و الانشقاقات. و كما يقول الصاوي يجب أن تخضع لدراسة نقدية تنطلق من أرضية ديمقراطية، و الملاحظ إن النخب التي بقيت داخل أحزاب البعث التي ورثت عهدت بقايا صدام حسين حتى اليوم تتحسس سلاحها عندما يذكر في حضرتها قضية إخضاع هذه التجارب لدراسة نقدية، الأمر الذي يؤكد إن تجربة البعث بصورتها القديمة، و وراثة التجارب السابقة سوف تسير بها علي ذات المصير. إن مشكلة النخب السياسية السودانية عندما تخدم كثيرا في تجارب سياسية تسيطر عليها الكارزما دون المؤسسية، تصيب العقل بنوع من الضمور تجعله لا يدرك الواقع الجديد و متطلباته، أو إنها تكون في حالة من الحداد علي الزعيم يمنعها من ممارسة النقد، الذي ربما يدخلها في خيانة لمبادئ الزعيم الراحل.
و هذا ما يقوله الصاوي في ذات الحوار، حيث يقول "الانظمة الشمولية الشرقية منذ منتصف الثمانينيات وتصاعد المد الديموقراطي في العالم الثالث وبطبيعة الحال لايمكن الحديث الان عن وجود احزاب قوميه، بالمعني الذي شرحته، بحيث يمكن الاستفادة منها بعد مرور مايتجاوز العقود الثلاثة من تلك الفتره دون ان يظهر عليها مايدل علي إعادة نظر جديه. ربما العكس هو الصحيح : تجربةالبعثيين السودانيين ممثلة في "حزب البعث السوداني " هي النموذج الاصلح للاقتداء من قبل القوميين الاخرين سودانيين وغير سودانيين .. علي الاقل كانت خطوة علي الطريق الصحيح حتي لو لم تكتمل" إذا الصاوي مع إخضاع التجارب إلي دراسة النقدية، و العمل علي تصحيح الأخطاء، و هذه تتطلب منهجا جديدا و إعادة قراءة في المرجعية الفكرية، لكن العقليات التي تحجرت لا تستطيع أن تقوم بهذا الدور، كما إن التجربة السابقة أكدت خلو الجانب السوداني من القيادات التي تشتغل بالفكر بعد هجرت بعضهم خارج اسوار التنظيم الأرثوذكسي.
إن أجتهادات و مواصلة الصاوي في أن يقدم أطروحات فكرية للساحة السياسية محاولا أنعاش الذاكرة فيها و الذهنيات التي تعطلت، من خلال طرح العديد من الأسئلة، هي أيضا تعد محاولة لجذب العديد لساحة الحوار الفكري، كل يقدم كل حسب طاقته المعرفية، لكن الجدل و الحوار يؤسسان لوعي جديد، و إنطلاقة جديدة تتخذ من الفكر منهجا جديدا في الحوار، يؤسس لقضايا نظرية لقضية الديمقراطية وفقا للواقع الاجتماعي و التحولات التي تحدث فيه. و نسأل الله حسن البصير.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.