طبعا بلادنا تعرضّت لإنهيارات ضخمة و(فقدانات موجعة) في اتجاهات شتى؛ منها الإقتصاد والسكة حديد ومشروع الجزيرة والريف المُنتِج.. والعدالة وتبادل السلطة والأخلاق العامة.. والغابات والغطاء النباتي والحياة البرية..إلخ ولكن كل ذلك لا يعنى خطأ من سفحوا الدموع على مبني (سينما كولوزيوم) وما تمثله من رمز ومعلم شعبي ثقافي ووجداني لدى السودانيين، ولم يهن على الناس أن تتناوشها المعاول وتهدم بنيانها من القواعد! فهي من أقدم دور العرض السينمائي في أفريقيا وكانت تستضيف أندية السينما وقاعات وأرشيف السينما السودانية والعالمية وهي تستحق (زفرات الوداع) ولكن: إلى متى يذرف السودانيون الدموع بدلاً عن التصدى الذكي لحماية معالمهم من الإندثار والضياع في (الباي باي) بحجة الإستثمار الإنتهازي السخيف! وفي ذات الوقت يخطئ من يقول أنه تفاجأ بهدم كولوزيوم إلا أن يكون (نائماً في العسل)! فهذه الهجمة التي مسحتها من الوجود هي حلقة في سلسلة طويلة، وطرف من ذيول (سحابة سوداء) امتدت وتمطت وغطت ثم طمست كل ما يمثل ثقافة أو تنوير أو قيمة معرفية أو روحية أو معلم يحبه السودانيون؛ فالذين يدفعون هذه السحابة السوداء ويعملون على انتشارها في الفضاء السوداني قوم لا يحبون الحياة ولا الثقافة ولا الفنون ولا المعالم التي تُعنى بالتثقيف والتنوير، وكل تلك (المسيرة الانكشارية) تجاه مواقع الثقافة والتنوير والعلم والتعلم والتعليم لا يمكن أن تكون صدفة و(القائمة تطول) فما ظنّك بقوم يكرهون المعرفة وتستفزهم الفنون! إنه مسلسل طويل تمّ بصورة ممنهجة ومقصودة من قمة الذين يقفون على رأس مشروع قالوا إنه مشروع حضاري، وهم يعلمون إن هذا المشروع إذا أُريد له أن يُقام على أرض السودان فلا بد من إطفاء كل مراكز الضوء! حيث أن المشروع يناقض بصورة واضحة لا لبس فيها حيوية الحياة والفنون والفكر الحر والثقافة والإرث السوداني، وعندهم (الضرر كل الضرر) في المكتبات العامة وقصور الثقافة ومجمعات الشباب ودور السينما ومنافذ الصحف والمجلات وصالات العرض، وحتى ساحات الأسواق الشعبية والمدارس العريقة والمسارح والمتاحف ومعالم السياحة! وفوق ذلك هناك أمر ظهر للناس مع امتداد التسلط واحتكار المنابر والثروة والقرار، وهو أن هذه الجماعة حريصة على أن تنظر إلى كل (ما يحبه الناس) لتتبنى (كراهيته)! هل يحب الشباب قصر الشباب والأطفال؟ إذن لا بد أن يُحرموا منه؛ هل يحب السياسيون نادي الخريحين؟ إذن يجب هدمه؛ هل يحب الناس سوق الخرطوم القديم ويستأنسوا ويتواصلوا عبره؟ إذن يجب ان يختفى هذا السوق؛ هل يلتقي محبو الفنون في (أبو جنزير) ليشاهوا معارض الفن التشكيلي ويتثقافوا؟ اذن لا بد من إزالتها؟ هل يستريح الطلاب والأفندية للأفلام التثقيفية الطليعية في سينما الخرطوم غرب؟ أو هل تستهوى حديقة الحيوانات أفواج التلاميذ والمستروحين والباحثين والشعراء والمتأملين وأبناء العاصمة وزوارها؟ إذن يجب تشليعها... إلهي ينتقم من هؤلاء المشلعاتية.. قادر يا كريم!! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.